الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة

اشارة

نام کتاب: الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة
نویسنده: حسینی مدنی، محمد کبریت
تاریخ وفات مؤلف: 1070 ه. ق
محقق / مصحح: شافعی، محمدحسن اسماعیل
موضوع: جغرافیای شهرها
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: دار الکتب العلمیة
مکان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1417 ه. ق
=====
تألیف: محمد کبریت الحسینی المدنی ترجمة، تحقیق: محمد حسن إسماعیل
الناشر: دار الکتب العلمیة النوع: ورقی غلاف فنی،
حجم: 24×17،
عدد الصفحات: 248 صفحة
الطبعة: 1
مجلدات: 1
اللغة: عربی

ترجمة المصنف‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم هو محمد بن عبد اللّه بن محمد مولده و وفاته بالمدینة.
هو من أحفاد شرف الدین بن یحیی الحمزی الحسینی المولوی المشهور بمحمد کبریت.
أدیب قام برحلة إلی الروم [ترکیا] سنة 1039 ه، ألف فیها: رحلة الشتاء و الصیف (ط) و زار دمشق و القاهرة و من کتبه:
- الجواهر الثمینة فی محاسن المدینة. و هو کتابنا هذا.
- [حاطب لیل] کبیر جدّا.
- نصر من اللّه و فتح قریب ط. فیه تراجم بعض فضلاء المدینة.
- و الزنبیل اختصر به الکشکول للعاملی.
- و العقود الفاخرة فی أخبار الدنیا و الآخرة.
- بسط المقال فی القیل و القال.
توفی رحمه اللّه سنة 1070 ه.
انظر/ ترجمته فی:
خلاصة الأثر (4/ 28)
إیضاح المکنون (1/ 182)
الأعلام للزرکلی (16/ 240)
کتبه السید/ محمد علی بیضون صاحب دار الکتب العلمیة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 4

وصف المخطوط للمحقق‌

بفضل اللّه الواحد الأحد الفرد الصمد الذی لم یلد و لم یولد و لم یکن له کفوّا أحد عثرنا لهذا الکتاب الجلیل علی مخطوطتین إحداهما فی دار الکتب المصریة و الثانیة فی معهد المخطوطات و ثم ضبط نص الکتاب منهما:
وصف النسخة المرموز لها ب «أ»:
و هی نسخة المعهد المصورة من رضا رمبور و رقمها (3619) و رقم الفیلم 3033 عدد أوراقها [113] خطها واضح.
وصف النسخة المرموز لها ب «ب»:
و هی نسخة خطها واضح و مقروء رقمها 7370
و لا یسعنی فی النهایة إلا أن أقدم الشکر لمشایخی:
الشیخ: جاد الرب رمضان. رحمه اللّه-، الشیخ الحسین الشیخ و الشیخ محمد أنیس عبادة رحمه اللّه، و الدکتور کمال عبد العظیم العنانی. و الشکر للسید محمد علی بیضون صاحب دار الکتب العلمیة بیروت حفظه اللّه.
طالب العلم/ محمد حسن محمد حسن أ، محمد فارس
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 5

[نموذج من صور المخطوط]

صورة غلاف النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 6
صورة الصفحة الأولی من النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 7
صورة الصفحة الثانیة من النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 8
صورة من النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 9
صورة من النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 10
صورة من النسخة «ب»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 11

[مقدمة مولف]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم وَ رَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ [آل عمران: 157] الحمد للّه الذی حبب إلینا المدینة، و جعلها من أفضل البقاع الأمینة فنحن من جوار هذا النبی الأمین. من حصن جمع بین شرقی المکان و المکین. أحمده علی أن خصنا بملازمة بابه، و الوقوف علی أعتابه حمد من عرف أن الکل من عنده. وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: 44] و إنی إذا لم أجتمع [بجنایة] أمر علی أبوابه فأسلم و أشکره علی نعمة الجوار. و جار الدار أحق بدار الجار. و الجار محسوب علی جیرانه جار الکریم مسامح من ذنبه و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له و أشهد أن سیدنا و سندنا محمدا عبده و رسوله و حبیبه [و خلیله] المبعوث بأشرف الأدیان و أکمل الملل النبیّ المرسل. الکریم [المفضل] المنادی من الأزل یا محمد. قد [اصطفیناک] من الکتاب الأول فما
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 12
أعظم قدرک عندنا و أفضل. آدم من دونه تحت لوائک یوم الأرض تبدل، لک الشفاعة و اللوی و الحوض و کل من الأنبیاء [یستغیث] لنفسه و یسأل فما أسعد من توسل به و نادی الشفاعة أیا من من الشفاعة المعول و الشفاعة یا من یستغیث به [المکروب إذا ضاقت به الحیل] الشفاعة یا من قال له جبریل علیه السّلام [ها أنت و ربک] فدنا و تدلی و الصلاة و السلام علی من أبرز من [خدر الغیب شموس] معانی عباراته الزاخرة، و اطلع من أفق المثانی أقمار [لطائف إشاراته] الفاخرة. اللهم انا نستوهبک [طیب] صلواتک و طیب تسلیماتک بهذا السید الذی زینت سماء معجزاته بکواکب خطابک الناقب و نشرت مناشیر بنیانه من آفاق المشارق و المغارب و لمؤازریه الذین [نثروا] شمل أعدائه، و نظموا قواعده، صلاة تکون لنا صلة و بأجمل العوائد عائدة.
اللهم صلی و سلم علیه و علی إخوانه من الأنبیاء و المرسلین و آله [و أصحابه] و التابعین لهم بإحسان إلی یوم الدین [آمین] .
أما بعد:
فلما کانت المدینة الشریفة مسقط رأسی و ریاضها الوریقة منبت غراسی بلاد بها ینطق علی [تماه] . و أول أرض مس جلدی ترابها فلا برحت تزهو علی الأفق بابها [و لا یهمی فی ...] الریاض سحابها. و کیف لا فهی مهابط الوحی و منازل النبوة و مساقط الکرم و مغارس الفتوة و منارة النفوس و الجواهر و الریاض [الحسناء] بل الروضة الغناء [بادرتها] المواطن:
بلدة ما رأیتها قط إلاقلت هذی أرضی و مسقط رأسی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 13 لست أشکر [بها] من العیش إلاأننی لا أزال فی جلاسی
[یدنو لی] مع السماحة و ماو هو متهم یزید من إیناسی
[فتهادی] فی حرزطة مقیم‌و مسائی ما بین ورد و آسی
یا خلیلی من دون کل خلیل‌و أنیسی من دون أهلی و ناسی
بلغ المصطفی بها من سلام‌و ثناء معطر الأنفاس
فهو سؤلی من الأنام جمیعاطوق جیدی أمنیتی تاج راسی
لا [تخیل] الأیام صدق ولائی‌و اعتقادی من طیب أصل غراسی
فعلی کل من یحل بنادیه‌و جمع الرقاق و الجلاس
من آله الأنام ألف و ألف‌من سلام تام بغیر قیاس
و لقد جاء [فی] الأثر عن سید البشر «حب الوطن من الایمان» :
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 14 و من المحبة نشر المحاسن‌و التشبیب بذکر الأماکن
أعد ذکر من حل الغضایا معدنی‌و أنا [ضربوا] بالأضالع و الصدر
لا تنس سکان العقیق و إن هم‌علی و جنتی أجدره فی مدة [الهجر]
خطر ببالی. و لاح فی خیالی. أن أذکر بعض محاسنها و أتعرض [لذکر بعض أماکنها و اشبب باللوی و العقیق] و النقا و الفریق طور ... أیمان إذا لاقیت ذا یمن.
و إن لقیت معدیا فعدنانی و قد بدا لی أن یکون هذا المجموع البدیع وصفه المنیع جمعه مبنیّا علی مقالتین و خاتمة و من اللّه تعالی المسئول حسن الخاتمة. فإذا تجلت شموسه و انجلت عروسه سمیته الجواهر الثمینة. من محاسن [أهل] المدینة و باللّه التوفیق محاسن تهدی المادحین لوضعها فیحسن فیها منهم النثر و النظم و إذا نفحته نوافح القبول من حضرة السید الرسول و عوذت محاسن هذه الرسالة بالمرسلات و ارتشف من زهر منثورها المطلول قطر النبات فالأولی بها حیث اشتملت علی [أخبار] دیار المصطفی و هو فی الحقیقة حبیب القلوب علی الإطلاق و انبأت عن آثار أزهارها مآثر النبوة و الصفاء و لا غرو أن تتأرج بهذه الأنفاس المدینة أرجاء الأفاق:
کرر حدیثک مخطئا و مصیباإن کان عهدک بالدیار قریبا
فلقد رجعت إلی القلوب بروح ماحدثت أرواحنا و قلوبا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 15
أن تلحظها عیون العنایة الرحمانیة. و تشملها سوابق الرعایة الصمدانیة [فتندرج] فی خزائن الملک المؤبد بالسعد فلا برح قائد اهتمامه المسدد بالتوفیق إلی أقوم طریق فلا زال رفیقه من رحیله و مقامه أو کما قال:
ملک کان الشمس ضوء جبینه‌متهلل [الإمساء ] و الإصباح
و إذا حللت [ببابه] و رواقه‌فأنزل بسعد و ارتحل بنجاح
أو کما قال:
ملک إذا عاینت نور جبینه‌فارقته و النور فوق جبینی
و لو التثمت یمینه و برزت من‌أبوابه لغم الأنام یمینی
أعظم من تفخر الأساطین بتقبیل أعتابه و تتباهی السلاطین بخدمة أبوابه. أکرم من أنام الأنام فی ظل عدله. و أحیا میت الإعدام بوافر إحسانه و فضله. مظهر [آیات] الألطاف الربانیة. مصدر أنوار العنایات الرحمانیة. مطرح الأزهار الملکوتیة. مسطمح الأنظار اللاهوتیة باسط بساط العدل و الانصاف. هادم أساس الجور و الإعتساف. ناصر الشریعة القویمة [مالک] [المسالک] المستقیمة ظل اللّه تعالی الوریف الممتد علی القوی و الضعیف صاحب القرآن السعید و إسکندر الزمان المدید، الذی أجار الآثام من جور الأیام و أسبل علی الأمة سوابغ الکرم و النعمة الأقالیم بأقلامه، و أمنت الأیام من أیامه، ناشر ألویة العدالة و الأمان الممتثل بنص إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ [النحل: 90].
نادی به الملک حتی قیل ذا ملک‌دنا به العدل حتی قیل ذا بشر
سقی به اللّه دنیانا فأخصبهاو العدل یفعل ما لا یفعل المطر
هو مولانا السلطان الأعظم. و الخاقان المکرم، صاحب البند و العلم و السیف و القلم. سلطان البرین و البحرین خادم الحرمین الشریفین السلطان ابن السلطان [بن السلطان] الملک المظفر المعان. مولانا السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 16
السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بن السلطان سلیم خان بن السلطان سلیمان خان بن السلطان سلیم خان بن السلطان بایزید خان السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان بایزید خان بن [بلدرم] السلطان مراد الغازی بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان خان علیهم الرحمة و الرضوان من الرحیم الرحمن.
أولئک الناس إن عدوا و إن ذکرواو من سواهم فلغو غیر معدود
لو خلد الدهر ذا عز لعزته‌کانوا أحق بتعمیر و تخلید
اللهم أید الإسلام و أعل کلمة الإیمان بدوام دولة هذا الملک الذی [أقیمت] بدولته شعار الدین و أخمدت بصولته نار الملحدین و عمرت بأیامه البسیطة و جعلت ملائکة النصر برایته محیطة اللهم اجعل فروع دولته من أیامه الزاهیة الزاهرة یانعة و بهجتها فوق مطالع البدور الباهیة الباهرة طالعة و زد من شأنه عظمة و علوّا و اجعل الجوزاء دون منازل مقداره [عزّة] و سموا ما دامت حبول عزمه من میادین الظفر سابقة و ریاض [هممه] بعیون کرمه ناضرة باسقة و همته العلیاء فی البأس و الندی و من الفضل لم تبرح مدی الدهر فائقة فإن براعة استهلاله زاد اللّه تعالی من جلاله برعت أولا ببدیع نظامه، و لم تتخلص من الحقیقة إلی مدیح غیره و لا تکلمت إلا بحسن ختامه و حیث کانت الثریا أقرب تناولا من ذلک المرام کما یقضی بصدق هذه الدعوی [عز] شرف المقام.
[فیا دارها] بالخیف ان [مزارها] قریب و لکن دون ذلک أهوال
و کان یقال تمنی العلا سهل و إدراکه صعب و من تجاوز حده تعرض بجمیعه للعطب و کان یقال: أین الماء من السماء و أین موقع السیل من مطلع سهیل أین ورقاء العرش من عنق العرش. أین من فلک المعانی فلک الصورة. و أین من بحر اللآلی‌ء بحر الفکر و أین مطلع صباح البصائر من مطلع صباح الأبصار هذا أفق یتعاقب فیه شمس و قمر و ذاک أفق کله شموس و أقمار و دون رسم الدیار حد بسیوف. مانع من دنا لسجف خباء. [لا تخافوا] فلو دنوت إلیها أحرقتنی أشعة الاحتواء، و بالجملة فما مزیة التقرب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 17
إلی ابن داود برجل الجراد. و التسحب علی البحور [بأوشاذ] التماد. و کیف أعرض علی روح القدس و حیّا. و اجلب إلی صنعاء الیمن و شیّا أم کیف أخلع [ربقة] النهی.
و أقابل بین البدر و السهی. أین الهباء من [البهاء] و أین الأغبیاء من النبهاء و حیث وقفت الأمانی دون تلک المآرب لعزة هاتیک المطالب. و قلت لأصحابی: هی الشمس [ضوؤها] قریب و لکن من تناولها بعد. فلتکن خدمة بخزانة مولی لا زالت عتبته العلیة کعبة فضل یقول علیها و سدته السنیة مدینة علم یهاجر إلیها و لا برحت [وفود] العلماء عاکفة بنادیه [و ألسنة] الرجاء من آفاق الثناء تنادیه. بسلام فواتح أشواقه. نفر [من] بهیج الأزهار، و فواتح أوراقه أعطر من أریج الأشجار. مشفوعا بدعاء یقرع أبواب الإجابة بأنامل الرجاء [و ثناء] یملأ بطیب أرجه سائر [الأرجاء] .
أبلج لا یخجل راجی فضله‌و لا یری الوصمة فی سؤاله
أکفه علی العطاء قد طبعت‌و الطبع لا یطمع من انتقاله
سلنی به یا من یسامیه أقل‌هذا مجال لست من رجاله
هو مولانا و أحد العلماء و ماجد العظماء. ابن عباس العلوم محرر المنطوق و المفهوم، إیاس القضاة [رکنّا و زهادة] و أویس الزمان عفة و سهادة. مجمع المفاخر. [و الألقاب الفواخر] المحقق دعوی کم ترک الأول للآخر؟
سل عنه و انطق به و انظر إلیه تجدملأ المسامع و الأفواه و المقل
أکرم به من قاض تشرفت بأحکامه الشریفة، مصر المحروسة و ما والاها و استوفی المستحق بها من ذمة الزمان دیونه إذ تولاها، فلله إمداد نعمه، و مداد قلمه، إذ لم یشکل أمر الإنزال برؤس الأنامل إبهامه ورد الضلالة بحسن تدبیر إلی أهلها و زودهم بالکرامة إنعامه فکیف لا و هو القائل فیه بعض واصفیه:
هنیئا لمصر إذ حوت قاضیّا حوی‌کمالا علی تفضیله انعقد النص
فلو مثلت کتب النحاة بنعته‌لما جاز أن یجری علی نعته النقص
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 18 فهو الغنی عن الإطناب بالألقاب‌و المستغنی بأوصافه الحسان
عن ترجمان البیان [المحفوظ] الملحوظ بعنایة المعید المبدی مولانا شعبان أفندی [لا زال صدر] المعالی بمکانه من انشراح و فوائد و قلائد معالیه من أبهی و شاح. و لا برح الزمان ینفد ما صدر من قضائه و حکمه. و اللّه تعالی یزیده بسطة من علمه و جسمه. مصیبّا به الأغراض من مرامی المرام، محسنّا مطابقته [البدیعیة] من النقض [و الإبرام] فإنه أعز اللّه تعالی ذاته، و أطال و أطاب حیاته، لا جملة من أخباره إلا و لها محل من الإعراب عن المقصد الجلیل، و لا ضمیر إلا و هو من اعتقاده علی النحو القدیم و الرأی الجمیل.
[و ما ألطف ما قال]:
فلا زال میمون الیمین بهمةتعلمنا بالفعل کیف نقول
هذا و لما کان من لازم من تمسک بأهداب الآداب اطلاع موالیهم علی محاسن ما یستطاب. [و ما زالت] الألسنة طائرة و العادة جاریة بإهداء النفائس إلی النفیس من المرؤس إلی الرئیس.
و أحسن ما یهدی إلی المرء ماله‌إلیه ارتیاح و هو ذکری الحبائب
و لم تزل الفضلاء من کل زمان، و النبلاء من کل عصر و أوان یتقربون إلی خواطر [مخادیمهم] بأحسن ما یؤلفون و أبدع ما یصنفون.
فلا غرو من إهداء هذا الوضع البدیع إلی ذلک الجناب [البدیع] فإن لکل جدید بهجة و لکل ناطق لهجة. و الجزئی کلی عند الکریم و القلیل جلیل [مع] ملاحظة التعظیم، و إن کنت من ذلک کمن أهدی الزهر إلی غصنه و القطر إلی مزنه. و البحر یمطره السحاب و ماله منّ علیه لأنه من [مائه] . هذا و لقد عرضت حکمة علی لقمان و أهدیت جرادة إلی حضرة السید سلیمان.
قال بعضهم من صدر کتاب له: و لما کانت الهدایا تزرع الحب و تضاعفه و تعضد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 19
الشکر و تساعفه. أحببت أن أهدی إلیه هدیة فائقة تکون من سوق [فضائله نافقة] فلم أجد إلا العلم الذی شغفه حبّا و الحکم التی لم یزل لها صبا. و الأدب الذی اتخذه کسبا و رأیت فإذا التصانیف من کل فن لا تحصی. و الأمالی من سطور العلماء و طروس الحکماء أوسع دائرة من أن تستقصی، إلا أن التأنق من التحبیر من قبیل إبراز الحقائق فی الصور و لکل جدید لذة و لا خلاف من ذلک عند أهل النظر رحمهم اللّه تعالی.
ما کان من حمل الیراع بکاتب‌خطا یباری بهجة و بیانا
أخذ العصا بالکف لیس بمعجزالشأن من تحویلها ثعبانا
و کان یقال: الوضع وضعان: وضع له افتخار و وضع له تجار.
و حسن التألیف مواهب‌و للناس مما یعشقون مذاهب
و معلوم أن الجنون فنون‌و کل حزب بما لدیهم فرحون
و قد یلام الغنی من الشی‌ء یصنعه‌و لیس یلحقه لوم إذا ترکه
هذا مع اعترافی بأنی من فنون الذوق قلیل البضاعة و من شجون الشوق کلیل الصناعة و لکن دأبی التقاط درر العبارات من حیاض العلماء و دیدنی أخذ غرر الإشارات من عیاض الحکماء فهو لسان إخوان الصفاء لا لسانی و بیان خلان الوفاء لا بیانی.
کمن یجد و لیس له بعیرو من یرعی و لیس له سوام
و من یسقی و قهوته شراب‌و من یدعو الضیوف [و لا] حکام
و بالجملة فإن المرء ما بین هاج و مادح و منتصر و قادح:
علی أننی لم أخل من حاسد و من‌عدو و لکنی له باسط العذری
و هذه بنات فکر عاجز و بینات ذهن بینه و بین المعانی حاجز قد ترهبت إما من الکساد [فلیست] من المداد مستحّا أو من الوجل فجاءت تمشی علی استحیاء صفحّا و قد أطاع القول علی هذا العذر المنصوص. و أبت کؤوس المعانی إلا أن ترقص بما فیها رقص القلوص.
سقونی و قالوا لا تغنی و لو سقواجبال حنین ما سقونی لفنت
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 20
و من وقف علی تحقیق هذا الکلام. أنشد من تصدیق هذی الدعوی إذا قالت حذام و إن کنت فیما أعاینه أتعوض عن الجوهر بالخرز و أکتفی عن المعانی الجلیلة بما هو سداد من عوز. لکنی ممن یعرف [الدرر و ان] لم یملکه، و ینقل التبر و إن لم یسبکه. و لقد جاء بعنایة اللّه تعالی و نظره السعید نزهة للنظر. هذا و إن السعادة کما یقال [لتلحظ] الحجر.
فکأنه من حسن رقة لفظه‌ذکری حبیب فاق کل حبیب
ما شیق إلا صریع عنده‌و لشعره یشتاق کل لبیب
[فلیکن] کتابا بسببه ذکره الشریف یؤرخ، و کافور القرطاس بغالیة أوصافه من معناه یضمخ:
ما تنسخ الأیدی یبید و إنمایبقی لنا ما تنسخ الأقلام
فقد أسارت شفاه اللیالی بقایا و أخلفت بواسق النخیل ودایا و علی [رفیق] خزا من بادیة العربیة من عضاضة دولة الإسلام. واقیّا لهم علی الوردة الفارسة. فی حدائق الکلام مآدب تغزو الروح و تهز العطف المروح إفادتها میامن المستجن بطبه طیبا فسدت بها [اوکیة] النطق علی فنن اللسان رطیبا.
و أتی علی ما فی من حضرته‌لیعجبنی ظل [حتی] المشرع
و قد استقرت العزیمة علی الاکتفاء. بغیض من فیض. و طل من ویل و نهر من بحر. إذ کل [کتیره] عدو للطبیعة. و راکب سهوب الاسهاب مستهدف للوقیعة. و إنما یحمد المرء من اختصار [القیل] و إلقاء القول الثقیل أوجزت جمعی و من الایجاز فائدة و للکرام من التطویل تصدیع. علی أنی لا أزعم أنه جمع سلامه. و لا أدعی انه صنیع فاضل یستحسنه النبیه و العلامة و إلا فوحی البلاغة من بعد لم تنقطع و سلوک طریق الایجاز أصلا و رأسّا لم یمتنع. و من لی بخلو البال و استقامة الحال. و معاضدة الزمن الغشوم. بانتفاء الهموم و الشواغل [و مساعدة] القدر بکف أذی اللئام و الأرذال فأخذ من مصنوع الکلام و اننی علی ذلک المقام. و کیف تصفو القریحة و صفاء الوقت یکدر.
و سبیل المحن من أعلی الروابی تحدر. مع أنی من زمن تشابه فیه الضاحک و الباکی.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 21
و قل به الشاکر و کثر الشاکی و فیما رفعت إلیه من المضایق و حال دون أمالی من العوائق.
ما یرتج به الکلام علی الفصیح و یشتبه الصواب علی الحازم المسیح.
فإن اعترافی بالتأخر حیث لایقدمنی فضل أجل و أرجح
و ما أصدق ما قال:
إذا کان عون اللّه للمرء فائداتهیأ له من غیر سعی مراده
و إن لم یکن عون من الله للفتی‌فأول ما یجنی علیه إجتهاده
و أنا اعترافی بالتأخیر حیث لایقدمنی فضل أجل و أرفع
و کأنی بالحواسد و العذال، نسبونی من ذلک إلی المحال و قال قائلهم مادح نفسه یقریک السلام. فأقول نعم و یهدی من التحیة و الثناء ما تتأرج به الریاض باکرتها الغمام [و من هاهنا نشرع من المراد] و اللّه الموفق للسداد و علی کرمه التعویل. و بواسطة لطفه التأمیل.
مسئلة : المدینة من [مدن] بالمکان أقام ، أو من دان إذا أطاع فالمیم زائدة و ذلک لأن السلطان یسکن المدن فتقام له طاعة فیها، أو لأن اللّه تعالی یطاع فیها أو لأنه علیه السلام یسکنها فدانت له الأمم. و هی أبیات مجتمعة تجاوز حد القری [کثرة] و عمارة لم تبلغ حد الأمصار و قیل یقال لکل مصر، و المدینة علم علی طابة مهاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بحیث إذا اطلق هذا اللفظ لا [ینصرف] إلا إلیها و النسبة إلیها «مدنی» و إلی غیرها من المدن مدینی للفرق کذا فی الوفاء.
مسئلة: المدینة من الأقلیم الثانی و هو حیث یکون طول النهار الأطول ثلث عشرة ساعة و نصف ساعة و یرتفع القطب الشمالی فیه مقدار أربعة و عشرین جزء و عشر جزء و مساحة هذا الإقلیم أربعمائة میل و فیه سبعة عشر جبلا و سبعة عشر نهرّا و أربعمائة و خمسین مدینة کذا فی الخطط للمقریزی.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 22
مسئلة: دور کرة الأرض أربعة و عشرون ألف میل و ذلک عن ثمانیة آلاف فرسخ بحیث لو وضع جبل علی نقطة [من] الأرض و أدیر الجبل علی الکرة حتی انتهی الطرف الآخر إلی نقطة الابتداء کانت مساحة الجبل العدد المذکور و کل درجة من درج الفلک یقابلها من سطح الأرض ستة و ستون میلا و ثلثا میل [فإذا ضربنا عدد درج الفلک من ستة و ستین میلا و ثلثی میل] کانت الجملة أربعة و عشرین ألف میل و هی ثمانیة آلاف فرسخ و صحرء [سجار] و وطاءة الکوفة من الأراضی [المتساویة] انتهی من کتاب سر الفلک.
مسئلة: أعظم جبل علی وجه الأرض ارتفاعه فرسخان و ثلث فرسخ و نسبة ارتفاعه إلی کرة الأرض سبع [عرض] شعیرة إلی کرة قطرها ذراع و غایة ما یرتفع الطیر فی الهواء اثنی عشر فرسخّا و تنقطع الکیفیات من وراء ثمانیة عشر فرسخّا و لا یخلو وجه الأرض المعمور من [المشرق] من وقت إبداء فالوقت الواحد یکون شروقّا عند قوم زوالا عند غیرهم غروبّا عند آخرین و أصغر کوکب یری من الثوابت کالسها أکبر من زحل و زحل مثل الأرض إحدی و تسعین مرة و النجم تستصغر الأبصار رؤیته، و الذنب للعین لا للنجم فی الصغر.
مسئلة: ان قیل تقرر من الشرع و من علم الهیئة أن الأرضین سبع کالسموات فلم لم یذکر فی الکتاب العزیز إلا الأرض؟ .. الجواب أنه علیه السلام «رقی إلی السموات السبع» فلتشرفها به ذکرت أو لأن الانتفاع من أرض الدنیا فقط بناء علی أنها طبقات و لم یتشرف به غیرها و من کتاب «المواهب اللدنیة» قد جاء أن السموات شرفت بموطی‌ء قدمیه صلّی اللّه علیه و سلم، بل لو قال قائل: إن جمیع بقاع الأرض أفضل من جمیع بقاع السماء لشرقها بکونه صلّی اللّه علیه و سلم حالا فیها لم یبعد بل هو الظاهر المتعین و حکاه بعضهم عن الأکثرین لخلق الأنبیاء منها و دفنهم فیها لکن قال النووی: الجمهور علی تفضیل السماء علی الأرض ما عدا ما ضم الأعضاء الشریفة.
مسئلة: هل للمدینة حرم کما بمکة أم لا؟ الجواب أنها لیست بحرم عندنا و المراد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 23
من الوارد الحرمة الحاصلة لها بتوطینه علیه السلام إیاها و دفنه فیها و معنی حرمت أوجبت حرمتها و حماها بإقامتی فیها فصارت حمی محروسّا من الآفات کما ورد «عن کل نقب منها ملک یحرسها» و لذا یصرف عنها الدجال و یؤیده انه کان صغیر بالمدینة و کان علیه السلام یقول له: «یا أبا [عمیر] فافعل النغیر » فلو کانت کمکة لما جاز ذلک» انتهی من کتاب زهر البساتین قال الملا علی القاری من شرح لباب المناسک و عباب المسالک عند قوله و إذا دنا من [حرم] المدینة المشرفة أی حولها من الأماکن المحترمة إذ لا حرم للمدینة عندنا کحرم مکة من أحکامها.
قلت: و فیما ورد من الأحادیث من ذلک ما یقضی للمدینة المنورة بأنها حرم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 24
کمکة من أحکامها فقد أطال الکلام علی ذلک السید السمهودی فی تاریخه الوفاء.
و أنشد علیه بعضهم:
إن المدینة لا یشک کمکةحرم و لکن بالنبی تفضل
فهی الأمان لخائف و لعاکف‌فیها معاش لیس فیه معضل
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 25
و فی الصحیح اللهم إن إبراهیم حرم مکة و إنی حرمت ما بین لابتیها» .
و علی القول بأنها حرم فهی برید من برید و ذلک ما بین عیر إلی ثوربیان یحدها من الجنوب إلی الشمال و هما مأزماها و ما بین لابتیها أی حدتیها الشرقیة و الغربیة.
و نظم ذلک من قال:
حرم المدینة حده فیما حکواعیرّا و ثورّا قبلة و شمالا
و اللابتان تحدها یا ذا النهی‌شرقّا و غربّا فاعتمده مقالا
مسئلة: صح أنه علیه الصلاة و السلام التفت إلی المدینة الشریفة و قال: «إن اللّه برأ هذه الجزیرة من الشرک» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 26
و قال بعضهم: قلت هنیئا لأهلها فإنهم برآء من الشرک بشهادة.
[قال بعضهم هذا] :
هذا الأثر. و بشری لهم بتسمیتها «دار الأبرار» و دار الأخیار و العاصمة و المرحومة و المرزوقة. و الناجیة. و المقدسة و الجابرة و دار السلامة.
أسامینا لم تزده معرفةو إنما لذة ذکرناها
و بالجملة فإن فضل المدینة لا ینکر و محاسنها الغراء لا تحصی و لا تحصر و جیران صاحب «الحوض و الکوثر» «المغفور له من ذنبه ما تقدم و ما تأخر» علی یقین إن شاء اللّه تعالی من السلامة فی المعاد و ثقة بالکرامة فی یوم الأشهاد.
و ما أحسن ما قال:
تلک دار إن لم تکن هی‌ذات النفس منی فإنها [مشتهاها]
لو تمکنت أن [أقضی] بها[العمر] جمیعا لما قصدت سواها
و ما أحسن ما قال الشیخ محمد البکری:
دار الحبیب إخوان تهواهاو نحن من طرب إلی ذکراها
و علی الجفون متی هممت بزورةیا ابن الکرام علیک أن [تغشاها]
فلا أنت أنت إذا [حللت] بطیبةو ظللت ترتع فی ظلال رباها
عنا الجمال منی الخواطر و التی‌سلبت عقود العاشقین خلاها
لا تحسب المسک الزکی کتربهاهیهات أین المسک من رباها
طابت فإن تبغ التطیب یا فتی‌فأدم علی الساعات لم تراها
و أبشر ففی الخبر الصحیح مقررأن الإله بطابة سماها
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 27 و اختصها بالطیبین لطیبهاو اختارها و دعا إلی سکناها
لا کالمدینة منزل و کفی لهاشرفّا حلول محمد بفناها
حظیت بهجرة خیر من وطئ الثری‌و أجلهم قدرّا فکیف تراها
کل البلاد إذا ذکرت کأحرف‌من اسم المدینة لا خلت معناها
حاشی [مسمی] القدس فهی قریبةمنها و مکة إنها إیاها
لا فرق إلا أن ثم لطیفةمنها بدت یجلو الظلام سناها
جزم الجمیع بأن خیر الأرض ماقد حاط ذات المصطفی و حواها
و نعم لقد صدقوا بساکنها علت‌کالنفس حین زکت زکا مأواها
و بهذه ظهرت مزیة طیبةقعدت و کل الفضل فی مغناها
حتی لقد خصت بروضة جنةالله شرفها بها و حباها
ما بین قبر للنبی و منبرحی الإله رسوله و سقاها
هذی محاسنها فهل من عاشق‌قلق شحیح باخل بنواها
إنی لأرهب من توقع بینهافیظل قلبی موجعا أواها
[و لقلما] أبصرت حال مودع‌إلا رثت نفسی له و شجاها
فلکم أراکم قافلین جماعةمن [أمر] أخری طالبین سواها
قسمّا لقد أذکی فؤادی بینکم‌نارّا و فجر مقلتی [أمواها]
إن کان أعجزکم طلاب فضیلةفالخیر أجمعه لدی مثواها
أو خفتم ضررّا بها فتأملوابرکات بلغتها فما أزکاها
أف لن یبقی الکثیر لشهوةو رفاهة لم یدر ما عقباها
و العیش ما یکفی و لیس هو الذی‌یطغی النفوس و لا خسیس مناها
یا رب أسأل منک فضل قناعةبیسیرها أو [تحببا] لحماها
و رضاک عنی دائما و لزومهاحتی توافی مهجتی أخراها
فإن الذی أعطیت نفسی سؤلهاو قبلت دعوتها فیا بشراها
بجوار أو فی العالمین بذمه‌و أعز من بالقرب منه یباها
من جاء بالآیات و النور الذی‌داوی القلوب من العمی فشفاها
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 28 أولی الأنام بخطة الشرف التی‌تدعی الوسیلة خیر من یعطاها
إنسان عین الکون سر وجوده[یس] إکسیر المحامد طه
حسبی فلست أفی بذکر صفاته‌و لو أن لی عدد الحصی أفواها
کثرت محاسنه و أعجز حصرهافغدت و ما تلقی لها أشباها
إنی اهتدیت من الکتاب بآیةفعلمت أن علاه لیس یضاها
و رأیت فضل العالمین محدداو فضائل المختار لا تتناها
کیف السبیل إلی تقصی مدح من‌قال الإله له و حسبک جاها
إن الذین یبایعونک إنمافیما تقول یبایعون الله
هذا الفخار فهل سمعت بمثله‌واها لنشأته الکریمة واها
صلوا علیه و سلموا فبذلکم‌تهدی النفوس لرشدها و غناها
صلی علیه اللّه غیر مقیدو علیه من برکاته أتماها
و علی الأکابر إله سرج الهدی‌أحبب بعترته و من والاها
و کذا السلام علیه ثم علیهم‌و علی عصابته التی زکاها
أعنی الکرام أولی النهی أصحابه‌فئة التقی و من أهدی بهداها
و الحمد لله الکریم و هذه‌نجزت و ظنی أنه یرضاها
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 29

[المقالة] الأولی‌

اشارة

فیما یتعلق بالمکان و یشتمل علی أبواب. هی بالقبول إن شاء اللّه تعالی مفتحة لأولی الألباب.
أبواب إقبال تفتح بالهناأیام شعبان لها أبان
قال الزمان و قد رأی إقبالهایا لیت دهری کله شعبان
باب: فیما تمیزت به المدینة الشریفة عما سواها، و ذکر بعض محاسنها التی یطرب لها المحب و یرضاها، و لا أتعرض لحصر ألقابها فیعترض دونها الحصر، بل کحضور الملاح لرشاقتها تختصر [شعر]
أملیانی حدیث من سکن الجزع‌و لا تکتباه إلا بدمعی
فإننی أن أری الدیار بطرفی‌فلعلی أری الدیار بسمعی
و من أحسن محاسنها السنیة: إشتمالها علی البقعة التی انعقد الإجماع علی تفضیلها علی سائر البقاع، و إن کان صلوات اللّه و تسلیماته علی فروعه و أصوله روح وجود الکائنات و سر الموجود جلیة و جمیلة.
لا تقل دارها [بشرقی] تجدکل نجد للعامریة دار
و لها [قنن] علی کل بنآءو علی کل دمنة آثار
و ما أحسن ما قال:
أحن إلیه و هو قلبی و هل تری‌سوای أخا وجد یحن لقلبه
و یحجب طرفی عنه إذ هو ناظری‌و ما بعده إلا لإفراط قربه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 30
و قال آخر:
أمر له و به و منه تعینت‌أعیاننا و وجودنا المتلبس
و حقیقة طوت البعید خرامةنجد و لیت [ألقاب] طی العس
و وراء ذلک و لا أشیر لأنه‌سر لسان النطق عنه أخرس
و قال:
وجود غیرک یأکل المنی عدم‌و أی غیر و أنت الکل لو علموا
هام الوری بمعان [فیک] قد جمعت‌و کلهم لک عشاق و ما فهموا
و من محاسنها أن سائر بلاد الإسلام [فتحت] بالسیف. و افتتحت حصن بالقرآن العظیم، و أنه یبعث [منها] أشراف هذه الأمة یوم القیامة. علی ما نقله القاضی عیاض من المدارک عن مالک.
و من محاسنها «تحریکه علیه السلام دابته عند قدومه إلیها إذا أبصر منازلها و دعاؤه لها بالبرکة» . و قوله: «غیروا فقد سبق المفردون» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 31
و من محاسنها تأسیس مجسده علی یده الکریمة و کون «ما بین بیته و منبره روضة من ریاض الجنة» . و ان ذلک یعم مسجده و لو اتصل بصنعاء و کون «المنبر علی ترعة من ریاضة الجنة» .
و ما أحسن ما قال عبد اللّه الفیومی:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 32 سکان طیبة أبلی الحب صبکم‌و الشوق باق لیوم العرض فی طول
تالله لم ینسه المقیاس [روضتکم] و لا تسلی عن الزرقاء بالنیل
[و من محاسنها] إن ترابها شفاء من الجذام کما هو الوارد . و شفاء من کل داء بالتجربة الصادقة. المعروفة عند الخلف و السلف و ما أوقع ما قال:
و لو قیل للمجنون لیلی أحب [أم] جنان [بها] حور حلت نعم الخد
لقال غبار من تراب یقابلهاأحب إلی قلبی و أشهی من الخلد
فائدة: ذکر علماء الخواص أن من قدم أرضّا فأخذ من ترابها فجعله فی مائها ثم شربه [عوفی من بلائها] .
و قیل: یستحب للمسافر أن یصحب معه تراب أرضه التی ولد بها فإذا قدم أرضّا أخری جعل منه شیئّا فی مائها و شرب منه فإنه یسلم من ضررها و هو من المجربات.
و من محاسنها: أن من أصابه عرض أو مرض. و أقبل علی الشباک الشریف متضرعّا مستغیثّا. لم یبرح حتی یفرج اللّه تعالی کربه و الناس فی ذلک تتفاوت بحسب الاعتقاد و الاستعداد.
و إذا لم تر الهلال فسلم‌لأناس رأوه بالأبصار
و کان یقال: الفوائد فی العقائد.
و کان یقال: المخ مواهب و المواهب مخ، و لذلک یفتح لشخص دون آخر من الأبواب ما لا یتطرق إلیه بسبب من الأسباب و کان یقال:
فما کل عین بالجمال قریرةو لا کل من نودی یجیب إذا دعی
فقل للعیون الرمد للشمس أعین‌سواک تراها من مغیب و مطلع
و کان یقال:
دنت بأناس عن ثناء دیارهم‌و شط بلیلی عن دنو مزارها
و إن مقیمات بمنعرج اللوی‌لأقرب من لیلی و هاتیک دارها
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 33
و قال آخر:
یقولون لی دار الأحبة قد دنت‌و أنت کئیب إن ذا العجیب
فقلت و ما نفعی بدار قریبةإذا لم یکن بین القلوب قریب
و أقول کما قال المتقدم:
صبرّا إن ذاک الحسن عنی محجب‌أ لیس [بزیادة شرف تشهد الصبا]
إذا رمت أن تبدی مصونان خدره‌فحدث بذاک الحی عن ذاک الخبا
و ما أحسن ما قال:
و إنی لمشتاق إلی أرض طیبةو إن خاننی بعد التفرق إخوانی
سقی اللّه أرضا لو ظفرت بتربهاکحلت به من شدة الشوق [أجفانی]
و بالجملة فکل مقصور علی سربه و ذوقه، الناتج عن حبه و شوقه و کان یقال. لا یفتح القال العیوب إلا من سلم من العیوب و إما من عری عن الکشف و الشهود، و استنطاق ضمائر صحائف الوجود فحرام علیه التفکر فی الآثار الکونیة و الأسرار اللدنیة، فلیلزم لسان الاعتراض و لا یبرز رعونات الأغراض، فإنه یخشی علیه سلب السابقة فی عالم الأرواح و الخاتمة فی عالم الأشباح، و لیرجع إلی نقض فطرته و قصور باعه فی میدان حکمته، فلا یشهد حقیقة الکمال، و لا یظفر من أبکار المعانی بلذة الوصال، و لیقل بلسان التسلیم وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ [یوسف: 76].
و قال ابن رافع رأس فی شذور الذهب:
و حظ العیون الرمد من نور وجههالسدته خط العیون العوامش
فلا أخصبت إلا لذی الحلم و التقی‌و لا أجدبت إلا لأهل الفواحش
و الحمد للّه الذی أطلع من اجتباه من عباده الأبرار علی خبایا الأسرار، و أسمع من ارتضاه من أصفیائه الأخیار من الغیب تغرید سواجع قضایا الأقدار، و أودع قلوبهم من جواهر المعرفة ما تحتار عیون البصائر و الأبصار، و أطمع نفوسهم من إحراز رموز کنوزها بید الإظهار من سجف حجب الأستار الذی قدر حکم أحکامه و کل شی‌ء
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 34
عنده بمقدار، و بصر من شاء لإکرامه بنور الهامة، فاستخرج غرائب الأسرار بنواقب الأفکار و صلّی اللّه تعالی علی سیدنا و سندنا محمد المصطفی المختار و مؤازریه الأئمة الأطهار، صلاة متصفة بالاستمرار متلوة آناء اللیل و أطراف النهار.
تنبیه : قال العلامة ابن حجر فی کتابه الجوهر المنظم فی زیارة القبر المعظم:
حرم عند أرباب القلوب علی کل قلب شغل بالإرادات الدنیة. و الشهوات الدنیویة أن یصل إلیه المدد النبوی. بل ربما یخشی [علیه] من الوقوف بین یدیه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فیجب الاجتهاد فی تصفیة الجنان مع ملاحظة الاستمداد. من سعة العفو عما لا وصول إلیه، فإنه یمد کلا بما یناسب حاله، و لا وصول إلی الحضرة الإلهیة إلا من بابه کما قیل:
و أنت باب اللّه أی امری‌ءأتاه من غیرک لا یدخل

- إسعاد و إمداد-

حکی القاضی شهاب الدین بن خلکان فی دیوانه أن الفقیه منصور التمیمی أصابته مسبغة فی سنة شدیدة القحط، فرقی سطح داره لیلا و نادی بأعلی صوته:
الغیاث الغیاث یا أحرارنحن خلجانکم و أنتم بحار
إنما نحسن المواساة فی الشدةلا حین ترخص الأسعار
قال: فأصبح علی بابه مائة حمل من البر. توفی الفقیه منصور الشافعی سنة ست و ثلثمائة.
و ما أحسن ما قال:
لا تحزنن و لا تخف‌ودع التفکر و الأسف
أین عودک الجمیل‌فقس علی ما قد سلف
لوائح و حوائج حکی بعض الأمراء: یسمع عن رجل من أهل اللّه تعالی أنه قال:
«من رآنی ضمنت له علی اللّه تعالی الجنة» فقال الأمیر: کیف ساغ لهذا الرجل أن یقول
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 35
مثل هذا الکلام مع أن رؤیة أبی جهل للنبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه لم تفده فقال له بعض من سمعه: إنما أراد الشیخ بقوله «من رآنی» رؤیة ولایة [و أبو جهل] لو رأی النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه رؤیة نبوة لم [تفده] السعادة علی أنه «قیل بتخفیف العذاب عمن تشرف برؤیته».
یا أرمد العین قم قبالته‌فدو باللحظ نحوه رمدک
فائدة : رأیت فی بعض التذاکر. أن من أصابه رمد یقف تجاه الحضرة الشریفة، و ینشد هذین البیتین مرات، فإنه یزول رمده.
قال و قد أصابنی الرمد مرة [فقلت] کذلک فزال ما اشتکیته و البیتان هما هذان:
أنت الملاذ و أنت الغوث للبشرمن معجزاتک رد العین [للنظر]
فانظر إلی لعلی أن أری فرجافبحر جودک یبری‌ء شدة الضرر
و من الفوائد الشرجیة ما یقرأ أو یکتب للرمد قول:
إذا ما مقلتی رمدت فکحلی‌تراب مس نعل أبی تراب
هو البکاء فی المحراب لیلاهو الضحاک فی یوم الضراب
و مما یکتب للرمد، و هو مروی عن ابن عجیل الیمنی :
یا ناظری بیعقوب أعیذکمابما استعاذ به إذ مسه الکمد
قمیص یوسف قد جاء البشیر به‌بحق یوسف اذهب أیها الرمد
قال فی المواهب اللدنیة: أنبئت أن العلامة أبی عبد اللّه ابن رشد قال: لما قدمنا المدینة الشریفة سنة أربع و ثمانین و ستمائة کان معی رفیقی الوزیر أبو عبد اللّه بن أبی قاسم [بن] الحکیم و کان أرمد العین فلما وصلنا ذا الحلیفة نزلنا عن الأکوار و قد قوی الشوق لقرب المزار فنزل و بادر إلی المشی علی قدمیه. احتسابا لتلک الآثار و إعظامّا [لمن جل] هاتیک الدیار فأحس بالشفاء، [فأنشد لنفسه فی وصف الحال] .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 36 و لما رأینا من [ربوع] [حبیبنا] [بیثرب] أعلامّا أثرن لنا الحیا
و بالترب منها إذ کحلنا جفونناشفینا فلا بأسّا نخاف و لا کربا
و حین تبدی للعیون جمالهاو من بعدها عنا أدیلت لنا قربا
نزلنا عن الأکوار نمشی کرامةلمن حل فیها أن نلم بها رکبا
تسح سجال الدمع فی عرصاته‌و تلثم من حب لواطئه التربا
و ان بقائی دونه [لخسارة] و لو أن کفی تملک الشرق و الغربا
فیا عجبّا ممن یحب یزعمه‌یقیم مع الدعوی و یستعمل الکثبا
و زلات مثلی لا تعده [کثرة] و بعدی عن المختار أعظمها ذنبا
[و من نبویات] المواهب:
ألا مع برق یغتدی و یروح‌أم النور من أرض الحجاز یلوح
أریج الصبا هبت بطیب عرفهم‌أم الروض من وجه الصباح یفوح
إذا ریح ذاک الحی هبت فإنهاحیاة لمن یغدو لها و یروح
ترفق بنا یا حادی العیس و التفت‌فللنور بین الوادیین وضوح
فما هذه إلا دیار محمدو ذاک [شأنها] من البقاع [یلوح]
و ألا فما للرکب هاج اشتیاقهم‌فکل من الشوق الشدید یصیح
و أتت مطایا القوم حتی کأنهاحمام علی قصب الأراک تنوح
و قد مدت الأعناق شوقا و طرفهاإلی النور من تلک الریاح لموح
رأت دار من تهوی فزاد حنینهاو مدمعها فی الوجنتین سفوح
إذا العیس باحت بالغرام و لم تطق‌جفاء فما للصب لیس ینوح
قال فی المواهب:
و لما قربنا من المدینة المنورة و أعلامها، و تدانینا من معاینة رباها الکریمة و آکامها، و انتشقنا عرف لطآئف أزهارها و بدت لنواظرنا بوارق أنوارها، و ترادفت واردات المنح و العطایا و نزل القوم عن المطایا.
أنشدت ممتثلا:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 37 أتیتک زائرّا و ودت أنی‌جعلت سواد عینی أمتطیه
و ما لی لا أشیر علی [المآقی] إلی قبر رسول الله فیه
و لما وقع بصری علی القبر الشریف، و المسجد المنیف، فاضت من الفرح سوابق العبرات، حتی أصابت بعض الثری و الجدارات، و کان ما کان مما لست [أذکره] فظن خیرّا و لا تسأل عن الخبر.
[أنشد لنفسه أبو العباس أحمد بن محمد]
أیها المغرم [المشوق] هنیئّاما أنالوک من لذیذ التلاقی
قل لعینیک تهملان سروراطالما أسعداک یوم الفراق
أبدل الوجد بالسرور ابتهاجاو جمیع الأشجان و الأشواق
و أمر العین أن تفیض سجالاو توالی بدمعها المهراق
هذه دارهم و أنت محب‌ما بقاء الدموع فی [الأماق]
[أنشد لنفسه أبو العباس أحمد بن محمد]
إذا ما حدی الحادی یا جمال بیثرب‌فلیت المطایا فوق خدی تعتق
فما عبق الریحان الا و تربهاأجل من الریحان طیبا و أعبق
و من محاسنها: حدیث «من صلّی فی مسجدی هذا أربعین صلاة کتب له براءة من النار و براءة من العذاب، و براءة من النفاق» .
و منها: «أنه من خرج علی طهر لا یرید إلا الصلاة فیه کان بمنزلة حجة» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 38
و «أن إتیان مسجد قباء یعدل عمرة» .
«و أن صیام شهر رمضان فی المدینة کصیام ألف شهر فیما سواها» و کذا سائر أفعال البر فیها.
و کل عبادة شرعت بالمدینة فهی [بها] أفضل منها و منها أن ما بین منبره و مسجده روضة من ریاض الجنة و هذا جانب کبیر من هذه البلدة المشرفة [بمکة] و منها «حثه علیه السلام علی الموت بها و الوعد علی ذلک بالشفاعة و الشهادة» .
و إنی إذا أوعدته [أو وعدته] لمخلف إبعادی و منجز وعدی
و ما أحسن ما قال:
[لست آسی علی تفرق شملی‌غیر قبری بأی أرض یکون]
أ بأرض البقیع تحت تراب‌فیه جدی و والدی مدفون
بین قوم أعزة من حماهم‌و لهم عند ربهم تمکین
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 39 أم بأرض أخری فیا لیت أنی‌من سوی أرض طیبة لا أکون
تلک أرض لخاطری مثل لیلی‌و فؤادی بحبها المجنون
و ثراها لمقلتی أن تراهاإثمد منه تستنیر العیون
إن ظنی بخالقی لجمیل‌لیس فی مثله تخیب الظنون
[و من محاسنها] : ان أهلها أول من یشفع لهم مع الاختصاص بمزید الإکرام «و أنه یبعث المیت بها من الآمنین» .
«و انه یبعث من بقیعها سبعون ألفّا علی صورة القمر یدخلون الجنة بغیر حساب» .
و توکل ملائکة بمقبرة البقیع کلما امتلأت أخذوا بأطرافها، فکفوها من الجنة «و یبعث أهلها من قبورهم قبل سائر الناس» .
و ما أصدق ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 40 ألا أیها الباکی علی ما یفوته‌من الحظ فی الدنیا جهلت و ما تدری
علی قوت حظ من جوار محمدحقیق بأن تبکی إلی آخر الدهری
ستدری إذا قمنا و قد رفع اللوی‌و أحمد هادینا إلی موقف الحشری
من الفائز المغبوط فی یوم عرضه‌أجار النبی المصطفی أم أخو الوفر
[و منها] : «شفاعته أو شهادته علیه السلام. لمن صبر علی لأوائها» و شدتها. «و وجوب شفاعته لمن زاره بها» .
قم وزر حجرة الرسول و یمم‌کعبة الجود معدن الأسرار
و إذا لم تجد إلیه سبیلازر حماه بالوصف و الأخبار
و منها: «اللعنة و الوعید الشدید لمن أخاف أهلها أو ظلمهم» و ان من «أرادها و أهلها بسوء أذابه اللّه کما یذوب الملح [فی الماء] ». و عنه علیه الصلاة و السلام
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 41
«ما من مسلم یسلم [علی] فی شرق و لا غرب إلا انا و ملائکة ربی ترد علیه السلام» فقیل له فما بال أهل المدینة فقال: و ما یقال لکریم من جیرانه و جیرته، إن مما أمر به من حفظ الجوار حفظ الجار.
و قال بعضهم: تأکدت وصیته صلّی اللّه تعالی علیه و سلم بقوله «حقیق علی أمتی حفظ جیرانی». و قوله «لا یزال جبریل یوصینی بالجار» ، و لم یخص جارّا دون جار و فهم منه أن سکان بلده قریبهم و بعیدهم حاضرهم و غائبهم. ملیهم و عاجزهم، علی حد السواء فی استحقاق الرعایة من حیث الجوار، و إنما التفاضل بالتقوی و حسن الأدب، فنسأل اللّه تعالی کما من علینا بنعمة الإسلام، و خصنا بجوار نبیه علیه أفضل الصلاة و أزکی السلام. أن یوفقنا سلوک [الأدب] فی هذا المقام و أن یرزقنا و المسلمین شفاعته فی یوم الزحام و ان [یلهم] من ولی شیئّا من أمورنا الرفق بنا و حسن القیام.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 42
یروی عن مالک رحمه اللّه تعالی: أنه دخل علی المهدی فقال له [أوصنی فقال] : أوصیتک بتقوی اللّه، و العطف علی أهل بلد رسول اللّه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و جیرانه، فإنه بلغنا أنه قال «المدینة مهاجری، و منها مبعثی، و بها قبری، و أهلها جیرانی و حقیق علی أمتی حفظ جیرانی، فمن حفظهم کنت له شفیعّا و شهیدا یوم القیامة و من لم یحفظ وصیتی فی جیرانی. سقاه اللّه من طینة الخبال» .
و ما أحسن ما قال:
لی فیک یا ربع الحبیب معاهدقلبی المقیم علی العهود موادد
و لساکنیک علی حفظ مودةما خنتهم أبدّا و ربی شاهد
و منها الوعید لمن لم یکرم أهلها و إن إکرامهم و حفظهم. حق علی الأمة قال بعضهم: لیس المراد إکرام أهل النعم منهم و المستورین بالأداب فإن [قال] أولئک تقضی بإکرامهم، و إنما الکلام فی إکرام المبتلی منهم و من عدم الأدب و الفضیلة، و ألبسته الفاقة رداء المذلة، و کان یقال: إذا أقبلت الدنیا علی قوم، ألبستهم محاسن غیرهم، و إذا دبرت عن قوم سلبتهم محاسن أنفسهم و هذه الدسائس أیضّا تکشف عند التأمل، و التوفیق لمن یدعی [محبة] آل النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه. و ما أحسن ما قال:
یا أهل طیبة قد سکنتم أضلعی‌فودادکم نام و شوقی محکم
لا غرو أن أبغی هواکم منشدّامن أجل عین ألف عین تکرم
[و منها] حدیث «من أخاف أهل المدینة فقد أخاف ما بین جنبی» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 43
و ما ألطف ما قال:
فنحن بقربه فیما اشتهیناو أحببنا و ما اخترنا و شینا
یقینّا لا نخاف و إن ظننابه خیرّا أراناه یقینا
نمیل علی مکارمه کأناإذا قلنا نمیل علی أبینا
[و منها] حدیث «من غاب عن المدینة ثلاثة أیام جاء و قلبه مشرب جفوة» .
[و ما أحسن ما قال] :
و مسک حدیثی فی هواها لأهله[یضرع] و فی سمع الخلبین ضائع
سلا و هل سلا قلبی هواها و هل له‌سواها إذا اشتدت علیه الوقائع
و قولا لها یا قرة العین هل إلی‌لقاک سبیل لیس فیه موانع
و ما أحسن ما قال:
قنعنا بنا عن کل من لا یریدناو إن حسنت أوصافه و نعوته
نحن جاءنا یا مرحبا بمجیئه‌یجد عندنا ودّا صحیحا ثبوته
و من صد عنا حسبه الصد و القلا و من فاتنا یکفیه أنا نفوته
و منها ما یوجد بها من رائحة الطیب الزکیة و طیب العیش بها خصوصّا لأهلها الذین لا تغلق لهم بالدول و الدنیا.
[ریاض] نجد عرفها ضائع‌و نشرها الأرجاء قد [عمنا]
و من یقل فی المسک این الشذاکذبه فی الحال من [شما]
قال القزوینی:
فی کتابه آثار البلاد و أخبار العباد عند ذکر المدینة المنورة:
و للطیب فیها فضل رائحةعلیه منه فی غیرها
و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 44 یا خیر من دفنت فی التراب أعظمه‌فطاب من طیبهن [القاع] والاکم
نفسی الفداء لقبر أنت ساکنه‌فیه العفاف و فیه الجود و الکرم
و قال آخر: الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص44
أکرم بها بقعة بالمصطفی شرفت‌علی البقاع فضمت أکرم الرسل
أجل من وطی‌ء القبر و أفضل من‌مشی علی الأرض من حاف و منتعل
و لله در القائل:
طاب الصعید بجسمه فکأنه‌روض [ینم] بعرفه المثارج
ما جسمه مما یغیره اللیلاو الروح منه کالصباح الأبلج
و منها أن من عاب قرابتها أو [انتقص] سکانها استحق التعزیر.
و قد عزر مالک رحمه اللّه تعالی شخصّا لنقص تربتها بأنها سبخة.
و ما ألطف ما قال:
دار طه هی التی أتوخی‌و لطه تشتاقها الأعضاء
فعلیها من المهیمن نورو علی التراب رایة بیضاء
و لله در الأمیر أبی فراس حیث یقول:
علی الربع العامریة وقفةلیملی علی الشوق و الدمع کاتب
و من مذهبی حب الدیار لأهلهاو للناس فیما یعشقون مذاهب
قال فی الوفاء و لا یجوز لغیر أهل المدینة المنورة أن یماروا أهل مکة المکرمة، أو ینافسوهم لأن اللّه تعالی فضلهم علی سائر البلاد.
و من محاسن المدینة « [زیادة] البرکة بها علی مکة» و أن المدعو به بها من البرکة ستة أضعاف ما لمکة من البرکة» و منها أن خبر الواحد إذا عارضه إجماع أهل المدینة قدم إجماعهم، کما نقل عن مالک رحمه اللّه تعالی.
و قیل: البقاع لا أثر لها فی ذلک و فیه نظر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 45 و تأمل فی الأرض آیات فلا تک منکرّاو عجائب الأشیاء من ملکوته
و منها: حدیث «یوشک الناس أن یضربوا أکباد الإبل فلا یجدوا عالما أعلم من عالم المدینة» .
قیل معناه: أن العالم من أهل المدینة أعلم منه من غیر أهلها، و فیه إشارة إلی أن للبقاع أثرّا فی ذلک و فی الأرض قطع متجاورات فافهم.
و قول ابن عیینة: نری هذا العالم مالک بن أنس لا یمنع من ذلک، لأن مالکا کان إذ ذاک من علماء المدینة [و یؤیده] قول سفیان، و قد قیل له ما قاله ابن عیینة. «إنما العالم من یخشی اللّه تعالی. و لا یعلم أحد کان أخشی للّه تعالی من العمری قتیبة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 46
و من محاسنها: قلة المظالم بها [و شذور] التظاهر فیها بالمنکرات بالنسبة إلی غیرها من بلاد الإسلام.
[و ما أصدق القائل] :
[قل] لمن أبصر حالا منکرةو رأی من دهره ما حیره
لیس بالمنکر ما أبصرنه‌إن من عاش یری ما لم یره
و قال آخر:
قل لمن شاهد أمرّا أقلقه‌و رأی ما یستحیل الفسقة
ستری هذا الذی تنکره‌مستحبّا بعد تلک الطبقة
[و من محاسنها] حدیث «المدینة کالکیر تنفی [خبثها] ».
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 47
قیل: معناه تصفی أهلها من الکدورات، حتی یکونوا محلا للفیض الرحمانی.
و قیل هو علی بابه و یکون إخراج الخبیث منها زیادة فی [حسرته] و هذا بعید مما أعتقده. أو هو من باب الترهیب.
فهذا اختیاری فوافق ان رضیت به‌او لا فدعنی و من أهوی و اختاره
و ما أحسن ما کتب به بعضهم إلی أبی الوفا:
أیجوز أن أظمأ و ماء غدیرکم‌عذب و فیه من الزلال رحیق
و یضیمنی دهری و فی عتباتکم‌تلقی الرجال و تستریح النوق
«فکتب له الجواب»
أهلا و سهلا إن أتیت و مرحبّاما فی حمی کرم الأحبة ضیق
لا [تیأس] من روح من أحببته‌فعلی الأحبة [للمحب] حقوق
و ما أحسن ما قال:
و بعد ذاک الجفا إن جئت معتذرّاإلی حمانا تجد عفوّا و غفرانا
حتی تظن بأن الوصل ما برحت‌أیامه و کأن الهجر ما کانا
و من محاسنها أنه علیه السلام. «رأی أنه أصبح علی بئر من آبار الجنة».
فأصبح علی بئر غرس. و «رؤیا الأنبیاء حق» [علیهم الصلاة و السلام] .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 48
و منها [أن] العجوة من الجنة . فقد اشتملت المدینة المنورة علی شی‌ء من أرض الجنة [و میاهها] و ثمارها ... و ما أحسن ما قال:
ریاض نجد بکم جنان‌فضیة حورها حسان
و ترب وادیکم بنجدمسک و حصباؤها جمان
و الجار فی ربعکم عزیزو الحد فی أرضکم مصان
و الریح من [شعبکم] عبیرو الزهر ورد و زعفران
یا من لهم فی الفؤاد مثوی‌عذابه یشهد الجنان
کم حن قلبی إلی لقاکم[و بیننا] الغور و الرعان
و کنت أخفی الهوی و دمعی‌من شدة الوجد ترجمان
و بالجملة فقد اشتملت المدینة الشریفة علی محاسن تعشقها العقول و أوانس ما بین القلب و همومه تحول. و لطائف تعطر أندیة الأفکار طیبا، و تعطی من تعرض لنفحاتها من عرفها الطیب نصیبّا.
و حدثتنی یا سعد عنها فزدتنی‌شجونّا فزدنی من حدیثک یا سعد
فما أحلی ذاک الحدیث و هو حبیب النفس و عشیق الطبع و سمیر ضمیر الجمع. تتولع به الأرواح لا الریاح، و تزهی به الألسن لا الأغصن، و تبدو به طلعة البئر لا الشجر [و یحلو] بجناه. الجنان لا الجنان [یجلو به] المنطق السحار لا الأسحار.
أعد ذکر نعمان لنا إن ذکره‌هو المسک ما کررته [یتضوع]
فإن قر قلبی فاتهمه و قل له‌بمن أنت بعد العامریة [تولع]
قال المجد الشیرازی فی المغانم المطابة فی مقام طابة: و بعد فإن العنایة بالمدینة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 49
الشریفة متعینة و الرعایة لتعظیم حرمتها لکل خیر متضمنة و الوسیلة [تبشر] شرفها شائعة و الفضیلة لا شتات معاهدها جامعة لأنها طابة ذات الحجر المفضلة، و دار الهجرة المکملة و حرم النبوة المشرف بالآیات المنزلة و البقعة التی تهبط الإملاک علیها «و المدینة التی یأرز الإیمان إلیها» و المشهد التی تفوح أرواح نجد من ثیاب زائریه و المورد الذی لا تروی من الشوق إلیه غلة واردیة و البقعة التی خصها اللّه تعالی بالنبی الأطهر «و الحومة التی فیها الروضة المقدسة بین القبر و المنبر» و التربة التی سمت علی الآفاق بساکنها و فضلت علی جمیع بقاع الأرض بالبقعة [التی] هی أفضل أماکنها.
بقعت ضمت الرسول تسامت‌و علا قدرها علی الآفاق
فهی عند الجمیع لا شک خیرمن جمیع الثری علی الإطلاق
و جدیر [لمواطن] عمرت بالوحی و التنزیل. و تردد فیها الأمین جبریل [علیه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 50
السلام] لمواطن صح و اشتملت تربتها علی جسد سید البشر، و انتشر عنها من دین اللّه تعالی ما انتشر. مدارس آیات و مساجد صلوات، و مشاهد خیرات، و معاهد معجزات، مناسک دین، و مسالک تمکین، مواقف سید المرسلین، و متبوء خاتم النبیین، حیث انفجرت النبوة و فاض عبابها و مواطن [مهابط] الرسالة و أول [أرض] مس جلد المصطفی ترابها، أن تعظم حوماتها و تستنشق نفحاتها، و تقبل ربوعها و ساحاتها.
دار خیر المرسلین و من به‌هدی الأنام و خص بالآیات
عندی لأجلک لوعة و صبابةو تشوق متضاعف الزفرات
و علی عهد إن ملأت محاجری‌من تلکم الحومات و الساحات
لأعفرن مصون وجهی [بینها] و أقبل الآثار و الحجرات
قال فی المواهب اللدنیة: و قد أطلت فی الاحتجاج لتفضیل المدینة علی مکة، و إن کان مذهب إمامنا الشافعی تفضیل مکة لأن هوی کل نفس حیث حل حبیبها علی أن للقلم فی أرجاء تفضیل المدینة مجالا واسعا و مقالا جامعا، لکن الرغبة فی الاختصار تطوی أطراف بساطه و الرهبة من الإکثار [تصدق] و عن تطویله و إفراطه و أنت إذا تأملت قوله علیه السلام «یأتی علی الناس زمان یدعو الرجل ابن عمه و قریبه هلم إلی الرخاء و المدینة خیر لهم لو کانوا یعلمون و الذی نفسی بیده لا یخرج أحد منها رغبة عنها إلا أخلف اللّه فیها خیرا منه» ظهر لک أن فیها [إشعارا یذم] الخروج من المدینة بل نقل المحب الطبری عن قوم انه عام أی مطلقّا [أبدا] و قال انه ظاهر [اللفظ] انتهی.
و أقول [فی المعنی]
أیا ساکنی أکناف طیبة حسبکم‌من السعی [للعلیا] جیرة أحمد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 51 فمن یبتغی عنها بلادا و إن سمت‌لأمر من الدنیا فلیس بمهتد
و ما أحسن ما قال [الناظمی] محمد بن مسدد
علی عهود عن دیارکم لا [أخطو] و لو [طال] فیها العیش أو طاول القحط
علی أننی فیها علی خیر حالةعزیز جناب لا یزاولنی البسط
أبی اللّه أن ترضی سواها [حیلتی] [فتنتقل] أقدامی إلی غیرها الوخط
أأرحل عمن لا یضام نزیله‌و من لا یطیق الخطب فی جاره [یسط]
[أأضرب] صفحا عن شفیعی و نافعی‌إذا أعرضت عن الأقارب [و الرهط]
فما أسعد القوم الذین [رضوا] به‌معینا و فی أکنافه أبدا حطو
أولئک یمحو اللّه عنهم ذنوبهم‌و لو عظمت فحشا و لم یمحوها ضبط
[فکم] عسرات إلی أقیلت ببائه‌و من شدة حلت و قد أحکم الربط
و لی هفوات قد کثرت و لا أری‌لها غیر جاه المصطفی نافعا قط
فیا سیدی سل لی من اللّه عطفةو طیب رضی لا یختشی بعده سخط
و جبر الکسیر ظالما قد شکوته‌إلیک فدارکنی لیجبر الوهط
و خذ بیدی یا أکرم الخلق عند ماأقدم یوم العرض إذ ینصب القسط
هناک لک العلیا هناک لک الرضاهناک لک العز الذی ماله خلط
علیک صلوات اللّه ثم سلامه‌و آلک و الأصحاب ما اضطرب الخمط
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 52

باب فیما یتعلق بالحجرة المعطرة

و المنبر الشریف و ذکر فضل الروضة [المطهرة] و المسجد المنیف [نفائس هذا الباب] أنفاس روضة. و نظم المعانی سلسبیل و سلسل.
لما بنی النبی صلی اللّه علیه و سلم مسجده بنی لنسائه حجرا علی نعت بناء المسجد من اللبن و جرید النخل و هی تسعة أبیات علی أبوابها مسرح الشعر الأسود طول کل ستر ثلاثة أذرع [و] و العرض ذراع، فلما کانت أیام الولید بن عبد الملک أمر بإدخالها فی المسجد و لم تکن منه قبل بنائها.
[و عن] سعید بن المسیب انه قال «وددت انهم لو ترکوها علی حالها ینشأنا شی‌ء من المدینة و یقدم قادم من الآفاق فیری ما اکتفی به رسول اللّه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه، فی حیاته فیکون ذلک فیما یزهد الناس فی التکاثر و التفاخر.
قلت: و حیث قامت بأوصاف هذه الحجر أقلام الأعلام فهی بأبصار التصور لذی الاعتبار مشاهدة و لکن المحسن و المقبح کما یقال هو العرف فیا لیت شعری ما الفائدة:
أری الصمت خیرا من [عظات] بلیغةإذا لم یکن للسامعین قبول
و أما الحجرة الشریفة النبویة فقد بنیت مرات و من أحسن ما [حکی] فی ذلک أن السلطان نور الدین [الشهید] حفر حولها خندقا إلی الماء و ملأه بالرصاص المذاب و ذلک فی سنة سبع و خمسین و خمسمائة بسبب واقعت النصرانیین. فصار [ذلک] صورّا محکمّا علی الحجرة و اما المقصورة الآن و القبة المشرفة ففی غایة الاتقان و الاحکام و هی ملحوظة بعنایة اللّه تعالی للولادة و الحکام [و لسنا] فی صدد اخبار
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 53
عمارتها و القیام علیها بل فی التعرض لذکر بعض محاسنها فمن ذلک الزیارة التی هی الغنیمة و النعمة السنیة العظیمة.
هنیئا لمن زار خیر الوری‌و حط عن النفس أوزارها
فإن السعادة مضمونة[لمن] حل طیبة أو زارها
قال العلامة فی الجوهر المنظم: نقل المطوعی عن السلف أنهم کانوا قبل إدخال الحجر فی المسجد یقفون فی الروضة مستقبلین الرأس الشریفة، لتعذر استقبال الوجه الکریم و إذا سن استدبار القبلة فی الخطبة لأجل مواجهة السامعین فلأجله أولی.
[و أی] بلاد اللّه حلت به فماأراها و فی عینی حلت غیر مکة
و أی مکان ضمها [حرم] کذاأری کل دار أوطنت دار هجرة
و الوقوف أفضل فإن قعد [جثا] علی رکبتیه. ناظرّا إلی الأرض أو إلی أسفل ما یستقبله من جدار القبر الشریف. [و یغض] طرفه عما هنالک من الزینة و غیرها. و یمثل ذاته الشریفة بین عینیه حتی کأنه یراه مع ملاحظة الأدب [و الاستغاثة] .
و ما أحسن ما قال:
[بمثلک] الشوق الشدید لناظری‌فاطرق أجلالا کأنک حاضر
و قال آخر:
و اطراق طرف العین لیس بنافع‌إذا کان [طرف] القلب لیس بمطرق
مسألة: إذا وقف وضع یمینه علی یساره. علی ما قاله الکرمانی و روی الإرسال و لکل [وجه] .
وجه الأول: أنه یستلزم أن یکون الإمساک محاذیا للقلب، و یستفاد منه أنه لا یمسک کذلک إلا [النفیس] و منه ینتقل إلی أنه لا أنفس من القلب، فیمسک عن الخواطر المذمومة فکان الإمساک الحسی وسیلة إلی الإمساک المعنوی الذی هو روح الصلاة، و سرها المقصود منها.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 54
و وجه الثانی: أن الإرسال صورة الانطراح، بل الموت المشار إلیه بموتوا قبل أن تموتوا. فحقیقة الحرکات و السکنات لله الواحد القهار. [و بملاحظة] ذلک یکون الإرسال أولی، و هو سنة أهل البیت فتأمله.
مسألة: یسن للزائر أن یقصد الروضة المطهرة مع الوقار و الافتقار فیصلی تحیة المسجد، بمصلاة علیه [الصلاة] السلام و هو المحراب النبوی و یسجد للشکر علی نعمة الوصول إلی هذا المقام. ثم یقصد القبر المکرم نحو الرأس الشریف کما هو المأثور عن أهل البیت. مع أن فیه إیثار الأشراف فهو [اللائق] بالأدب و لأنه علیه [الصلاة] و السلام «لما فرع من دفن إبراهیم قال عند رأسه: «السلام علیکم» و هو ظاهر فی أن السلام من جهة الرأس و یختم بوقوفه عند القبر الشریف عند نهایة الصفة مما یلی القبلة بصف [اسطوانة] التوبة. إذ هو موقف السلف فیدعو و یصلی و یسلم.
و عن المجد اللغوی: السلام علیه صلّی اللّه علیه و سلم عند قبره أفضل من الصلاة للأخبار الواردة .
و ینبغی بعد زیارة اللقاء أن یجمع بین الصلاة و التسلیم و عن ابن عباس رضی اللّه تعالی عنهما «لا ینبغی الصلاة من أحد إلا علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم».
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 55
و قیل: یقصرها علی الأنبیاء.
و قیل علیه دونهم.
و قیل: بجوازها مطلقّا بلا کراهة.
و قیل: تبعا و مثلها السلام، إلا إذا کان تحیة لحاضر أو طی غائب حکاه ابن حجر.
مسألة: من استودع السلام قال: السلام علیک یا رسول اللّه من فلان بن فلان.
و إبلاغه سنة لأنه للاستمداد منه صلّی اللّه علیه و سلم بخلاف إرسال السلام للغائب فإن إبلاغه واجب علی من لم یصرح بعدم قبول تحملة عقب التحمیل لأن فی ترکه وسیلة إلی المقاطعة المحرمة .
مسألة: نقل ابن الهمام أن مذهب أبی حنیفة رحمه اللّه تعالی استقبال القبر الشریف قال: و ما نقل عنه یعنی قول الکرمانی من استقبال القبلة مردود بما رواه فی مسنده عن ابن عمر رضی [اللّه تعالی] عنهما مرفوعّا أنه قال: «من السنة استقبال القبر المکرم و جعل الظهر إلی القبلة و یقف علی نحو أربعة أذرع من جدار القبر الشریف» و ذلک أقل من مراتب [البعد] . و أما الإطالة و خلافها فهی بحسب الحضور فمن فقده فالانصراف أولی به و یسلم علی الصدیق الأکبر، و الفاروق الأطهر، و إفراد کل بالسلام أولی.
[و عن] مالک رحمه اللّه تعالی: السلام علیکما یا صاحبی رسول اللّه [صلی اللّه علیه و سلم] و هکذا فی بعض مناسک الحنفیة. و هل یشیر بأصبعه إذا أراد الزیارة إلی الصاحبین کما هو صنیع أهل البادیة. قال فی مناسک السروجی نعم یشیر بیدیه إلیهما، إذا أراد أن یسلم علیهما و لا أدری ما معنی التخصیص لأنهم یسلمون علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم کذلک.
مسألة: کره مالک رحمه اللّه تعالی و غیره من الأئمة دون الثلاثة کلما دخل الرجل المسجد و خرج [الوقوف با] لقبر الشریف. قال: و إنما ذلک [للغرباء] و ذلک کله
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 56
قد یفضی إلی [الملل] و قلة الأدب و الحکم یدور مع العلة و عنه علیه [الصلاة] و السلام «اللهم لا تجعل قبری وثنا یعبد» .
مسألة: قال فی الجوهر المنظم: مذهب أهل البیت تقبیل القبر و مسه و قال أحمد بن حنبل رحمه اللّه تعالی: لا بأس به و علیه المحب الطبری و ابن أبی الصیف و غیرهم من الأجلا کالسبکی و أضرابه .
و قال الغزالی فی الأحیاء. مس المشاهد و تقبیلها عادة الیهود و النصاری ، و لما رجع بلال رضی اللّه عنه من الشام جعل یبکی و یمرغ وجهه علی القبر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 57
و عن الزهراء البتول رضی اللّه تعالی عنها لما قبر علیه [الصلاة] و السلام أخذت قبضة من تراب قبره [علیه الصلاة و السلام] و جعلته علی عینیها و بکت و أنشدت:
ما ذا علی من شم تربة أحمدأن لا یشم مدی الزمان غوالیا
صبت علی مصاب لو أنهاصبت علی الأیام صرن لیالیا
و فی حدیث أبی أیوب الأنصاری رضی اللّه تعالی عنه أن مروان أقبل فرآه ملتزم من القبر المکرم، فأخذ برقبته. و قال: هل تدری ما تصنع قال: نعم لم آت الحجر و إنما أتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم.
لا تبکوا علی الدین إذا ولیه أهله‌و لکن أبکوا علیه إذا ولیه غیر أهله
و عن بعضهم:
اتبع طریق الهدی‌و لا یضرک قلة السالکین
و إیاک و طرق الضلالةو لا تغتر بکثرة الهالکین
و هذا الحق لیس به خفاءفدعنی من بنیات الطریق
[مسألة] : إن قیل: ما [حکمة] دفنه علیه [الصلاة] و السلام بالمدینة المنورة و قد جاء أن کل أحد إنما یدفن فی المحل الذی خلق منه و إنما خلق علیه [الصلاة] و السلام [من الطینة التی خلقت منها الکعبة] .
[قیل] : حکمة افراده عن مکة [المشرفة] بمحل بعید منها لیکون متبوعّا لا تابعّا، و لتتمایز الناس فی شد الرحال إلی [نصوصه] .
[و قد] حکی صاحب عوارف المعارف أن الطوفان لما علا الکعبة موج منها موجة إلی کل محل قبره الشریف فهو فی الحقیقة لم یدفن إلا فی أصل الکعبة.
و حکی السهروردی أن سلیمان علیه السلام زار محل قبر محمد صلّی اللّه علیه و سلم و أخبر بأنه سیقبر فیه، و اختصاص المدینة بذلک من بین قری الحجاز لأنها باعتبار ذاتها لا بما عرض لها من نحو [حماها] مع أنها نقلت إلی الحجفة أعذب أرض فی تهامة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 58
[و أعدلها] و أکثرها ماء و نخیلا، و أحسنها أهلا و مقیلا سیما و فیها أخوال نبینا صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و أنصاره [إلی] غیر ذلک من محاسنها و محاسنهم الجمة التی لا تکاد توجد فی غیرهم.
و ما أحسن ما قال:
زر أشرف الرسل الکرام و إن بنابک [منزلا] و شط قرب مزاره
فعلیک بالتاریخ یا [مغرم] به‌لتشاهد الأخبار من آثاره
مسألة: قال العلامة ابن حجر فی کتابه الجوهر [أن] النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه حی یرزق، أی من المعارف الربانیة و الکرامات الرحمانیة ما یلیق بعلی مقامه و یتلذذ [به] فی قبره. کما کان یتلذذ به قبل وفاته و لکونه غذاء لروحه الشریف عبر عنه بالرزق.
مسألة: النفس کلما کان استیلاؤها علی ما لیس من شأنه الدخول تحت حیازتها، لو لا ما اختصت به من ضروب مقاهرته کانت به أشد ابتهاجّا و أنشدوا:
رأیت النفس تسأم ما لدیهاو تطلب کل ممتنع علیها
و قد أجمعوا علی أن إحساس النفس بالملائم و المناقی بعد مفارقة البدن أشد و أقوی للتخلی له، فیکون الإدراک بالحواس الباطنة أقوی لشبهها عند خلوها بهذه الحواس بحالة المفارقة و قالوا [بتصور] الذات المحمدیة بما وصفت به سبب لمشاهدتها التی هی من أسنی المطالب [إشارة فی ضمن بشارة] روی عنه علیه الصلاة و السلام «من رآنی فی المنام فقد رآنی فی الیقظة و لا یتمثل بی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 60
الشیطان» . و عنه من «رآنی فقد رأی الحق» . و عنه «من رآنی فلن یدخل النار»
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 62
و فی روایة لن یدخل النار من رآنی کذا فی التحفة الفاخرة فی إصلاح الدنیا و الآخرة، و فی المواهب اللدنیة عنه علیه [الصلاة] السلام «من رآنی فی المنام فسیرانی فی الیقظة. أو فکأنما رآنی فی الیقظة و لا یتمثل بی الشیطان».
و عنه: «من رآنی فی المنام فقد رآنی. إنه لا ینبغی الشیطان أن یتمثل فی صورتی .
قال القاضی أبو بکر بن العربی: رؤیته صلّی اللّه تعالی و سلم علیه بصفته المعلومة إدراک علی الحقیقة و رؤیته علی غیر [صفته] إدراک المثال فإنه الصواب ان الأنبیاء [علیهم السلام] لا تغیرهم الأرض فیکون إدراک الذات الکریمة حقیقة و إدراک الصفات
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 63
إدراکّا للمثال قوله «فسیرانی» تفسیره فسیری ما رأی لأنه حق [و غیب] قوله «فکأنما رآنی» قیل معناه انه لو رآنی فی الیقظة لطابق ما رآه فی المنام فیکون الأول حقّا و حقیقة و الثانی حقّا و تمثیلا، و هذا کله إذا رآه علی صورته المعروفة [فإن رآه علی خلاف صورته المعروفة] فی حیاته فهی أمثال و المعتمد أن رؤیته فی کل حال لیست باطلة و لا اضغاث أحلام .
و عن ابن عباس رضی اللّه تعالی عنهما انه رأی النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فی النوم فبقی [متفکرّا] فی هذا الحدیث بعد أن استیقظ فدخل علی بعض أمهات المؤمنین لعلها خالته میمونة فأخرجت له المرآة التی کانت للنبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فنظر فیها صورة النبی علیه السلام و لم یر صورة نفسه.
و تم وراء النقل علم یدق عن مدارک غابات العقول السلیمة.
[و قال] الغزالی لیس معنی قوله «فقد رآنی» انه رأی جسمی و إنما المراد انه رأی مثالا صار ذلک المثال آلة یتأدی بها المعنی الذی فی نفسی إلیه و الآلة تکون تارة حقیقة و تارة خیالیة و النفس غیر المثال المتخیل فما رآه من الشکل لیس هو روح المصطفی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و لا شخصه بل هو مثاله علی التحقیق.
و قال فی بعض فتاویه: من رأی الرسول صلّی اللّه علیه و سلم فی المنام لم یر حقیقة شخصه المودع روضة المدینة المنورة و إنما رأی مثاله لا شخصه و ذلک المثال مثال روحه المقدسة عن الصورة و الشکل.
قال الطیبی المعنی من رآنی فی المنام بأی صفة کنت [فلیبشر] و لیعلم أنه قد رآنی رؤیا الحق و کذا قوله فقد رآنی [فالشرط و الجزاء إذا اتحدا دلا علی الغایة فی الکمال أی فقد رآنی] رؤیا لیس بعدها شی‌ء و لا یخفی طیب نشر هذا القول.
و ما أحسن ما قال:
لیته خصنی برؤیة وجه‌زال عن کل من رآه الشقاء
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 64 أو بتقبیل راحة کان لله‌و فی الله أخذها و العطاء
و أما رؤیته صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی الیقظة بعد موته فلم تنقل عن أحد من الصحابة و التابعین و قد اشتد حزن فاطمة صلوات اللّه علی أبیها و علیها علیه حتی ماتت کمدّا بعده بستة أشهر و بیتها مجاور لضریحه الشریف. و لم [ینقل] عنها [رؤیته] فی المدة التی تأخرتها عنه و إنما یحکی ذلک عن بعض الصالحین. عن أنفسهم أنهم رأوه فی المنام فرأوه فی الیقظة أخذا بظاهر حدیث «من رآنی فی المنام فسیرانی فی الیقظة».
قیل: و المنکر لذلک إما أن یکون ممن یؤمن بکرامات الأولیاء أولا، فإن کان الثانی فقد سقط البحث معه فإنه یکذب ما أثبتت السنة بالدلائل الواضحة و إن کان الأول فهذه منها لأن الأولیاء یکشف لهم بخرق العادة عن أشیاء فی العالمین العلوی و السفلی، مع التصدیق بذلک.
[قال] الشیخ أبی السعود: لم یکن لی شیخ إلا النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و إنه کان یصافحه عقب کل صلاة.
و قال الغزالی: أرباب القلوب فی یقظتهم یشاهدون الملائکة و أرواح الأنبیاء و یسمعون منهم أصواتا و یقتبسون منهم فوائد.
و ما أحسن ما قال:
رأی الشمس لا تبقی النجوم لعینه[فظن] النجوم الأفق قد [عدمت] و هما
رویدک لا أن النجوم تغیبت‌و لو قویت عیناک ما فقدت نجما
فکن عبد ما تبدو من الحسن و اتخذإلی القبح معنیّ یجعل القبح حسنّا [ما]
و دعنی و حالی فهو حالی بروضةزهت و غدیر صفقت و رشا الما
و دع لائما فی العشق قد مات فهمه‌فهل قادر [علی] أن تستعیر له فهما؟
و بالجملة فالقول برؤیته بعد موته بعین الرأس یقظة یدرک فساده بأوائل العقول لاستلزامه خروجه من قبره و مشیه فی الأسواق و مخاطبته للناس و خلو قبره من جسده الشریف فلا یبقی منه شی‌ء بحیث یزار مجرد القبر و یسلم علی غائب، أشار إلی ذلک «القرطبی» فی الرد علی القائل بأن الرائی له فی المنام رأی حقیقیة ثم یراه کذلک فی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 65
الیقظة قال: و هذه جهالات لا یقول بشی‌ء منها من له أدنی سکة من المعقول و ملتزم شی‌ء من ذلک مختل [مجنون] .
و للشیخ مسلم شیخ الطائفة المسلمة:
فمن یدعی فی هذه الدار أنه‌یری المصطفی حقا فقد فاه مشتطا
و لکن بین النوم و الیقظة التی‌تباشر هذا الأمر مرتبة وسطا
کذا فی المواهب.
و قال مولانا السید صبغة اللّه. قدس [الله] روحه العزیز عند قوله [و خلوه] من قبره فیه نظر و تأمل لا یخفی.
قلت: لعله ینظر من طرف خفی إلی قول أبی الطیب المتنبی:
کالبدر من حیث التفت رأیته‌یهدی إلی عینیک نورّا ثاقبا
کالشمس فی کبد السماء و ضوؤهایغشی البلاد مشارقّا و مغاربا
و ما أحسن ما قال الآخر:
و ما البدر إلا واحد غیر أنه‌یغیب و یأتی بالضیاء المتجدد
فلا تحسب الأقمار خلقّا کثیرةفجملتها من نیر متعدد
[و فی الحی هیفاء المعاطف لو بدت‌مع الورق کأن الوقت فیها تغنّت
عجبت لها فی حسنها إذا انفردت‌لأیة معنی یفد نراک تشتت]
[و ما أحسن ما قال] :
[تری] تری منه عینی ما وعت أذنی‌و یشرح الخبر ما قد أجمل [الخبر]
[فعشقتی] فیه لأن رؤیة عرضت‌و السمع یدرک ما لا یدرک البصر
[و ما أحلی ما قال]:
فمن کان من کنز المواهب منفقّافلیس فقیرّا للتعمل و الکسب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 66 و من کان فی وجه الکریم مطالعّافلیس فقیرّا للروایة و الکتب
و أقول:
أری مطالعتی فی الکتب ما نفعت‌لعل وجهک یغنینی عن الکتب
فمن رأی وجهک الباهی [و مهجته] فإنه فی غنی عن کل مکتتب
مسألة: قال فی الجوهر: لیس للإنسان أن یشم طیبّا فی کل یوم. فإن لم یستطع ففی کل یومین فإن لم یستطع ففی کل جمعة.
قلت: من محاسن المدینة و فضل سلطان الأنبیاء علیه أفضل الصلاة و أزکی التسلیم أن فی کل لیلة جمعة یطلق أنواع البخور و العنبر فی الحجرة المعطرة فیشمه کل من کان فی المسجد الشریف و یکتفی به الفقیر و العاجز.
مسألة: تجاه الوجه الشریف فی الجدار مسمار من فضة مموه بالذهب فی رخامة حمراء. من استقبله کان مستقبل الوجه الشریف.
قال ابن حجر فی الجوهر المنظم [قلت] : و کان یسمی الکوکب الدری حتی کانت أیام [المقدس المبرور] السلطان ابن السلطان ابن السلطان مولانا السلطان أحمد خان علیه الرحمة و الرضوان فجعل علیه حجران من الألماس مکفوتان [بالفضة و الذهب] فهما من أثاره الحسنة زاد اللّه فی حسناته و جعل الملک فی عقبه ما دارت بسعادتهم أفلاک عنایاته و علی ذکر الکوکب [فلله] در الفاضل [ابن سراج حیث یقول] :
الکوکب الدری من شأنه‌یخفی معاوجه السراج المنیر
فکثروا الجوهر [أو قلل] [سواه] فالجوهر الفرد عدیم النظیر
[و للسلطان] أحمد خان علیه الرحمة و الرضوان الأثار الحسنة و المآثر المستحسنة [و الصلات] الجاری ثوابها فی صحائفه و الهبات التی خلدت فی صحف أخبار مکارمه و لطائفه و من أحسن آثاره الباقیة حسناتها علی تعاقب الملوان الحنفیة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 67
المجاورة لباب الرحمة، فإنه حسن [وصفها] ، و عم من فی المدینة المنورة نفعها.
إن آثارنا تدل علینافانظروا بعدنا إلی [آثارنا]
[أو کما قال] :
همم الملوک إذا أرادوا [ذکر] من بعدهم [فبالس] البنیان
إن البناء إذا تعاظم شأنه‌أضحی یدل علی عظیم البانی
و علی [الخصوص] ذلک [السبیل] المشتمل علی الماء السلسبیل فإنه عز و سما وصفه علی الواصف و أبی [إلا] أن یتزاید [ثوابه] المتضاعف:
سلسبیل الماء فیه مطلق‌قید الناس بطیب المورد
قد سری بین ریاض [دبجت] برخام أبیض فی أسود
و جلا فی العین من مرمرةشکل زهر جل علی قطف الید
و فی سنة سبع و أربعین و ألف من الهجرة المأمونة من الرجف قدم المولی الذی تشرفت دیباجة هذا الکتاب بألقابه الشریفة [و تعطرت أزهار أوراقه بنشر شمائله السائقة] اللطیفة. لا زالت رایات العزّ بسعوده خافقة و سواجع السعد بصعوده ناطقة و لا برحت أعوامه مواسم التهانی و أیامه مباسم الأمانی. أعیاده تعود مجددة السعود مغدقة بالجود، أیامه عائدة و قد خلدت محامده بالدعوات الصاعدة و ذلک بعد قضائه المناسک الشریفة إلی هذه المدینة المنیفة و معه حجر من الألماس محفوف بأحجار مختلفة [مکفوتة] بصفائح الفضة و الذهب. و هذا الحجر من آثار صدر الدولة العثمانیة و رکنها الشدید و عمار الخلافة الخاقانیة و أمینها الرشید المسدد بعنایة اللّه تعالی فی الأقوال و الأفعال القائل فیه بشهادة الواقع لسان الحال:
لیس الزمان بصالح إلا علی‌تدبیره فی النقض و الأبرام
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 68
ألا و هو الصدر الذی تحملت به صدور المواکب و أصبح بین أقرانه کالبدر بین الکواکب أجل [وزراء] خلیفة اللّه تعالی علی مسطح البسیطة شرقّا و غربّا و أجمل من شمله نظر سلطان من سلاطین الأمة و منحه قربّا. أنیس الحضرة السلطانیة و جلیس الدولة الخاقانیة عمدة أصحاب العز و التمکین، قدوة الخواص و المقربین المتحلی بالنعوت الکریمة المصطفویة المتخلی إلا عن الکمالات النبویة المحفوظ من الاغیار [و الأکدار] مولانا مصطفی باشا سلام دار لا زال المستحق یستوفی من ذمة الزمان فی أیامه الشریفة دیونه و لا برح من الأنصار [یعلو] همته و إحسانه لمن هاجر إلی هذه المدینة و اللّه تعالی یبقیه صدرّا منشرحّا تتعالی عقود الممالک منه بحسن النظام و بحسن خاتمته إن شاء اللّه تعالی یصیر مسکا لکل ختام، و بالدعاء أری ختم الکلام له فما توفیه حق المدح أقلام اللهم یا من بیده مقالید الأمور و یا من یبدل القضاء المبرم بسابق لطفه و صالح الدعاء المبرور أیده بملاحظة عنایة مولانا السلطان الأعظم و الخاقان المکرم الأفخم المنوه باسمه الکریم فی صدر هذا الکتاب. المفضی له بالسعد المؤبد علی تعاقب الأحقاب لا زالت مقالید الأمور بیدیه کأعنة حیاده [مذللا] تحت قدمه الشریف کالرکاب [حزب] اعادیه و أضداده و لا برح کل مستحق مستوفیّا فی أیامه الشریفة ما کان له فی ذمة الزمان من الدیون ممتعّا بالارتشاف من عذب هذا المنهل الذی ما برح عینّا یشرب بها المقربون و اللّه تعالی یمده بعنایته فی [إقامته] [و مستقره] و یجعل مبتدأ [رحیله] مقترنّا بحسن خبره آمین آمین لا أرضی بواحدة. بل ألف آمین فی [ألف] أمینّا فوضع المولی المنوه باسمه الکریم أعلاه. دام غلاه ذلک الحجر المکرم تحت الحجرین المذکورین جدار الضریح المعظم [فزاد به] شعار الإسلام جمالا و اکتسب بهذه الخدمة السنیة فضیلة و کمالا.
و إذا سخر الإله أناسالسعید فإنهم سعداء
و قلت [أنا] فی ذلک، و إن لم [أکن حاضرّا هناک] :
زار خیر الأنام خیر همام‌قد تسمی شعبان و هو ربیع
عم جیران أحمد بنوال‌دون ذاک النوال خصب مریع
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 69 جاء بالجوهر الثمین لطه‌من وزیر و هو الجناب [المنیع]
مصطفی المجد و الندی و المعالی‌و سلحدار نعمة لا تضیع
یا له جوهرّا تسامی و سامی‌بمقام فیه الثنآء یضوع
عند وجه النبی قد وضعوه‌فغدا و هو مشرق و لموع
کان هذا فی عام سبع و ألف‌و تمام النظام فیه بدیع
و بالجملة فإن هذا الحجر المیمون مما زان و ازدان و صار أثرّا حسنّا یبقی إن شاء اللّه تعالی علی ممر الزمان.
[و ما أحسن ما قال فی غیر هذا المجال
و إذا الدر زان حسن وجوه‌کان للدر حسن وجهک زینا
و تزید ابن أطیب الطیب حسنّاإن تمسیه ابن مثلک ابنا]
و ما أحسن ما قال فی غیر هذا المجال:
أقول و الدر علی جیدهایزهو بما فیها من الزین
ما علق الجوهر فی نحرهاإلا لما تخشی من العین
مسئلة: قال العلامة ابن حجر فی کتابه الجوهر المنظم فی زیارة القبر المعظم:
النظر إلی الحجرة المعطرة و القبة الشریفة عبادة کالنظر إلی الکعبة المشرفة [یعنی] أن الناظر إلیها یثاب علیها حیث ورد کما رواه أبو الشیخ عن عائشة رضی اللّه تعالی عنها مرفوعّا «النظر إلی الکعبة عبادة» [و روی] الطبرانی و الحاکم. «النظر إلی علی عبادة» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 70
[قیل] معناه أن علیّا رضی اللّه عنه کان إذا برز قال الناس لا إله إلا اللّه ما أشرف هذا الفتی لا إله إلا اللّه ما أعلم هذا الفتی لا إله إلا اللّه ما أکرم هذا الفتی لا إله إلا اللّه ما أشجع هذا الفتی فکانت رؤیته رضی اللّه عنه تحملهم علی کلمة التوحید کذا فی النهایة.
و الحاصل أن کل ما یکون النظر إلیه یدل علی الحق فهو عبادة کما روی أن أولیاء اللّه تعالی هم الذین إذا رأوا ذکروا اللّه تبارک و تعالی.
وجوه علیها للقبول علامةو لیس علی کل الوجوه قبول
وجوه إذا ما أسفرت عن جمالهاسجدت علی أعتابهن عقول
و قال آخر:
[وجه] علیه من الحیاء سکینةو مهابة تجری مع الأنفاس
و إذا أحب اللّه یومّا عبده‌ألقی علیه محبة للناس
و من الأشعار التی یجوز أن تنشد تجاه الحضرة النبویة و سمع بإنشاد بعضها من بعض العلماء عند القبر الشریف و حصل بإنشاد بعضها المدد الشامل الوسیع من ذلک الجناب الرفیع:
إلیک و إلا [لا] تشد الرکائب‌و عنک و إلا فالمحدث کاذب
و فیک و إلا فالرجا مخیب‌و منک و إلا لا تنال الرغائب
و منها للشیخ عبد الرحیم البرعی:
یا سید العرب العرباء معذرةلنادم القلب لا یغنی تندمه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 71 یا صاحب الوحی و التنزیل مرحمةفأنت تعفو عن الجانی و تکرمه
أثقلت ظهری [بأوزاری] و جئتک لاقلب سلیم و لا شی‌ء أقدمه
لک الجمیل من الذکر الجمیل و من‌کل اسم جود عظیم الجود أعظمه
فانهض بضیع کتیب أنت ملجؤه‌و امنعه من کل خطب مر مطعمه
و اجعله منک بمرأی العین مکرمة[إذا ألم] به من لیس یرحمه
و إن دعا فأجبه و ارحم جانبه‌یا خیر من دفنت فی القاع أعظمه
علیک من صلوات الله أکملهایا ماجدا عمت الدارین أنعمه
و الآل و الصحب ما لاح النجاح و ماحامت علی أبرق الجنان حومه
و من ذلک فی هذه المسالک:
إن لم أکن أهل [أهیل] لقربکم‌أو کنت یا سیدی قد ساءنی أدبی
هبنی علی الباب مطروحّا قربهاتمر بی نفحات منک تدخل بی
و من هذه [متحب] البهیة [و التعب] الشهیة.
لا أبرح الباب حتی تصلحوا أعوجی‌و تقیلونی علی عیبی و نقصانی
فإن مننتم [فیا عزی] و یا شرفی‌و ان منعتم فیا ذلی و خسرانی
و من هذا الفن المشتهی و الحسن الذی انتهی:
فی حالة البعد روحی کنت أرسلهاتقبل الأرض عنی و هی نائبتی
و هذه نوبة الأشباح قد حضرت‌فامدد یمینک [کی] تحظی بها شفتی
حکی الجلال السیوطی أن السید أحمد الرفاعی رحمه اللّه تعالی أنشد هذین البیتین عند القبر الشریف فبرزت الید الکریمة من تحت الستر حتی قبلها و ظفر [بیمنها] و برکتها و ما أحسن ما قاله:
إذا لحت بی ناجتک کل جوارحی‌و إن غبت عن [العین] أناجیک بالقلب
فأنت [فی] قلبی حضورّا و غیبةو أنت جلا عینی فی حالة القرب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 72
و من هذه الدرر فی هذه الغرر:
کل ربع تحل فیه ربیع‌کل دار حوتک دار المقامة
کل یوم أراک فیه [معید] النحر عندی فی حلق أهل الملامة
و مما راق مبناه ورق معناه:
نعم لولاک ما ذکر العقیق‌و لا جابت له الفلوات نوق
نعم أسعی إلیک علی عیونی‌تدانی الحی أو بعد الطریق
إذا کانت تحن لک المطایافماذا یفعل الصبر المشوق
و من هذا
[و من ألطف ما قال] :
هبنا و من أمسی و أنت حبیبه‌و لو أن نیران الغرام تذیبه
و طوبی لقلب أنت ساکن سره‌و لو بان عنه الفه و قریبه
و تبا لمطرود عن الباب مبعدلقد ضاق فی هذا الوجود رصیبه
[و من هذا النظم العامی و الکلام العالی]
یا طیب الأصلین یا من قربه‌یهدی المسرة للأحبة و الهنا
إن لم تکن عینی فإنک نورهاأو لم تکن قلبی فأنت له المنا
[و من هذه الدر المکنون فی سلک هذا الفنون] :
أما و الذی أبکی و أضحک و الذی‌أمات و أحی و الذی أخرج المرعی
لقد خاب من یسعی إلی غیر بابکم‌و فاز الذی یومّا إلی بابکم یسعی
و ما [أوقع ما قال فی کثیر] من الرجال:
إنی و إن بعدت داری لمقترب‌منکم بحسن موالاة و إخلاص
قرب و إن أبدی مودته‌أشهی إلی القلب [منه] النازح القاصی
[و لله در القائل] :
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 73 حاولتها فوجدت أسباب الرجاموصولة بالیأس من [أسبابها]
إلا لمن أعطی الصبایة حقهاو أتی بیوت الحی من أبوابها
أنشد الجمال الطبری لنفسه:
أنخ أیها الصادی الشدید ظمؤه‌و رد منهلا أحلی من الشهد ماؤه
و سل عند باب المصطفی أی حاجةأردت و ما تهوی فرحب فناؤه
[و مما تحرک له القلب] و مما رق [نسیمه] و راق تسنیمه:
أنخ الرکائب فی فناء الدارو انزل بساحتها نزول الجار
یهنیک یا سعد الوصول إلیهم‌فلقد بلغت منازل الأبرار
و من الآداب السنیة، الموصولة المناهل البهیة:
أنخ مطایاک إن ظفرت بهم‌و اطلب قراهم فإنهم عرب
واسع علی الرأس خاضعّا فعسی‌یشفع فیک الخضوع و الأدب
[سلم سلمت علی سلمی بذی سلم‌و سل سلیمی عن المحجوب فی الخیم
و الثم لثام تمام حول حلتهاطاب به نسمات الطیب فی النسم]
[و مما یرتشفه السمع راحا [و یمدحه علیه فی النسیم من الدقة حیالها]
غیر لیلی لا [بد] یری فی الحی شی‌ءسل متی [ما] ارتبت عنها کل حی
کل شی‌ء سرها فیه تسری‌فلذا یثنی علیها کل شی‌ء]
و مما یتحرک له الرأس فی هذا الجناس:
إذا نحن أثنینا علیک نصائح‌فأنت کما تثنی و فوق الذی تثنی
و إن جرت الألفاظ منا بمدحه‌لغیرک إنسانّا فأنت الذی نعنی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 74
و من أصدق المدح فی سلک هذه الملح:
المدح یدری إنکم أکبرمن کل ما ینظم و ینثر
و إنما یثنی علی فضلکم‌کل ولی بالذی یقدر
و کیف یقضی حقکم مادح‌ضلت قوافیه بکم تفخر
و من أحسن الکلام فی مثل هذا المقام:
نعم هذه الدار الذی أنت تطلب‌إلی أین عنها یا لک الخیر تذهب
أعن دار سعدی بعد ما بان بانهاو فاح شذا أنفاسها تتجنب
و لاحت و هو یومّا توارت و إنمابتنزیهها عن ذاک طرفی یکذب
و من أحسن ما وشته الأقلام و حصل به المرام:
الحمد لله هذا القصد و السول‌حبل الوصال بخیر الرسل موصول
هذا مرادی و هذا منتهی أملی‌و کم کان لی فی الوصل تأمیل
هذا أسر سرور قد سررت به‌فالسعد ساعدنی و الشمل مشمول
هذا الهنا و المنا و الخیر اجمعه‌فالصدر منشرح و القلب مشمول
قرت العیون بذا الوصل اللذیذ کمابرت یمینی بفضل الله فالقیل
الحمد لله لا أحصی الثناء له‌حمدا یکون به للسعد تکمیل
و من أجل محاسن الحجرة المعطرة اشتمالها علی المدد الشامل لمن زار [معالمها] [و اشتغل] [القلب بالتوجه الصحیح] إلی صاحب الروضة و الضریح (یروی) أن اعرابیّا وقف أمام القبر الشریف و قال یا رسول اللّه سمعت فیما أنزل علیک اللّه وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِیماً [النساء: 64] و إنی قد جئتک مستغفرا من ذنبی و مستشفعّا بک إلی ربی» قال الراوی فأخذتنی سنة فرأیت النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فقال لی إلحق بالأعرابی فبشره بالجنة» و الأخبار من ذلک کثیرة و فی الصحیح انه علیه السلام قال
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 75
«من زار قبری و جبت له شفاعتی» قال بعض العلماء: یجب علی زائره صلی اللّه تعالی و سلم علیه أن یجزم بنجاته و عنه. علیه السلام؛ «من زارنی بعد موتی فکأنما زارنی فی حیاتی» «و من مات فی أحد الحرمین بعث من الآمنین یوم القیامة» و عنه علیه السلام «لا یکید أحد أهل المدینة إلا انماع و إن أمهل کما ینماع الملح فی الماء» و عنه علیه السلام «اللهم [اکفهم] من دهمهم» أی أغار علیهم بغتة و عنه علیه السلام «اللهم من ظلم أهل المدینة و أخافهم فأخفه و علیه لعنة اللّه و الملائکة و الناس أجمعین. لا یقبل اللّه منه صرفّا و لا عدلا» و عنه علیه السلام «اللهم إن ابراهیم خلیلک
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 76
و عبدک و نبیک دعاک لأهل مکة، و أنا محمد عبدک و رسولک أدعوک لأهل المدینة مثلما دعاک به إبراهیم لمکة، أدعوک أن تبارک لهم فی صاعهم و مدهم و ثمارهم، اللهم حبب إلینا المدینة کما حببت إلینا مکة و اجعل ما بها من وباء بخم فوائح و فوائح» .
حکی أهل السیر أن تبعّا لما قدم المدینة أراد خرابها فجاء حبران من قریظة یقال لهما شحیتا و منیه فقالا أیها الملک انصرف عن هذه البلدة فإنها محفوظة و أنها مهاجر نبی من بنی إسماعیل إسمه أحمد، یخرج آخر الزمان فأعجبه ما سمع منهما و صدقهما فیما قالا فکف عن أهل المدینة فهو صلی اللّه تعالی و سلم علیه وقایة و حمایة و معونة لسکان بلده قبل ظهوره و بعد ظهوره فی حیاته و بعد وفاته اللهم اجعلنی و من أحبه دایمّا أبدا جاره و لا تحرمنی بفضلک بالدارین جواره فإن العیون لا تنقطع عن الکریم و الذنوب لا تمنع من [إحسان] الرؤوف الرحیم.
إن کان لا یرجوک إلا محسن‌فیمن یلوذ و یستجیر المذنب
مسک روحی و مسلک توخی وجدانی.
عیانی لزائری الحضرة الجامعة المحمدیة قال اللّه تعالی وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِیماً [النساء:
64] قال مولانا السید [أسعد] البلخی تغمده اللّه برحمته صریح النص یدل علی أن الظالم سواء کان مشرکا أو مسرفا أو منافقا لو جاء إلی النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم مستغفرّا تائبّا مما کان منه من التفریط و استغفر له الرسول صلی اللّه علیه و سلم و هو قد استغفر للجمیع فإنه مأمور به لهم من عند اللّه تعالی «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِیماً» فإذا تحقق الشرط و هو مجیئه مستغفرا ترتب علیه الجزاء و هو وجدان اللّه تعالی توّابا رحیما و المجی‌ء إلیه علیه السلام أعم من أن یکون فی حیاته [أو] بعد انتقاله بل بعده أبسط حضورا لمن قصده و لا شک أن التوجه إلی وجهته الروحیة مع التمثل [إلیه] بین یدیه بالجثمان أکمل و أجمع للفضائل، و إذا کان حال الظالم نفسه هکذا فی زیارته فکیف بالصالح، فضلا عن المتقی و العارف المتحقق، و کلام اللّه تعالی حق و وعده صدق فمن لم یجد اللّه تعالی فی زیارته النبی صلی اللّه علیه و سلم فلیراجع نفسه الغبیة فإنه إما أخل بالشروط أو وجده سرا وجدانا بسیطا غیبیا منزها عن الکمیة مجهول الکیفیة و ما تحقق علمّا یقینّا مرکبّا تصدیقیّا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 77
[شهادیا] فلا یلومن إلا نفسه القاصرة، فإنه لا منع فی فیض الحق و لا ضیق فی جاه المرور بل القصور من قبل الزائر [و تحقیق] هذا الوجدان [وجدان] کان بمعنی أدرک و صادف فهو یتعدی إلی [مفعول واحد و هو الوجد السری] [البسیط المجهول الکم و الکیف أعنی الحضور الإشراقی عین العالم و المعلوم و إن کان بمعنی علم من أفعال القلوب] فهو یتعدی إلی مفعولین بمعنی التصدیق [المرکب] المتضمن للحکم الإیقاعی أو الانتزاعی أعنی علم العلم المسمی بالحصولی و الأول العلم الحضوری الإشراقی و هو علمه سبحانه و تعالی بذاته و جمیع صفاته و بالعالم الذی هو فعله و علم الملأ الأعلی و علم الإنسان بذاته و لوازمها الأول کذلک. [حضوری بمعنی الانکشاف التام بغیر غیبة] و الثانی العلم الحصولی للإنسان العاقل تصورّا أو تصدیقّا بما خرج عن ذاته بطریق التمثل الصوری، أعنی ارتسام صور الأشیاء فی القوة المفکرة فحصل من ذلک أن العارف المتحقق جامع بین الوجدان السری البسیط أن اللّه تعالی هو الباعث للعبد الثواب علیه الجائی به إلی الزیارة أو القاصد تشوقّا و محبة أینما کان بالتوبة و الایمان و لکل مؤمن إن کان متوجهّا إلیه من سائر الآفاق إیمانا أولا و استحضارّا نجیّا ثانیّا لأنه لا یؤمن إلا بإذن اللّه تعالی خصوصا بالزیارة للزائر و بین التصدیق الیقینی الشاهدی أن العبد المؤمن الزائر مظهر اسمه التواب من قوله «ثم تاب علیهم» لیتوبوا.
و الحبیب المزور صلّی اللّه تعالی و سلم علیه بالمؤمنین رؤوف رحیم بالنص فالمؤمن المتحقق بالوجدانین له علم بسیط متعلق بذاته سبحانه و تعالی و صفاته و یشارکه فیه جمیع الأشیاء المسبحة بحمده تبارک و تعالی و له فضل علم أعنی التصدیق الیقینی المتعلق بأحکام اللّه سبحانه و تعالی و أفعاله المترتب بعضها علی بعض، و هو مناط الثواب و رفع الدرجات [و أما الزائر] الفاقد فإما أن یکون غبیا لا یدری الزائر و المزور، و لا تحقق رد المزور سلامه علیه فضلا عن تحقق سلام المزور قبل سلام الزائر کما قال تعالی وَ إِذا جاءَکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِآیاتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ. أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْکُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ [الأنعام: 54] [و هو کما قال] :
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 78 تاهت الألباب فیک فمامیزت وردّا من الصدر
فذاک لا عرف الإجابة و لا باعث له علی الزیارة إلا الضیق و الشکایة من أمر المعاش و المضائق الدنیویة و فضل اللّه تعالی أوسع و رحمته وسعت کل شی‌ء و کمال شفقته سید المزور، معروف حیث سبقت له العنایة بترتب المقدمة، فسوف ینتفع بتفضیل النتیجة عند کشف غطاء البشریة و إما أن یکون من الفرق التائهة الحائرة المنکرة للرؤیة و اللقاء دنیا و عقبی و لا کلام لنا معه حیث حرم ما فاز به غیره فی هذه النشأة معجلا و إن کان فی المطلوب من حیث لا یعلم، کما قیل:
رب أمر نحو الحقیقة ناظربرزت له فیری و ینکر ما یری
و ربما تأول نص التنزیل بقیاس عقله علی مقیاس دائه فی نقله فبعد عن المرام و تاه فی مهامة الکلام، لأن هذا الوجدان و الإدراک البسیط السری التصوری و الیقین المرکب الایمانی الاستحضاری القلبی المسمی بالإحسان المشار إلیه بکأنک تراه فی هذه النشأة الجامعة خصوصا فی حضرته صلّی اللّه تعالی و سلم علیه بکمال ذاته المقدسة أبدا یصیر رؤیة أخرویة تفصیلیة و مشاهدة جلیلة مناسبة لتلک النشأة النوریة النزیهة عن اعراض هذه النشأة [و الجواهر] المکتنفة بها و إنما حبس [المتأول] بالشبه ثم من اللّه تعالی علی هذه الأمة المرحومة بآیة أخری تدل بصریحها علی سعة الرحمة علی العبد أینما کان فقال جل و علا وَ مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً أَوْ یَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ یَسْتَغْفِرِ اللَّهَ یَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِیماً [النساء: 110] و الاستغفار مجازی و هو أن یقول بلسانه أستغفر اللّه و لا یتصور شیئّا، بقلبه، و حقیقی و هو الذی حظی به الکحل و هو نصب [أعینهم] أن سبقت لهم الحسنی و العنایة الأزلیة من اللّه تعالی لسرهم و روحهم و لطیفتهم بطلب استعداداتهم الغیر المجعولة بستر أنانیتهم و تعینهم الجزیئی، المائل عن حد الاعتدال فی سعة بحر إطلاق وجود سیدهم فاستمر فناؤهم فی ربهم و بقائهم بوجوده فی سائر المراتب الاستیداعیة و المقامات الاستقراریة، فلا جرم دام شهودهم فی جمیع أحوالهم بغیر مزاحمة دعوی الاستقلال بالوجود، و کانوا معه سبحانه و تعالی فی شهود شؤونه حیث کان معهم أینما کانوا فاستغفارهم أزلی أبدی بستر وجودهم فی وجود سیدهم و فی سائر أسمائه و صفاته و أفعاله و سمعوا خطاب لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] بل شاهدوا جهادّا أنه الواحد فی الکل فلا یکن الزائر أنزل حالا ممن ذمة اللّه تعالی فی کتابه من الظمآن الذی وجد اللّه عنده فوفاه حسابه و کان یقول قدیمّا مشایخ ما وراء النهر من طلب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 79
شیئّا وجده، و یقول مشایخ العراق من وجد شیئّا طلبه و شیخ الإسلام من مشایخ خراسان یقول النزاع لفظی و المآل واحد سواء ضربت الزجاج علی الحجر أو الحجر علی الزجاج. و أنا مع العراقیین [و مآل الأقوال] یرجع إلی ما نحن فیه من الوجدان [البسیط السری] و المرکب التفضیلی و یتعلق بهذا الباب.
ما نقل عن بعض المحققین انه قال کل شی‌ء إذا طلبته وجدته إلا الحق سبحانه و تعالی فإن وجده سابقه لطلبه و کان یقال ما خطر ببالک فاللّه بخلاف ذلک، و جاء فی الخبر أن سیدنا موسی علیه السلام قال: «یا رب أ بعید أنت فأناجیک أم قریب فأنادیک» فسمع اللّه تعالی یقول «أینما قصدتنی وجدتنی» و یشیر إلی الذوق الموسوی قوله تعالی فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] و ما أعذب ما قال: الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص79
کما ذا تموه بالشعبین و العلم‌و الأمر أوضح من نار علی علم
أراک تسأل عن نجد و أنت بهاو عن تهامة هذا فعل متهم
و أقول کما قال:
إن کانت الأعضاء خالفت الذی‌أمرت به من سالف الأزمان
فسلوا الفؤاد عن الذی أودعتم‌فیه من التوحید و الإیمان
تجدوه قد أدی الأمانة منهمافهبوا له ما زل فی الأرکان
و ما أرجی ما قال:
عصیت فقل لی کیف ألقی محمدّاو وجهی بأثواب المعاصی مبرقع
عسی اللّه من أجل الحبیب و قربه‌یدارکنی بالعفو فالفضل أوسع
فائدة: عن ابن [الجوزی] قال: قحط أهل المدینة قحطّا شدیدّا. فشکوا ذلک إلی عائشة رضی اللّه عنها فقالت «انظروا إلی قبر النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فاجعلوا منه کوة إلی السماء حتی لا یکون بینه و بینها سقف ففعلوا فمطروا حتی نبت العشب و سمنت الإبل حتی تفتقت من الشحم فسمی عام الفتق انتهی. فالکوة التی فی القبة الشریفة هذا أصلها و سنة أهل المدینة الیوم فی مثل ذلک. فتح باب المواجهة من المقصورة المحیطة بالجهة المعطرة و الاجتماع هنالک للدعاء و الاستغاثة [فائدة]
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 80
ورد عنه علیه السلام «أن فی مسجدی لبقعة قبیل هذه الاسطوانة یعنی الثالثة من المنبر و القبر و تسمی أسطوان القرعة لو یعلم الناس ما صلوا إلیها، إلا أن تطیر لهم قرعة.
قیل: و الدعاء عندها مستجاب کذا فی الجواهر.
مسألة: ورد انه علیه السلام قال «ما بین حجرتی و منبری روضة من ریاض الجنة» قال الخطابی معناه من لزم طاعة اللّه فی هذه البقعة آلت به الحال إلی روضة من ریاض الجنة یوم القیامة.
و قال غیره: یجوز أن یکون هذا الموضع بعینه روضة من ریاض الجنة یوم القیامة و قال آخر کانت الصحابة رضی اللّه تعالی عنهم تقتبس العلم من النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فی ذلک الموضع و هو مثل الروضة و یؤیده قوله علیه الصلاة و السلام «إذا مررتم بریاض الجنة فارتعوا» قالوا یا رسول اللّه و ما ریاض الجنة قال حلق الذکر» .
دقیقة قال فی المواهب: و اعلم أن أعظم نعیم فی الجنة و أکمله التمتع بالنظر إلی وجه الرب تبارک و تعالی و رسوله صلّی اللّه و سلم علیه و قرت العین بالقرب من اللّه تعالی و رسوله مع الفوز بکرامة الرضوان التی [هی] أعظم من الجنان کما قال تعالی وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ [التوبة: 72] و لا ریب أن الأمر أجل مما یخطر بالبال أو یدور فی الخیال و لا سیما عند فوز المحبین فی روضة الانس و حضیرة القدس بتحیة محبوبهم الذی هو غایة مطلوبهم فأی نعیم یدانی تلک المحبة و لذتها و قرة العین بها و بهجتها، و هل فوق نعیم قرة العین بمحبة اللّه تعالی و رسوله نعیم. فلا شی‌ء أجل من حضرة یجتمع فیها المحب بأحبابه فی مشهد مشاهد الإکرام و العز المقیم حیث یتجلی الحق جل جلاله «و یقول سلام علیکم عبادی و مرحبّا بکم أهل ودادی أنتم [المؤمنون
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 81
الآمنون] لا خوف علیکم الیوم و لا أنتم تحزنون، هاذی یدی مبسوطة علیکم و أنا ربکم أنظر إلیکم فیقولون ربنا حاجتنا إلیک النظر إلی وجهک الکریم و الرضی عنا فیرفع الحجاب و یتجلی الحق جل جلاله فیخرون سجدّا فیقول اللّه تبارک و تعالی قد رضیت عنکم فلا أسخط علیکم أبدّا» فما أحلاها من کلمة و ما ألذها من بشری. فیقولون الحمد للّه الذی أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شکور [الَّذِی أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ] [فاطر: 34- 35] [و اللّه أعلم] .
مسئلة: لیس فی الجنة عبادة إلا الحمد و الشکر و التسبیح و التهلیل عن غیر تکلیف و إلزام و إنما هو من تیسیر الإلهام وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللَّهُمَّ وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ [الزمر: 74].
إلهی لک الحمد الذی أنت أهله‌علی نعم ما کنت قط لها أهلا
إذا ازددت تقصیرّا تردنی تفضلاکأنی بالتقصیر استوجب الفضلا
و قال آخر:
لک الحمد یا اللّه فی کل حالةو من جملة الآلاء قولی لک الحمد
فلا حمد إلا أن تمن بقوةتعالیت لا یقوی علی حمدک العبد
و قال غیره:
إذا کان شکری أنعم اللّه نعمةعلی أنه من مثلها یجب الشکر
فکیف یکون الشکر إلا بفضله‌و إن طالت الأیام و اتسع العمر
مسئلة: قدم النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه المدینة المنورة ضحی یوم الاثنین لثنتی عشرة لیلة مضت من شهر ربیع الأول فاستقبله زها خمسمائة من الأنصار فما
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 82
رأی أحد مثل ذلک الیوم و خرج یوم الجمعة عند ارتفاع النهار فرکب ناقته و المسلمون عن یمینه و شماله و من خلفه منهم الماشی و منهم الراکب فما مر بدار من دور الأنصار إلا قالوا هلم یا رسول اللّه إلی القوة و المنعة فیقول لهم خیرّا و یدعو و یقول عن ناقته انها مأمورة خلوا سبیلها. فمر ببنی سالم فأتی مسجدهم الذی فی وادی رانونا و أدرکته صلاة الجمعة. فصلاها لهم هنالک. فکانت أول جمعة صلاها بالمدینة ثم رکب ناقته و صار حتی انتهت به إلی زقاق الحبشی ببنی النجار فجعلن النساء و الولدان یضربن علی [الدفاف] و یقلن:
طلع البدر علینا من ثنیات الوداع‌وجب الشکر علینا ما دعی لله داع
و فی روایة:
أیها المبعوث فینا جئت بالأمر [المطاع جئتنا تمشی] رویدا نحونا یا خبر ساعی.
و مر علیه السلام بجوار من الأنصار و هنّ ینشدن و یقلن:
نحن جوار من بنی النجاریا حبذا محمد من جار
و قال علیه الصلاة و السلام «اللّه یعلم انی أحبکم . ثم سار علیه الصلاة و السلام إلی أن برکت ناقته علی باب دار أیوب الأنصاری رضی اللّه تعالی عنه فنزل بها سبعة أشهر ثم بنی مسجده» قال أهل السیر. بناه أولا. مایة فی مایة و قیل أقل من مایة فی طول سبعة أذرع [و قیل فی طول خمسة أذرع] فلما فتح اللّه تعالی علیه خیبر بناه [ثانیا] و زاد علیه مثله و لما هاجر علیه الصلاة و السلام فرح بقدومه الشریف أهل
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 83
المدینة و کان یوم قدومه عندهم أعظم من یوم الزینة و أول کلمة سمعت منه بالمدینة المنورة «أیها الناس أفشوا السلام و اطعموا الطعام و صلوا الأرحام و صلوا باللیل و الناس نیام تدخلوا الجنة بسلام» و لما برکت ناقته المیمونة عند المسجد الشریف قال هذا المنزل إن شاء اللّه تعالی اللهم أنزلنی منزلا مبارکّا و أنت خیر المنزلین. فقال المحل بلسان الحال:
بقدومکم نزل السرور بساحتی‌و غدا بها طیر الهنا یغرد
و لقد سموت علی الدیار بقربکم‌حتی کأننی فوقهن الفرقد
سبحان من بالعز أبدل ذلتی‌و أنالنی منحّا علیها أحسد
إن البقاع إذا نظرت رأیتهاتشقی کما تشقی الرجال و تسعد
و «کان موضع المسجد الشریف حدیقة لیتیمین من الأنصار هما أسهل و سهیل و کانا فی حجر أسعد بن زرارة.
و قیل: معاذ بن عفرا فاشتراه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه أو استوهبه و بناه مسجدّا و أمر بقطع ما کان فیه من النخیل و الفرقد و کانت فیه قبور جاهلیة فأمر بها فنبشت و أمر بالعظام فغیبت و لما أخذ فی بنائه قال «ابنوا لی عریشّا کعریش أخی موسی ثهامات و خشبات و ظلة کظلة أخی موسی و الأمر أعجل من ذلک قیل و ما ظلة موسی قال کان إذا قام فیه أصاب رأسه السقف.
و کان علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه یرتجز فی عمل المسجد فیقول و لا یستوی من یعمر المساجدا. یداب فیها قائمّا و قاعدا. و من یری عن الغبار حائرا.
فأقیمت فیه سواری من جذوع النخل ثم طرحت علیها العوارض و الخصف و الأذخر فعاشوا فیه و أصابتهم الأمطار فجعل المسجد یکف علیهم. فقالوا: یا رسول اللّه لو امرت بالمسجد فطین. فقال «لا عریش کعریش موسی» فلم یزل کذلک حتی فارق الدنیا صلی اللّه تعالی و سلم علیه و زاده شرفّا و فضلا لدیه ثم تداولته أیدی الخلفاء و الملوک فوسعت فیه و بنته [علی] مقتضی حال الوقت و تفصیل ذلک مما یطول شرحه و قد تکفلت بأخباره التواریخ أنشدنی [العلامة] الشیخ إبراهیم بن أبی الحرم [المدنی] أجازه لنفسه:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 84 من رام یستقصی معالم طیبةو یشاهد المعدوم کالموجود
فعلیه باستیفاء تاریخ الوفاتألیف عالم طیبة السمهودی
[و روی] عنه علیه السلام «لا تشد الرحال إلا إلی ثلاثة مساجد. المسجد الحرام و مسجدی هذا و المسجد الأقصی» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 85
و عنه علیه الصلاة و السلام «من دخل مسجدی یتعلم خیرّا و یعلمه کان بمنزلة المجاهد فی سبیل اللّه من دخله لغیر ذلک من أحادیث الناس کان کالذی یری ما یعجبه و هو لغیره» .
و عنه علیه الصلاة و السلام «أنا خاتم الأنبیاء و مسجدی خاتم مساجد الأنبیاء أحق المساجد أن یزار و ترکب إلیه الرواحل، صلاة فی مسجدی هذا أفضل من ألف صلاة فیما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» کذا فی منح الفتاح .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 86
و عنه علیه الصلاة و السلام «من خرج علی طهر لا یریده إلا للصلاة فی مسجدی حتی یصلی فیه کان بمنزلة حجة» .
و عنه علیه السلام «لا تقوم الساعة حتی تقلب علی مسجدی هذا الکلاب و الذباب و الضباع فیمر الرجل ببابه فیرید أن یصلی فیه [فلا] یقدر علیه» کذا فی الدرة.
و ما أحسن ما قال:
السباق السباق قولا و فعلاحذر النفس حسرة المسبوق
و من محاسن المسجد الشریف «القبة الزرقاء» التی من حظی بقربها قضت له السعادة الأزلیة بأن لا یشقی. کیف لا و قد اشتملت علی ضریح سلطان الأنبیاء و ترجمان الأصفیاء فلقد سعدت بها طیبة الطیبة و استنزلت بساکنها من اللّه تعالی [و شآبیب] رحمته الطیبة.
فیا حسنها و اللیل مرخی سدوله‌و قد أشرقت بالنور قبتها الزرقاء
و قالوا یرق العیش فیها علی الفتا. فقلت و ما أحلاه عیشّا و إن رقا.
و من محاسنه الروضة المطهرة و ما اشتملت علیه من الآثار المحمدیة.
قال فی الجوهر المنظم لم یتحدد عرض الروضة [لاختلاف الروایات] الصحیحة.
قال ابن جماعة و الظاهر منها أن جمیع مسجده روضة فهی تطلق علی أماکن متفاوتة فی الفضل، فأفضلها ما بین القبر و المنبر، ثم ما بین بیوته کلها و المنبر، ثم بقیة المدینة، ثم ما کان خارجها إلی المصلی. انتهی کلام الحافظ ابن حجر رحمة اللّه تعالی علیه.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 87
و ما أحسن ما قال ابن جابر:
إذا قمت فیما بین قبر و منبربطیبة فاعرف أین منزلک الأرقا
لقد قمت فی دار النعیم بروضةو من قام فی دار النعیم فلا یشقا
و قال آخر:
بهجة العین روضة المختارتنجلی فی مشارق الأنوار
حرم حل فیه خیر إمام‌جامع الفضل قبلة الأبرار
أول العاملین فی الخلق لکن‌آخر المرسلین فی الإنذار
باذخ الأصل ناسخ الجهل علماراسخ الفضل شامخ فی الفخار
مضری و أبطحی حسیب‌قرشی و هاشمی نذاری
صفوة الحق أشرف الخلق طرانخبة من خلاصة الأخیار
یا رسول الإله کن لی شفیعّایا شفیع العصاة من حر نار
أنت فی الأنبیاء سلطان شرع‌جئت بالسیف منذر الکفار
فعلیک السلام من عبد ودما سری سر نسمة الأسحار
و علی الآل و الصحابة جمعاو علی التابعین و الأنصار
مسئلة: قوله علیه الصلاة و السلام «ما بین حجرتی و مصلائی روضة من ریاض الجنة» قیل المراد مصلاه فی مسجده و قیل مصلی العید و هو ما فهمه بعض الصحابة رضی اللّه تعالی عنهم کذا فی الجوهر المنظم.
مسئلة: ما بین المنبر و مقامه الذی کان یصلی فیه أربعة عشر ذراعّا و شبرّا بذراع الید المعتدلة حکاه ابن حجر.
مسئلة: کان المنبر الشریف من طرفاء الغابة ثلث درجات و ذلک فی سنة ثمان من الهجرة و عنه علیه الصلاة و السلام «منبری علی حوضی» .
قال الخطابی: معناه من لزم عبادة اللّه تعالی عنده انه یسقی من الحوض یوم القیامة و قال غیره المعنی أن اللّه تعالی یعید (هذا المنبر بعینه علی حالة فینصبه عند حوضه کما یعید) الخلائق أجمعین.
و عنه علیه السلام «منبری علی ترعة من ترع الجنة» .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 88
قال ابن سلام فی الترعة ثلاثة أقوال:
أحدها: انها الروضة تکون علی المکان المرتفع خاصة.
و ثانیها: أنها الباب.
و ثالثها: أنها الدرجة.
و روی «علی رتعة» بتقدیم الراء [علی التاء] و الرتعة بسکون التاء و فتحها الاتساع فی الخصب و کل خصب مرتع .
و عنه علیه الصلاة و السلام «لا یحلف أحد عند منبری هذا. [علی] یمین آثمة، و لو علی سواک أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار» .
و فی روایة «من حلف عند منبری هذا یمینا کاذبا یستحل بها مال امرء مسلم فعلیه لعنة اللّه و الملائکة و الناس أجمعین، لا یقبل اللّه منه صرفّا و لا عدلا» .
فائدة: عن کعب الأحبار ما من یوم و لیلة إلا و ینزل عند الفجر سبعون ألفّا من الملائکة یحفون بالقبر الشریف، و یصلون علیه إلی اللیل، ثم ینزل سبعون ألفّا یفعلون کذلک إلی الفجر و هکذا حتی یقوم صلّی اللّه تعالی و سلم علیه من قبره فی سبعین ألفّا یزفونه و المراد أنهم یصلون صلاة مخصوصة و إلا فجمیع الملائکة یصلون علیه کما قال تعالی إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً و قد صح فی الحدیث أن الملائکة تسعة أعشار الخلق .
فائدة: فی عشر الستین و سبعمائة اشتری السلطان الصالح إسماعیل بن الناصر قریة من بیت مال المسلمین بمصر. و وقفها علی کسوة الکعبة المشرفة فی کل سنة و علی کسوة الحجرة المعطرة فی کل خمس سنین مرة بالحریرة الأخضر و الأبیض. مکتوبا فیها الشهادتان علی رسم الدلالات. و أسماء الخلفاء و من محاسن آل عثمان خلد اللّه تعالی دولتهم أنه إذا ولی أحدهم الملک. کسی الحجرة المعطرة بکسوة أخری بالحریر الملون و الوضع البدیع و فی أیام المرحوم السلطان سلیمان علیه الرحمة و الرضوان، کسیت مرتین، و إذا وصلت الکسوة الجدیدة قسمت تلک الکسوة القدیمة. علی خدام الحرم الشریف.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 89
تتمة : بیع کسوة الضریح النبوی. إذا صارت مخلوقة و جددت و نقلها جائز بناء علی [أن] ذلک موقوف علی إذن السلطان. حتی یظهر ما ینافیه و إنما الخلاف فی کسوة الکعبة. بناء علی شرط الواقف. کذا فی کتاب زهد البساتین. و هذا بالنظر إلی الکسوة العثمانیة و لا بأس بإخراج تراب الحجرة المعطرة. [و تراب] المسجد الشریف. و أثاره للمتبرک. و قال فی شرح لباب المناسک لا بأس بإخراج تراب الحرم و أحجاره و أشجاره الیابسة و إلا ذخر مطلقا و ماء زمزم للتبرک به إجماعا زاد فی الکبیر و تراب البیت للتبرک به لکنه [داخل] فی عموم [ما سبق] و هذا فی القدر الیسیر الذی لا یؤدی إلی التعمق فی الحفر قاله الملأ علی القاری‌ء تتمیم رحمه اللّه تعالی .
قال السبکی فی کتابه تنزل السکینة علی قنادیل المدینة اختلفوا إذا وسع المسجد عما کان علیه فی زمنه صلّی اللّه و سلم علیه هل تثبت الفضیلة أم لا. أم تختص بالقدر الذی کان فی زمنه و ممن رأی الاختصاص الإمام النووی و رأی جماعة عدم الاختصاص کما فی مسجد مکة و قد ثبت أن مسجده کان سبعون ذراعا فی ستین و أما تعلیق القنادیل فی الحجرة المعطرة و جعلها لها ملکا أو وقفا أو نذرا أو هبة فلا یجوز التهاون به. و إن لم یکن تعلیقها فی الأول واجبا و لا مندوبا فقد صار شعارا یحصل بإزالته نقص. فیجب إدامتها [مع] إبقائها علی الملک.
و من محاسن المسجد الشریف محرابه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و شرف و کرم.
فإن الوقوف بهذه المواقف الجلیلة من أعظم النعم الجمیلة و أی فضیلة أعظم من الوقوف بذلک الموقف الشریف و التملی بأنوار ذلک المقام المنیف أنشدنی بمصر المحروسة سنة اثنتین و أربعین و ألف. السید الشریف القاضی محمد الحجازی إجازة لنفسه.
و ما أجود ما قال:
إذا رمت جالها الق ظهرک یا فتی‌لظهر سما فی الناس و هو رحاب
اما تنظر المحراب لو لا استناده‌إلی البیت لم تخضع إلیه رقاب
فائدة: ابتداء الإمام الحنفی بعد الستین و ثمانمائة و محرابه نهایة زیادة عمر بن الخطاب رضی اللّه تعالی عنه و من محاسن المسجد الشریف باب الوفود المبلغ قاصد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 90
تلک العتبة العلیة المقصود فإنه الباب الذی لا یشقی وافده و المورد العذب الذی لا یظمأ وارده.
قیل: و من خواصه أن من أصیب بنائبة و استند إلیه فرج اللّه تعالی کربه و هون صعبه و إن خلا عن الاستعداد و لم تکن فیه قابلة الاستمداد.
و ما أحلی ما قال:
و باب إذا أمه وافدرآه من الغیث [أدنی] و اندا
له الفتح دأب و من شأنه‌یرد و قاصده لن یردا
و من محاسن المسجد الشریف الباذهنج اللطیف فإنه ینزل منه الهواء الرطب خصوصّا فی الأیام الحارة فیحصل به رفق بالمحدورین بل و یستغنی به عن نسیمات البساتین و هو فی ثلاثة مواضع من المسجد الشریف و علیه فما أحسن ما قال:
یا طیبة نفحة باذهنج لم یزل‌بهوائه لنفوسنا تنفیس
معری بجذب الریح من آفاقه‌فکأنه للریح مغناطیس
و من محاسن المسجد الشریف صحنه فإن الجالس فیه أحسن حالا منه فی البساتین مع ما اختص به من مشاهدة الحجرة المعطرة و القبة الشریفة إلی غیر ذلک من الفضائل التی لا تحصی و النوافل التی لا تستقصی و فی الصحن نخلة مرصة حولها درابزین من خشب مربع الشکل و هی من بقایا نخلات کانت هناک قیل کانت بصحن المسجد نخیل مغروسة نحو خمسة عشر.
قال المجد اللغوی: و فی أیام عزیز الدولة، شیخ الخدام غرس کثیر من هذا النخل الذی بالمسجد الیوم و کأنه لم یتعرض أحد لهذه البدعة کذا فی المغانم و فی کتاب زهر البساتین فإن قیل کیف ساغ غرس النخل فی المسجد و هو من البدع المنهی عنها الجواب ان المسئلة مختلف فیها فمنهم من [کره] و منهم من [منع] و منهم من أباح و لا یسوغ الانکار إلا فی مسائل الإجماع. و أما حکم ثمرتها فإنها مباحة لجمیع المسلمین کالنابت فی المقبرة و البیدا و حججة الطریق تتمیم فی ذکر أبار النبی صلی اللّه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 91
تعالی و سلم علیه و هی کثیرة الا ان المشهور منها سبع و فی ذلک یقول أبو الیمن المراغی:
[و ما أجل ما قال]
إذا رمت آبار النبی بطیبةفعدتها سبع مقالا بلا و هن
«إریس و غرس رومة و بضاعة، کذا بصة قل بئر صاء مع العهن بئر إریس کأنیس و تعرف ببئر النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم. سقط خاتمه الشریف من ید عثمان. رضی اللّه عنه. فی أیام خلافته. فنزحت فلم یوجد. و عندها حدائق ذات بهجة و ماؤها أعذب ماء هنالک و هی فی غرب مسجد قباء طولها أربعة و عشرون ذراعّا و شبرّا. منها ذراعان و نصف فی الماء و عرضها خمسة أذرع و طول قفها الذی جلس علیه النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم ثلاثة أذرع و عند البئر اطم عال خراب. یعرف بالحصن. کذا فی الجوهر المنظم.
قلت: و قد تجد ذنبآء البئر بعد ذلک مرات. وزیل فی علو السقف و جعل فی قبلی البئر مسجد لطیف. و الحصن الیوم مسکن. فلاح البئر المذکورة بئر غرس بفتح أوله و یروی بالضم. جاءها النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم فدعا بدلو من مائها ، فتوضی‌ء منه ثم سکبه فیها ، فما ترفت بعد ذلک. و رأی أنه أصبح علی بئر من آبار الجنة، فأصبح علی غرس. فتوضأ منها، و بصق فیها ، و أهدی له عسل فصبه فیها، و هذه البئر بینها و بین مسجد قباء من جهة المشرق نحو نصف میل. و عند رکنها الشرقی القبلی الحدیقة المغلیة. طول بئرها سبعة أذرع و عرضها عشرة أذرع و الماء ذراعان. کذا فی الدرة الثمینة. و مجال البئر قبلی و اشتهر عند أهل الفلاح أن المجاز الشامی أوفق بالصنعة و سره الانحدار الطبیعی و مساعدة الهوی.
و فی الجوهر المنظم ورد یا علی إذا أنا مت فاغسلنی من بئر غرس بسبع قرب لم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 92
تحلل أوکیته فغسل منها کما أمر و کانت خرابا فجددت [بعد السبعمائة] . و لها درجة من داخل الحدیقة و یقربها مسجد و لها درجة أخری من خارج الحدیقة عمرت عام اثنین و ثمانین و ثمانمایة و کانت علیها حدیقة غناء فصارت بورّا کأن لم تکن.
و ما أوقع ما قال :
[بنی] الدنیا أقلوا الهم فیهافما فیها یؤل إلی الفوات
بناء للخراب و جمع مال‌لیغنی و التولد للممات
و بئر رومة بالضم فی غربی المدینة بعیدة منها و هی فی تراح واسع من الأرض و طی. و عندها بناء من حجارة عظیمة کان دیرا لیهودیة طولها ثمانیة عشر ذراعّا و عرضها ثمانیة أذرع و ماؤها حلو صاف طیب- ورد (نعم القلیب قلیب المزنی) - و کانت لیهودی یبیع ماءها للمسلمین فقال علیه السلام من یشتری رومة فیتصدق بها فیجعلها للمسلمین یضرب بدلوه فی دلائهم و له فیها شرب فی الجنة . فساوم عثمان رضی اللّه عنه الیهودی فأبی عن بیع کلها فاشتری منه نصفها باثنی عشر ألف درهم فجعله للمسلمین و صار لکل یوم فکان المسلمون یستقون فی یوم عثمان ما یکفیهم یومین.
فقال الیهودی: أفسدت علی [ترکن] فاشتری النصف الثانی بثمانیة الآف درهم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 93
و استقل بها المسلمون، و حول هذه البئر آبار طیبة الماء عجیبة الوضع و البناء بحیث یزعم الناظر إلیها أنها من وضع الجنة لغرابة أمرها.
[و ما ألطف ما قال] :
و قد کان أرباب الفصاحة کلمارأوا عجبا عدوه من صنعة الجنة
بئر بضاعة بموحدة مضمومة و تکسر فمعجمة و قیل مهملة و هی فی شمال المدینة.
صح أنه قیل للنبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم انه یستقی لک من بئر بضاعة و هی بئر تلقی فیها [لحوم] الکلاب؛ و المحائض فقال: إن الماء طهور لا ینجسه شی‌ء ، و فی ذلک کما لا یخفی رخصة عظیمة و نعمة جسیمة و صح أنه علیه السلام «بصق فیها و توضأ من دلو منها ورده إلیها و دعا لها» و کان المریض یغتسل منها فیبرأ. یکون الماء فیها علی قدر ذراعیه و عرضها ستة أذرع و طولها أحد عشر ذراعّا و شبرا و هذه البئر فی بستان و ماؤها عذب طیب لونه صاف أبیض طیب الرائحة. کذا فی الدرة.
قلت: و عندها الیوم مسجد لطیف و أما البستان فقد صار من أنضر الحدائق و أحسنها.
و للنجم من بعد الهبوط استقامةو للدهر أیاما تجور و تعدل
بئر البصة: بموحدة مضمومة فمهملة مخففة.
و قیل: مشددة من بص الماء رشح. و الأول من و بص کوعد إذا بلغ.
خرج إلیها النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم و غسل رأسه منها بالسدر یوم الجمعة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 94
و صب غسالة رأسه و فراقة شعره فیها ، و هی قریبة من البقیع علی یسار الطریق السالکة إلی قباء فی حدیقة موقوفة علی الفقراء و هی ما بین النخیل، و قد هدمها السیل [و طمها] ثم غمرت و الماء فیها أخضر و إذا انفصل منها فهو أبیض طولها أحد عشر ذراعا منها ذراعان فی الماء و عرضها تسعة أذرع و هی مبنیة بالحجارة حلوة الماء طیبة، و فی الحدیقة بئر أخری فی قبلتها أصغر منها رجح بعضهم الکبری و اختار بعضهم الصغری.
بئر حا: قال المجد: هی بئر قریبة الرشا ضیقة القنا طیبة الماء و قد أفرد لها بعضهم مصنفّا و فی الدرة الثمینة: فی الصحیح من حدیث أنس ابن مالک رضی اللّه تعالی عنه قال: کان أبو طلحة أکثر أنصاری بالمدینة مالا من نخل و کانت أحب أمواله إلیه بئر صا و کانت مستقبلة المسجد، و کان علیه السلام یدخلها و یشرب من مائها فلما نزل قوله تعالی لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] أتی أبو طلحة إلی النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم فقال یا رسول اللّه إن اللّه تعالی یقول: «لن تنالوا البر حتی تنفقوا مما تحبون و أنا أحب أموالی إلی بئر صا و إنها صدقة للّه أرجو برها و ذخرها عند اللّه تعالی فضعها یا رسول اللّه حیث أراک اللّه. فقال رسول اللّه صلّی اللّه تعالی علیه و سلم بخ ذلک مال رابح . و قد سمعت ما قلت و إنی أری أن تجعلها فی الأقربین. فقال أبو طلحة: افعل. فقسمها فی أقاربه و بنی عمه.
قال فی الوفا: و کان منهم أبی بن کعب، و حسان بن ثابت فباع حسان حصته من معاویة بن أبی سفیان فقیل له تبیع صدقة أبی طلحة فقال أ لا أبیع صاعّا من تمر بصاع من دراهم.
قال الحافظ ابن حجر: و بیع حسان لحصته من معاویة دلیل علی أن أبا طلحة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 95
ملکهم الحدیقة المذکورة. و لم یقفها علیهم، و یحتمل أن وقفها، و شرط أن من احتاج إلی بیع حصته جاز له کما قال بجوازه علی و غیره.
قال فی الوفا: قلت: و قد اشترط ذلک [علی] فی صدقته. کما [حکاه] ابن شبة عن نسخه کتاب الصدقة.
و قد اختلف الناس فی ضبطه:
فقال صاحب النهایة: بئرحا بفتح الباء و کسرها و بفتح الراء و ضمها و بالمد فیهما و بفتحهما و القصر.
و قال الزمخشری بیرحا فیعلی [من البراح] و هی الأرض المنکشفة الظاهرة و قیل هی علی الإضافة. و حا اسم رجل أو قبیلة فینون أو هو مقصور و هذه البئر الیوم فی وسط حدیقة صغیرة قریبة من البقیع و من سور المدینة علی طریق سالکة طولها عشرون ذراعّا منها أحد عشر فی الماء و عرضها ثلاثة أذرع و شبر و هی فی مقابلة المسجد النبوی من جانب الشمال.
بئر العهن: بئر بالعالیة ملیحة منقورة فی الجبل لا تکاد تنزف و تسمی الیسیرة برک علیها النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم و توضأ منها و بصق فیها و کانت للأنصار و هی الیوم لآل شدقم من بنی حسین أشراف المدینة. علیها حدیقة غناء و فیها روضة حسناء.
و قد اختلف فی السابعة من الآبار: فقیل: هی العهن و هو المشهور عند أهل المدینة.
و قیل بئر السقیا .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 96
[و قیل بئر جمل] و لا تعرف جهتها فضلا عن عینها.
و عن عائشة رضی اللّه تعالی عنها أن النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم قال فی مرضه صبوا علی من سبع قرب من آبار شتی ، و لا دلالة فی الحدیث علی إرادة هذه الآبار المذکورة.
ذکر عن النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم قال فی الدرة لما کانت أیام الخندق و کانوا یخرجون مع النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم و یخافون البیات فیدخلون کهف بنی حرام و هو فی غربی جبل سلع تجاه الحدیقة النقیبیة فبات فیه النبی صلّی اللّه تعالی علیه و سلم حتی إذا أصبح هبط و نفر العیینة التی عند الکهف و توضأ منها .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 97

ذکر نسب سیدنا و مولانا رسول اللّه صلی اللّه تعالی علیه و سلم‌

هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصی بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهد بن مالک بن النضر بن کنانة بن خزیمة ابن مدرکة بن الیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
قال قائلهم:
أولئک آبائی فجئنی بمثلهم‌إذا جمعتنا یا جریر المجامع
[و إلی ههنا اتفقوا و اختلفوا فیما وراء ذلک] خاتمة.
قال بعضهم هذا النسب الشریف یکتب لکل شی‌ء لأنه اشتمل علی حروف الاسم الأعظم و قد جرب فی مهمات کثیرة و ما زال السلف یحفظون و یأمرون أولادهم بحفظه و التبرک به. و ما أحسن ما قال:
فهات لی ذکر من أحب و خلی‌کل من فی الوجود یرمی بسهمه
لا أبالی و لو أصاب فؤادی‌أنه لا یضر شی‌ء مع اسمه
باب: فیما اشتمل علیه سور المدینة السنیة و ذکر بعض منافذها العذبة الهنیة:
بشراک یا ساکن المنازل‌بمنزل ماله مماثل
تشاهد المصطفی دوامامن حیث لا مانع و حائل
فاشکر لمولاک [کل] حین‌فالفضل بالشکر غیر زائل
و ما أصدق ما قال:
إذا کنت [فی] طیبة ساکناو کنت بعیدّا من المسجد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 98 فإن فضیلة من قد دنت‌به داره منه لم تجحد
قیل لم یکن فی المدینة المنورة سور فی الزمن القدیم و أول من بنی بها سورّا بعد خراب أطرافها عضد الدولة و ذلک بعد الستین و ثلثمائة فی خلافة الطائع بن المطیع قال المجد اللغوی فی المغانم و کان مصلی العید داخل الباب و یروی أن اسحق بن محمد الجعدی بنی سور المدینة سنة مائتین و ثلاثة و ستین و جعل فیها أربعة أبواب و یحکی عن القاضی سنان الحسینی أنه کان یقول فی الخطبة علی المنبر اللهم صن من صان حریم بیتک بالسور محمد بن علی بن منصور.
تتمیم فی أیام الشریف أبی نمی محمد بن برکات شریف مکة المشرفة استولی علی الدیار المصریة ملک الروم السلطان الأعظم سلیم علیه الرحمة و الرضوان فجهز إلیهما قاصدّا بالاستمرار و الاستقرار و الاستیلاء علی [أقطار] تلک الدیار.
[و من أحسن ما قال] :
فلا عد منهم نعمة خلقت لهم‌و دنیا بهم فیها الحیاة تطیب
فکان السلطان سلیم علیه الرحمة هو أول من ملک الحرمین من آل عثمان و ذلک فی سنة تسع و عشرین و تسعمایة.
و من محاسن السلطان سلیم قوله علی ما حکاه عنه القطب الحنفی فی کتابه الاعلام:
الملک لله من یظفر بنیل غنی یترکه قسرّا و یضمن بعده الدرکا
لو کان لی أو لغیری قدر أنملةفوق التراب لکان الأمر مشترکا
و فی أیام ابنه السلطان «سلیمان» علیه الرحمة و الرضوان کان بناء سور المدینة المنورة الیوم. و ذلک فی سنة تسعمایة و تسعة و ثلاثین و بنی علی أساس السور القدیم فی سبع سنوات لتعطیل العمارة فی خلال المدة. و کان تمامه فی سنة تسعمایة و ست و أربعین و دائر السور بذراع العمل ثلاثة آلاف و اثنان و سبعون و قیل هو ما بین الأبراج و التجویف. أربعة آلاف و المتصرف علیه مائة ألف دینار و کتب علی الباب الغربی إنه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 99
من سلیمان و إنه بسم اللّه الرحمن الرحیم و قد حصل و للّه المنة. بهذا السور لأهل المدینة المنورة. کمال میسرة الأمان. علی اختلاف حال الزمان.
یا من لهم فی مهجتی و الحشامنازل تزهو ببنیان
قلبی لکم سور بدیع البناکأنه السور السلیمانی
و من محاسن المدینة: بل من رحمة اللّه تعالی و عنایته بها [کونها] فی ولایة صاحب الوقت و الزمان- و مصاحب العزة و الأمان الهمام الذی إذا نسب إلی النفوس کان العاشر من [البشر أو إلی] العقول فهو الحادی عشر.
شمس سماء الخلافة. و قمرها فی اللیل البهیم. ظل اللّه تعالی فی أرضه. القائم بإحیاء سنته و فرضه. و دینه القویم محجة اللّه الواضحة. و دلالته الناصحة للخالق علی التعمیم. أمین اللّه تعالی علی خلقه. و خلیفته القائم بحقه بتقدیر العزیز العلیم. الجامع بین شجاعة اللیث. و سماحة الغیث. و الخلق العظیم. خادم الحرمین الشریفین. سلطان الروم و الیمن و العراقین. واسطة عقد آل عثمان السلطان بن السلطان الملک المظفر المنصور المعان المؤید بالتوفیق و السداد. مولانا السلطان مراد خلد اللّه تعالی ملکه علی تعاقب الآباد. و جعل الممالک فی ملکه. و ملک عقبه إلی یوم التناد. و لا برحت أیام اقباله مسفرة و وجوه الأنام بتحقیق المرام فی أیامه مستبشرة. و اللّه تعالی یجعل صدقاته الشریفة تشفی من داء الحرمان بکل فائدة. و صلاته المنیفة لکل من ضعف عن الوصول إلی استحقاقه عائدة. ما دامت الأیدی بالدعاء له مرفوعة. و قلوب أهل الإیمان علی محبته مجموعة.
أجدد عهدی بالدعاء لدولةقدیما أمرتنی و دام له حمدی
و أحمد عودی بعد بدئی مثنیّاعلی فضلها فیما أسر و ما أبدی
و من محاسنها بل من محاسن الدهر: تعلق أمورها و أحکامها بصاحب القبلة المرضیة. حامی حمی بلد اللّه الأمین. و بلد جده سید المرسلین. السید الشریف. السند المنیف. ناصر الشریعة القویمة سالک المسالک المستقیمة [نور حدقة النبوة و الرسالة] . نور حدیقة الفتوة و البسالة المختص من اللّه تعالی بجزیل العواطف و جمیل المنن مولانا السید زید بن محسن بن حسین بن حسن زاد اللّه فی شأنه عزة و مکانة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 100
[و جعل فوق مکان] أعدائه مکانه و لا برحت ألویة مجده بریاح السعادة خافقة. و ألسنة الأقلام علی مدی الأیام بمدائحه ناطقة. فلقد طابت بشمائله الشابقة و نوافله الفایقة.
طیبة الطیبة. و ما حولها من البقاع. و شفی بالأمن من هو بها من الرعایا و سائر الأتباع و أصبح أهلها بحمد اللّه تعالی یرفلون بوجوده وجوده فی حلل الوفا و حلل الصفا.
و یتنقلون من مکارمه بعد التتمیم و التکمیل إلی الاکتفاء.
لوائح و فواتح و لما کانت محبة آل البیت النبوی من أسنی المطالب لا سیما و قد قال اللّه تعالی فی کتابه المحکم قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی [الشوری: 23] و إذا الأنام توسلت بوسیلة. فوسیلتی حبی لآل محمد. حتی قال أهل التحقیق: أن خواص العلماء یجدون فی قلوبهم مزیة تامة لمحبته صلّی اللّه تعالی و سلم علیه ثم محبة [ذریته] لعلمهم باصطفاء نطفهم الکریمة و تطهیرهم بمحض فضل اللّه تعالی من الأوصاف الذمیمة و ینظرون إلیهم الیوم. نظرهم إلی آبائهم. بالأمس [و لو رأوهم] و یغضون علی انتقادهم. و یزیدون فی ودادهم. و یکلون أمرهم إلی بارئهم.
کما قال:
[لأحمد أهواکم و أرعی ودادکم‌و حق لآل المصطفی عندی الود]
فما کان منکم من جمیل فإنکم‌متابعة و الفرع عن أصله یبدو
و ما خالف المعروف فی ظاهر فقدتولاه رب یرحم العبد إذ یغدو
لاق وراق التنبیه علی ذلک، فإن الذکری تنفع المؤمنین.
قال مولانا السید شیخ باعلوی فی دیباجة کتابه العقد النبوی: الحمد للّه الذی اختص أهل البیت المطهرین من الأرجاس و الأدناس المتمیزین علی من سواهم من الناس. بکل فضل و کرم و باس بخصائص تنقطع دونها أعناق مطامع أهل الالتباس.
و مزایا لا یشق لها غبار و لا یحلق لها آثار. عند توجهها إلی الغایات [و استیاقها] فی جلبة الکمالات حتی وقف من سواهم عن التطاول إلی شی‌ء من معالیهم و قامت القواطع بأنهم الواصلون إلی غایة الآمال حتی موالیهم فمن ذلک ما أشار إلیه مشرفهم صلّی اللّه تعالی علیه و سلم بقربهم مع القرآن فی وجوب التمسک بهما و انهما لا یفترقان و کتوقف صحة الصلاة علی الصلاة علیهم. عند جمع من العلماء الأعیان و کونهم کسفینة نوح علیه السلام من رکبها نجا. و من تخلف عنها هلک. فالحذر [الحذر] أن تکون ممن
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 101
فی هذه الداهیة الدهیا قد [ارتبک] و کقوله تعالی إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً [الأحزاب: 33] الدالة علی شرف لا تبلغ غایته الأفهام و کقوله صلّی اللّه علیه و سلم: کل سبب و نسب و حسب ینقطع یوم القیامة إلا سببی و نسبی و حسبی .
و کقوله «إن لکل نبی أب عصبة ینتمون إلیها إلا ولد فاطمة فأنا ولیهم و عصبتهم و هی عترتی خلقوا من طینتی ویل للمکذبین بفضلهم. من أحبهم أحبه اللّه، و من بغضهم بغضه اللّه» .
و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له. شهادة أنتظم بها فی سلک محبتهم.
و أحشر بها معهم فی زمرتهم. لا من أحب قوما فهو معهم و ان لم یعمل بعملهم کما قاله الصادق مشیرّا إلی تعاظمهم و تعالیهم و أشهد أن سیدنا محمدا عبده و رسوله و حبیبه و صفیه و خلیله. الذی فضله اللّه علی سائر مخلوقاته صلّی اللّه و سلم علیه- و علی آله الذین حباهم بقربه الأعظم- و نسبه الأشرف الأکرم- و أتحفهم بما من تجبر جهته لا بعلم. و هو ما فیهم من البضعة الکریمة- و الدرة الجوهرة الیتیمة و علی أصحابه الذین نقلوا إلینا سنته. و علی التابعین و تابعیهم من یذکرهم ینزل اللّه تعالی رحمته. إلی أن قال: و لا یظهر حکم هذا الشرف لأهل البیت إلا فی الدار الآخرة فإنهم یحشرون مطهرین. مغفورا لهم.
و أنشد للقیراطی:
شرف اللّه طیبة بنبی‌منه طابت عناصر الشرفاء
حاز فضلا آباؤه و بنوه‌فهو فخر الآباء و الأبناء
ثم قال: و للوسائل حکم المقاصد. و من هنا قالوا: الوسائل فی المعنی هی الوسائط للوصول إلی المطالب و هی الشفاعة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 102
کما قال:
علی اللّه فی کل الأمور توکلی‌و بالخمس أصحاب العبا توسلی
محمد المبعوث و ابنیه بعده‌و فاطمة الزهراء و المرتضی علی
و قال العلامة ابن حجر: من خطبة عقد نکاح: ابنته علی الإمام عبد اللّه بن عبد المعطی الطبری. بعد ذکر الأئمة الطبریة. و کیف لا و هم من خلاصة الجرثومة الهاشمیة. و عصابة التنزلات المصطفویة و العشرة الطاهرة من کل دنس تطهیرّا أی تطهیر.
و المفروض محبتهم و مودتهم علی کل جلیل و حقیر.
یا آل بیت رسول اللّه حبکم‌فرض من اللّه فی القرآن أنزله
یکفیکم من عظیم الفخر أنکم‌من لم یصل علیکم لا صلاة له
و المقرونین بالقرآن الکریم فی أمن العالم بهما ما داما باقیین من کل خطب جسیم و مدلهم بهیم و المخصوصین لما فیهم من البضعة الکریمة و الدرة الیتیمة التی لا یوازی شرفها شرف و لا یلحق رفیع شأوهما سلف و لا خلف بأنهم الأعزة فی کل زمن و المقروع لهم عند ترادف الفتن و تکاثف المحن.
[و ما ألطف ما قال] :
بیض الوجوه کریمة أحسابهم‌شم الأنوف من الطراز الأول
حقق اللّه تعالی لنا بآل نبیه وصلة المحبة التی طبعنا علیها و أعرضنا عن کل فخامة تقطع عنها نظرّا إلیها إذ لا فخامة إلا منهم و لا زعامة إلا عنهم و من ثم قال عمر للحسن رضی اللّه تعالی عنهما اعتذارا إلیه و اعترافا بالحق الواجب علیه و اللّه ما أنبت الشعر علی رؤوسنا بعد اللّه إلا أنتم و قال للحسین و قد قال له و هو صغیر انزل عن منبر أبی و اللّه إنه لمنبر أبیک و ما أنبت الشعر علی رؤوسنا إلا أبوک فرضی اللّه تعالی عنه إذ أقر المجد فی نصابه ورده إلی إهابه و جعلنا ممن أعطی کل ذی حق ما تستحقه مرتبته و تستدعیه منقبته إلی أن قال صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و علی آله المطهرین به [من] من کل دنس و عیب الآمنین بباهر جاهه من کل ریب الوارد فیهم ان فاطمة أحصنت فرجها فحرمها اللّه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 103
و ذریتها علی النار لکن لا ینبغی للشریف أن یقع منه بذلک اغترار فقد قال محمد الجواد و أبوه علی الرضی وجد جده زین العابدین و هؤلاء من أکابر أهل البیت الطاهرین المطهرین إن ذلک الحدیث خاص بأولاد فاطمة رضی اللّه تعالی عنها من غیر واسطة و کأنهم نظروا لما فی حدیث آخر مع عدم النظر لتلک الرابطة و هو «یا فاطمة بنت محمد و یا صفیة بنت عبد المطلب و یا عباس عم رسول اللّه صلّی اللّه و سلم علیه یا بنی هاشم یا بنی عبد المطلب اشتروا أنفسکم من اللّه، قوا أنفسکم من [النار] لا أغنی عنکم من اللّه شیئا» [و فیه ما فیه] إذ فاطمة رضی اللّه تعالی عنها مذکورة فی الحدیثین فتعین أن الأول فیه النظر لمظهر الفضل و الجمال و الثانی فیه النظر لمظهر العدل و الجلال و قال [فی الفتاوی] المتفرقة و لا یغض عن ذات الشریف بل عن الوصف المذموم مع اعتقاد تطهیره و لا یقع فی حقه فقد قیل مثل الشریف إذا أقیم علیه الحد الشرعی مثل ابن أمیر تلوثت قدماه بقذر فغسله عن أجل خدم أبیه و ما علی من رأی سمّا أن یطرحه و لا یتحساه و قال الشیخ الأکبر فی الباب التاسع و العشرین من الفتوحات ما معناه. و تری ما یقع من بعضهم من المظالم کأخذ المال و القتل و نحو ذلک من الأمور السماویة کالموت و الغرق و لا تقع فی حق أحد منهم تنبیه کثیرا ما تسول للإنسان نفسه محبة أهل البیت النبوی فیعتقد صدق الدعوی و من ناقش نفسه فی ذلک تجلت شموسه و انجلت عروسه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 104
و إذا طلع الصباح فلا حاجة إلی المصباح قال بعضهم إذا رأیت المبتلی من أهل البیت و رأیت فی نفسک الرحمة له و الرأفة به و عزمت علی مساعدته علی الزمان من غیر استنکاف أحواله الغیر المحتملة فذلک دلیل المحبة و أما مراعاة الشریف إذا کانت له حاجة تقضیها و ملاحة ترتضیها فالحکم یومئذ بدور العلة.
و کل یری طرق الضلالة و الهدی‌و لکن طبع النفس للنفس قائدا
و من محاسن المدینة تعدد [الحکام] بها و فیه لطف إلهی بالرعیة و ذلک لأنه إذا حدث بها أمر لا یقوم له ساق إلا باتفاق آرائهم و فیه سر الإجماع البعید من الخطا فی طریق الاجتهاد.
و ما أوقع ما [قال] «تخالفت الأهواء و الحق واحد» «و کل إلی رأی من القول راجع و هذا اختلاف جر للناس راحة» کما اختلفت فی الراحتین الأصابع و من محاسنها بل من محاسن الدهر التفرقة السلطانیة و هی الحنطة الواصلة من أوقاف مصر المحروسة فإنها تجمع فی الوکالة السلطانیة و تجتمع لها الکتبة مع القاضی و شیخ الحرم النبوی و تفرق علی أکثر أهل المدینة و المجاورین و غیرهم بمقتضی [الدفاتر] و کانت تفرق قبل هذه السنین علی رأس کل شهر لکل شخص حصة و مقدارها ثلاثة أمداد مدنیة و هی مقدار القوت الکافی للإنسان فی الشهر ثم آل الأمر إلی أن صار یکتب للرجل الواحد المنفرد نحو الستین حصة بالوجاهة و غیرها و من ولد له من ضعفاء المدینة لا سبیل إلی کتابة اسمه و لا إلی اثبات رسمه و بموجب هذه الحرکة تغیرت هاتیک البرکة، و کان یقال:
فلا تطلبن من عند یوم و لیلةخلاف الذی مرت به السنوات
و ها نحن نطلب ما مرت به تلک السنون، فتجده منظومّا فی سلک ما لا یکون و کانت جملة الأسماء أولا تناهز ستة آلاف فتجاوزت و إن خلا أکثرها عن المسمیات عشرین ألفّا، و اللّه یضاعف لمن یشاء و ساعد [ذلک] عدم الوصول الحبوب من مصر المحروسة بحیث کانت التفرقة فی جمیع سنة سبع و أربعین و ألف نصف حصة و انقطع الخیر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 105
و لله در القائل:
نحن قسمنا الرزق بین الوری‌فأدب النفس و لا تعترض
و سلم الأمر لأحکامنافکل عبد رزقه قد فرض
و من محاسن المدینة:
منهل السوق، و هو المقابل للمدرسة الزمنیة فی الرحبة التی عند باب السلام فإنه یستقی منه أکثر أهل المدینة السنیة و الذی ساقها إلی ذلک الموضع الحسین بن أبی الهیجاء فی حدود الستین و خمسمائة و جعل لها درجّا متسعّا و قیل أسامة من أمر الشام و لعله جددها و تعرف بالعین الزرقا لأن مروان الأزرق بن الحکم هو الذی أجراها و هو و ال علی المدینة المنورة، و أصلها من غربی قباء من ثلاثة آبار بئر النبی صلّی اللّه تعالی و سلم علیه و بئر الرباط و التی فی بئر عدن و هی تجری إلی المصلی و علیها فیه قبة یخرج منها الماء فی وجهین شرقی و شمالی، و علی ذکر الزرقا قال فی الوفا و تسمیه به لأن مروان الذی أجراها کان أزرق العین و کان القیاس أن یقال عین الأزرق، و قال القیراطی شعر:
ما لعین سودا منی نصت‌بعد حبی لعینها الزرقا
أی زرقا بان لی من سقاهاما اختفی نوره عن الزرقا
فما أحلی ما قال:
مدینة خیر الخلق تحلو لناظری‌فلا تعذرونی إن فتنت بها عشقا
یقولون من زرق العیون شامةو عندی أن الیمن فی عینها الزرقا
و المناهل الیوم بالمدینة المنورة منهلان بالمصلی و منهلان بالذکی و منهلان بالقلعة و منهلان بالساحة و منهل بالحارة و منهل بالثنیة و المنهل المذکور و کلها تعرف بالعیون و کلها من عین الأزرق و العین التی أجراها محمد باشا و قد أحسن عمارتها آل عثمان و جعلوا لها خدامّا و جعلوا لهم أرزاقا علی ذلک فهی فی الحقیقة من حسنات آل عثمان خلد اللّه تعالی دولتهم إذ لولاهم لاندرست آثارها. فائدة قال الواقدی کان بالمدینة علی زمن معاویة صوافی کثیرة و کان یجد بالمدینة المنورة و أعراضها آیه و خمسون ألف و سق و یحصد مائة ألف و سق من الحنطة کذا فی الخلاصة و من محاسن ما اشتمل علیه السنور حمام الوزیر محمد باشا فإن فیها نفعا عاما و رحمة من اللّه تعالی و أنعامّا و هی حسنة الوضع و البناء المحکم مشیدة الأروقة القائمة علی النمط الأقوم.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 106 قد حسنت من جمیع نواحیهاو لا قا إن یلاق فیها
یا حسن حماننا و بهجتهامرای من السحر کله حسن
ماء و نار حواهما کنف‌کالقلب فیه السرور و الحزن
أو [کما قال]:
إن حمامنا التی نحن فیهاأی ماء لها و أیة نار
قد نزلنا بها علی ابن معین‌و روینا عنه صحیح البخاری
أنشد لنفسه بن رشیق:
و لم أدخل الحمام بعد فراقهم‌لأجل نعیم قد رضیت بیوس
و لکن لتجری [عبرتی] مطمئنةفأبکی و لا یدری بذاک جلیس
و أنشد فی تعجیل الخروج:
خذ من الحمام و اخرج‌قبل أن یأخذ منکا
حدثن عنه و إلاحدث الحمام عنکا
یروی عن الإمام جعفر الصادق، رضی اللّه تعالی عنه أنه قال، إذا دخلت الحمام فقل عند نزع الثیاب اللهم انزع عنی ربقة النفاق و ثبتنی علی الإیمان إذا دخلت البیت الأول فقل اللهم إنی أعوذ بک من شر نفسی و أذاه اللّهم اذهب عنی الرجس و طهر جسدی و قلبی ثم ضع من الماء الحار علی هامتک و رجلیک و خذ منه جرعة إن أمکنک [فإنه] ینقی المثانة و لا یشرب فیه الماء البارد و لا الفقاع فإنه [] [المعدة و لا تغسل بالماء البارد] و لکن صبه علی قدمیک و إذا جرحت فإنه یذهب الشقیقة و لا تدخلها علی الریق و لا تسلق فیها فإنه یذیب شحم الکلا و تعمم عند خروجک شتاء و صیفا و عنه رضی اللّه عنه یوم الحمام یوم الأربعاء و عن علی کرم اللّه وجهه یوم الحمام یوم الخمیس و یوم الجمعة یوم الطیب. لطیفة. خرج الحسن بن علی رضی اللّه [تعالی] عنهما من الحمام فقال له رجل، طاب استحمامک، فقال له یا لکع و ما تصنع بالاست هاهنا قال فطاب حمامک قال إذا طاب الحمام فما راحة البدن قال فطاب حمیمک قال و یحک أما علمت أن الحمیم العرق قال فکیف أقول، قال قل طاب ما طهر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 107
منک، و طهر ما طاب منک و عن الصادق إذا قیل لک طاب حمامک فقل أنعم اللّه بالک کذا فی مکارم الأخلاق.
و من محاسن المدینة أنه لا یتمرد فیها أحد و یتجاوز الحد إلا عجل اللّه الانتقام منه و أخذ من حیث یشعر و من حیث لا یشعر و کان یقال إن من أسماء المدینة، الفضاحة و ذلک منه لا یکون بها شی‌ء إلا و تحدث به الألسنة و کان یقال ما أضمرته اللیالی أظهرته الأیام و ما [أسترته] السریرة [أبدته] [الأسرة] للآنام و کیف یفوت هذا الناس شی‌ء و ما فی القلب یبدیه العیون و کان یقال:
اصنع جمیلا ما استطعت فإنه‌لا بد أن یتحدث السمار
تنبیه:
قال بعضهم: ینبغی لکل عاقل أن لا یقع فی حق أخیه المؤمن، و لو وقف له علی فاحشة إلا بحق الشرع و لا یعیره بها فإنه لا یدری ما یفعل به و قد قال اللّه تعالی إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19] و قال علیه السلام من عیر مؤمنّا بفاحشة کان علی اللّه أن یوقعه فی مثلها أو کما قال:
هی المقادیر فلمنی أو فذرإن کنت اخطأت فما اخطأ القدر
قال الإمام [الغزالی] فی فضل بیان علاج الغضب من کتاب الاحیاء روی أبا ذر قال لرجل فی خصومة بینهما یا ابن الحمرا فبلغ ذلک رسول اللّه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فقال یا أبا ذر بلغنی أنک الیوم عیرت رجلا بأمه فقال نعم قال فانطلق
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 108
فارضی صاحبک فانطلق أبو ذر لیرضی صاحبه فسبقه الرجل فسلم علیه فذکر ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه تعالی و سلم علیه فقال یا أبا ذر ارفع رأسک فانظر ثم اعلم بأنک لست بأفضل من أحمر و لا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن کنت قائما فاقعد و إن کنت قاعدّا فاتکئ و إن کنت متکئّا فاضطجع .
و عنه علیه السلام العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم و من یتحری الخیر یعطه و من یتوق الشر یوقه. إذا تلتمس للناس عیبّا تجد لهم عیوبّا و لکن الذی فیک أکثر یحکی عن بعض السلف، أنه [رای] بمکة ما لا یرتضی من سنائها، فأنکره، و اضطرب فیه فکره فلما کان اللیل، رای قائلا (ینشد هذه الأبیات):
إذا نحن شیئّا لا یدبر ملکناسوانا و لم نحتج مشیرا مدبرا
فقل للذی قد رام ما لا نریده‌و أتعبت نفسا بالذی یتعذر
لعمرک ما التصریف إلا لواحدو لو شاء لم یظهر بمکة منکر
و فی کتاب المقاصد الحسنة، للحافظ السخاوی «بسفهاء مکة حشو الجنة» حدیث تنازع فیه عالمان فی الحرم فأصبح الطاعن فیه و قد اعوج أنفه .
و رأی قائلا یقول له سفهاء مکة من أهل الجنة ثلاثّا فاعترف بالکلام فیما لا یعنیه و یقال: إنه ابن أبی الصیف الیمنی و أنه کان یقول إن ثبت فإنما هو إسفاء مکة. تصحف علی الراوی و معناه المحزون علی [تقصیرهم] انتهی بمعناه و الکلام فی مثل ذلک کثیر و فی الجامع الصغیر المدینة خیر من مکة و فی المواهب بسنده المدینة أفضل من مکة و عن مالک رحمه اللّه تعالی ما علی وجه الأرض قوم خیر من أهل المدینة، و إذا کانت المدینة الشریفة بهذا المکان من الفضیلة و الشرف فلا غرو [أن] یطیب بها من حلها فمن أهلته الحضرة الشریفة للحلول بها و التشرف بتربها فکیف بأشرافها و أبناءها الذین هم غراسها و لله در القائل.
کفی شرفّا أنی مضاف إلیکم‌و إنی بکم أدعی و أرعی و أعرف
إذا بملوک الأرض قوم تشرفواعلی نسبه منکم من الطیب أعرف
و قال آخر:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 109 إذا لم تطب فی طیبة عند طیب‌به طیبة طابت فأین أتطیب
و إذا لم یجب منها ربنا الدعاءففی أی حی للدعاء یجیب
من محاسن المدینة:
أنها عون بغریبها، حتی علی أهلها و فیه سر لا یثار و أنه لا یرد إلیها أحد من الآفاق و یتأملها إلا و یختارها حتی علی وطنه بل و ینشد بلسان الحال فی هذا المجال:
رأیت بها ما یملأ العین قرةو یسلی عن الأوطان کل غریب
رأیت مکتوبّا علی اسطوانة فی المسجد الأقصی سنة اثنین و أربعین و ألف.
إذا کنت فی القدس الشریف تشوقت‌إلی مکة نفسی بحج و عمرة
و لو کنت فیها قالت النفس طیبةأعیش بها فی کل روح النبوة
و لو کنت فیها زاد للأهل شوقهافمن لی بأهلی و البلاد الشریفة
و قال آخر:
تطالبنی نفسی مقامّا بطیبةفأذکر معفی أهلها فاقصره
حیاء من التقصیر فی حق بعضهم‌و إرضاء کل منهم متعذر
و یغلبنی شوقی إلیها فأنثنی‌أقدم رجلی تارة و أؤخر
أنشد لنفسه قاضی القضاة تاج الدین السبکی:
إذا کنت جار المصطفی و نزیله‌فیقبح بی شوقی لأهلی و أوطانی
أ أرحل عن دار به الخیر کله‌و فیها هوی القاصی و أمنیة الدانی
حلفت یمینّا إنها خیر منزل‌لأکرم نزال و أشرف جیران
و لست بناس أهل ودی و إنماإذا فزت بالباقی فمالی و الفانی
فیا رب بلغ من أحب وصولهالیزداد إیمانّا کما زاد إیمانی
و أنشد لنفسه ابن جابر الأندلسی:
هناؤکم یا أهل طیبة قد حفابالقرب من خیر الوری حزتم السبقا
فلا یتحرک ساکن منکم إلی‌سواها و إن جار الزمان و إن شقا
فکم ملک رام الوصول لمثل ماوصلتم فلم یقدر و لو ملک الخلفا
فبشراکم نلتم عنایة ربکم‌فها أنتم فی بحر نعمه غرقا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 110 ترون رسول اللّه فی کل ساعةو من یره فهو السعید به حقا
متی جئتم لا یغلق الباب دونکم‌و باب ذوی الإحسان لا یقبل الغلقا
فیسمع شکواکم و یکشف ضرکم‌و لا یمنع الإحسان حرّا و لا رقا
[بطیبة مثواکم و أکرم مرسل‌یلاحظکم فالدهر یجری لکم وفقا]
و کم نعمة لله فیها علیکم‌فشکرا و فضل اللّه بالشکر یستبقا
أمنتم من الدجال فیها فحولکم‌ملائکة یحمون من دونها الطرقا
و کذاک من الطاعون أنتم بمأمن‌فوجه اللیالی لا یزال لکم طلقا
فلا تنظروا إلا لوجه حبیبکم‌و إن جاءت الدنیا و مرت فلا فرقا
حیاة و موتّا تحت رحماه أنتم‌و حشرّا فستر الجاه فوقکم ملقا
فیا راحلا عنها لدنیا یریدهاأتطلب ما یفنی و تترک ما یبقی
و تخرج عن حوز النبی و حرزه‌إلی غیره تسفیه مثلک قد حقا
لئن سرت تبغی من کریم إعانةفأکرم من خیر البریة ما تلقا
هو الرزق مقسوم و لیس بزائدو لو سرت حتی کدت أن تخرق الأفقا
فکم قاعد قد وسع اللّه رزقه‌و مرتحل قد ضاق بین الوری رزقا
فعش فی حمی خیر الأنام و مت به‌إذا کنت فی الدارین تطلب أن ترقا
لقد أسعد الرحمن جار محمدو من جار فی ترحاله فهو الأشقا
قصیدة غزلیة نبویة:
سقی منازل علوی کل غیداق‌من السحاب ملت الودق دفاق
و زارها کل یوم لا یبارحه‌من النسیم سحیرّا کل خفاق
فکم وصلت بها الغید الحسان و قدحسن الرحی وصل مشتاق لمشتاق
غیدا یشابهن غزلان الصریم إذاخطرت یومّا بإلحاظ و إحداق
من کل سحارة الالحاظ فاتنة الألفاظ ممشوقة کالغصن معناق
و رب کحلاء تعمی کلما رشقت‌قلبی بسهم من الإلحاظ رشاق
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 111 هیفاء نطق منها الحلی إن خطرت‌یومّا یصمت منها الحجل فی الساق
قد شغفنی سقم من سقم مقلتهاو فی مجاجتها بریئ و تریاق
خود وهبت لها قلبی و ما سمحت‌منها بطیف لذی الظلماء طراق
و لم ترق لصب شفة سقم‌فی حبها موثق من غیر اطلاق
قد خانت العهد منی و هی عالمةأنی علی عهدها ما خنت میثاقی
و أعرضت مذ رأت شیبی و لاح لهاخفوق رأیه إقتاری و املاقی
و رب قائلة کم أنت ذو غصن‌ذاو بلا ثمر فیه و أوراق
فقلت خلی ملامی و اقصری عذلی‌فلست متهما فی الرزق خلاق
و من سقی الناس کأس البغی مسرعة فسوف یترعها المسقی للساق
إن القناعة ثوب من تجلیه لم یخش ما عاش من فقر و إملاق
و من ألم بطه و هو معتمدعلی نداه سما من فوق آفاق
ذاک الذی عجزت عن مدحه فکری‌و حبه لم یزل فی مهجتی باقی
علیه صلّی إله العرش ما طلعت‌شموس إقباله من أفق اشراق
و من نبویات الشیخ عبد الرحمن البرعی:
عاهدوا الربع ولوعا و غرامافوفوا للربع بالعهد ذماما
کلما مروا علی إطلاله‌سفحوا الدمع بذی سفح سجاما
نزلوا بالشعب من شرقیه‌مستظلین أراکا و بشاما
ینشر الطل علیهم لؤلؤایفخر اللؤلؤ حسنّا و انتظاما
إذا هبت صبا نجد لهم‌أفهمتهم عن ربا نجد کلاما
یا رفیقی بنواحی رامةغنینی بالابرق لفردق راما
و الإیثلات المظلة بهاأیها الإیل سقین الغماما
کم بدور فی حدور المنحنی‌یستعیر البدر منهن التماما
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 112 حبهم حل سوید مهجتی‌و فادی بعد ما فت العظاما
أیها اللائم أذنی لا تعی‌زخرف القول فدع عنک الملاما
أولع الحب بلحمی و دمی‌فعلام اللوم فی الحب علاما
و الفتی العذری لا ینفک عن‌عهد الحب و لو ذاق الحماما
لیت شعری هل أری شعبهم‌بعد بعدی و تری عینی الخیاما
ما علیکم سادتی من حرج‌لو تدرون لبالینا القداما
إن تناءت دارنا عن دارکم‌فاذکروا العهد و زورونا مناما
هیجتنی نسمة نجدیةترکت قلبی عمیدّا مستهاما
کلما ناحت حمامات الحمی‌فی أراک الشعب ناوحت الحماما
و أحبابی الأولی عاهدتهم‌علقوا عقلی بمن أهوی هیاما
عرضوا السکر علینا مرةفانتهی الکأس و ما فضوا الختاما
تملت أرواحنا من ذکرهم‌لم نر الراح و لا ذقنا المداما
یا ندامی فؤادی عندکم‌ما فعلتم بفؤادی یا نداما
همت فاستعذبت تعذیبی بعدکم‌فاجرحوا قلبی و لا تخشوا آثاما
أنتم من دمی المسفوح فی‌أوسع الحل فلو کان حراما
فاصرموا حبلی و إن شئتم صلواما ألذ الحب وصلا و انصراما
أنا راض بالذی ترضونه‌لکم المنة عفوّا و انتقاما
کنت بالشعب و کنتم جیرتی‌لو صفا لی ذلک العیش و داما
قسمّا بالبیت و الرکن الذی‌طاب تقبیلا و مسحّا و استلاما
إن فی طیبة قوم جارهم‌فی محل النجم یعلو أن یساما
روضة الجنة فی أوطانهم‌و تری آثارهم یبرئ الجذاما
کل من لم یر فرضّا حبهم‌فهو فی النار و إن صلی و صاما
هم نجوم أشرقت الکون بهم‌بعد ما کانت نواحیه ظلاما
فتحوا الأرض بعلیا بأسهم‌و استباحوا یمنا منها و شاما
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 113 فیهم الشمس الذی أنواره‌لم یطق من بعده الحق انکتاما
الأعز المنتقی من هاشم‌طیب العنصر یسمو أن یساما
المدانی قاب قوسین الذی‌کان للأملاک و الرسل إماما
ارتضاه اللّه نورّا للهدی‌و انتقاه لدم الأعداء حساما
خصه منه بدین قسیم‌نسخ الأدیان ندبا و التزاما
و کتاب أحکمت آیاته‌عصمه اللّه لمن رام اعتصاما
[یهتدی کل من استهدی به] سبل الرشد و یعمی من تعاما
فرض العمرة [و الجج لنا] و صلاة و زکاة و صیاما
یا رسول اللّه یا ذا الفضل یارحمة عم بها اللّه الأناما
یا أبا القاسم یا أحمد یابهجة المحشر جاها و مقاما
یا وجیه الوجه فی الدارین یاشافع الخلق إذا البداوا خصاما
جد علی عبد الرحیم المتلجئ‌لحمی عزک یا غوث الیتامی
و أقلنی من عترتی یا سیدی‌و اکتساب الذنب من خمسین عاما
و رفاقی الکل قم بی و بهم‌فی الملمات إذا احتجنا القیاما
نحن فی روض ثناکم نجتنی‌ثمرات المدح نثرّا و نظاما
لو سما المجد لأقصی غایته‌کنت للمجد سناء و سناما
یدک العلیا علی کل یدزادک اللّه علوّا و احتراما
و کسی روحک منه رحمةو صلاة ترتضیها و سلاما
تقتضی حقک منی دائماو تعم الآل و الصحب الکراما
لطیفة:
قال القاضی أبو المحاسن یوسف نجم الدین الزرندی الأنصاری الحاکم بالمدینة الشریفة و الناظر فی أمر الحسبة خادم السنة و الحدیث و ذلک فی سنة ثمان و أربعین و سبعمائة: من طریق المحاضرة و طریق المذاکرة إن الحرمین الشریفین اجتمعا فی میدان الفخر و من دونهما حجازه و لیس معهما لغیرهما فی هذا المقام علی الحقیقة مجاز فتسنم حرم المدینة شرفّا من الشرف عال ثم قال الحمد للّه الذی فضلنی علی سائر البلاد و جمع لی بین ظریف الفضل و التلاد و شرفنی بحلول خیر العباد و أشرف کل حاضر و باد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 114
و ألبسنی مفاخر الفاخرة و أعلی مقامی فی الدنیا و الآخرة و جعل تربتی شفاء من السقام و غباری دواء من الجذام فلی الشرف علی کل اقلیم، و الفضل فی الحدیث و القدیم و بإسمی ینوه علی کل خطیب و عرف تربی أطیب من کل طیب فالمقام بی فی المکاره جنة و فی روضة من ریاض الجنة و حسبی فخرّا بالمنبر الذی علت مراقیه و حاز جمیع الشرف براقیه فإلی مسجده تشد الرحال من کل قریة و خلاه و الصلاة فیه کما قد علم بألف صلاة فلی السناء الباذخ و الشرف الذی هو بأرض المسجد راسخ فلا غرو إن سبقت فی هذا المضمار فلحق الخیل بالرکض المغار و اقسم من غاباتی بالأسود و من لاباتی بالحرار السود و من أزهار ریاضی برش البرود و من أغصان نخیلی و أشجاری بکل أملود، و من رماح بساتینی بالعالیة و من سواقی جنانی بکل ساقیة جاریة و جاریة ساقیة لکمالی فوق کل کمال و جمالی أبهی من کل جمال و حسبی من الشرف الذی لا یجد بالطول و العرض إن ما ضم أعضاءه الشریفة بالإجماع أفضل الأرض و الفرق ما بین الدرهم و الدینار فی الصرف کالناس ألف منهم بواحد و واحد کألف.
سقی اللّه یثرب من بلدةو طاف بها مستفیض السحاب
بلاد تسامت بمن حلهاو طابت و فیها الدعاء یستجاب
و قال آخر:
رعن اللّه طیبة من بلدةو ساق السحاب لأعتابها
فقد جمعت کل فضل جزیل و لا یدخل الفضل بابها
و قال:
إذا اهتزت مناکب ذی افتخاربقرب ملیکه و علو داره
فإنی لا أزال أهز عطفی‌بجیرة أحمد حامی جواره
و بالجملة فإن المدینة المنورة و إن کانت کثیرة اللآواء فإن تحت ذلک فوائد یطول شرحها و متاجر یتضاعف ربحها و کیف لا یحتمل المشتقات من أحب أن یتمتع بسید أهل الأرض و السموات و ینال ما وعد من جزیل المثوبات و جلیل الهبات و انجاز وعده الصادق له بشفاعته و شهادته و بلوغ قصده فی المحیا و الممات و کم عسی تکون شدة المدینة و لأواها و إلی متی تستمر مشقتها و بلواها لو تأملت یا هذا لوجدت فی البلاد ما هو فی الشدة و شظف العیش مثلها بل أشق و أهلها لا یختارون علیها و هم علی ذلک الحال بل و ینشدون فی ذلک قول من قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 115 بلاد ألفناها علی کل حالةو قد یؤلف الذی لیس بالحسن
و تستحسن الأرض التی لا هواهاو لا ماؤها عذب و لکنها وطن
و رب امرئ ألقی هواه علی أمرفلم یر منه غیر ما یورث الحزن
و ربما یوجد فیهم القادر علی الانتقال فلا ینتقل و القوی علی الرحلة فلا یرتحل بل یؤثر وطنه مع إمکان الارتحال و القدرة علی التحول و الانتقال.
فیا وطنی إن فاتنی بک سابق‌من الدهر فلینعم بساکنک البال
فإن أستطع فی الحشر إنک زائرو هیهات لی یوم القیامة إشغال
علی أن المدینة مع شظف العیش بها فی غالب الأحیان قد وسع اللّه تعالی فیها علی بعض السکان و کثیرّا من استوطنها حسن فیها حاله و تنعم بها باله و کان من قبل فی زوایا الخمول کثیر الفاقة قلیل المحصول فإن منّ اللّه تعالی علی المرء یمثل ذلک هنالک و هو عنوان السعادة و ترجمان الشهادة و إلا فمن وفقه اللّه تعالی صبره فیها و لو علی أحر من الجمر و أمر من القهر فیستجلی مرارة غصتها لیستجلی عروس منصتها و إن کان یلقی یسیر من لآوائها لیوقی کثیرا من مصائب الدنیا و بلوائها فإن غایة المضرة المسرة و المبرة و قد روی عنه علیه السلام أنه قال من قضی نهمته فی الدنیا حیل بینه و بین شهوته فی الآخرة . و قال ینادی منادی دعوا الدنیا لأهلها من أخذ من الدنیا أکثر مما یکفیه أخذ حتفه و هو لا یشعر ، و قال من أصبح و همه الدنیا فلیس من اللّه فی شی‌ء و من لم [یهتم] بأمر المسلمین فلیس منهم . و عنه علیه السلام اللهم من أحبنی فأقل ماله و أمت ولده و عن جعفر الصادق انا أهل البیت من أحبنا فلیتعد للبلاء جلبابا و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 116 إذا کان شی‌ء لا یساوی جمیعه‌جناح بعوض عند من أنت عبده
و اشغل جزء منه کلک و الذی‌یکون علی ذا الجلال قدرک عنده
فطوبی لمن حل بهذه العالم و الدیارو شملته أنوار هذه المعاهد و الآثار
و قضی فیها ما بقی من الأنفاس و الأعمار فیما بین المسجد المؤسس علی التقوی و الروضة التی هی من ریاض جنة المأوی:
و من یعش هکذا فقد جعلت‌وقفا علیه سوابغ النعم
و من فاته العین هدی شوقه الأثرو من لم یظفر بلذة المشاهدة لم یعدم
لذاذة الخبر أنشد لنفسه أبو عبد اللّه محمد الفیومی:
إنی إذا برحت دار المصطفی‌و ازداد شوقی نحوها و حنینی
طالعت فی تاریخها السامی لکی‌أمشی علی آثاره بعیونی
اللهم اجعل لنا بها قرارّا و رزقّا حسنّا و لا تحرمنا شفاعة ساکنها الذی شمل الکائنات نوافل و مننا و صلی و سلم علیه و علی إخوانه من الأنبیاء و المرسلین و التابعین لهم بإحسان إلی یوم الدین آمین.
أنشد الشیخ شرف الدین عمر بن الفارض:
تیقنت أن لا منزلا بعد طیبةیطیب و ان لا عزة بعد عزة
و ما اختص وقت دون وقت بطیبةبها کل أوقاتی مواسم لذتی
و لله در القائل:
ما ذکر الطیر للأوطان أوطاراإلا و شاهدت قلبی هام أوطارا
کلا و لا لمعت بالسفح بارقةإلا وسح سحاب الدمع مدرارا
و لا سرت نسمة من طیبة سحراإلا و أصبح نشر الکون معطارا
و لا تذکرت أیامی بروضتهاإلا و أجریت فی الخدین أنهارا
یا ساکنی طیبة من بعد بعدکم‌لم یألف القلب لا ربعّا و لا دارا
و لا رأت مقلتی من بعد طلعتکم‌بدور ثم و لا شمسّا و لا أقمارا
فکلما رمت بالأفکار رؤیتکم‌تصورت جارحات القلب أبصارا
و لست أعجب من غدر الزمان بناو الدهر ما زال بالإنسان غدارا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 117 لو أن ما بی من الأشواق نحوکم‌أضحی علی الفلک الدوار ما دارا
کم أرقب القرب و الرکبان أسألهالعل أسمع فی الأخبار اخبارا
یا سادتی إنی من بعد بعدکم‌أمسی و أصبح مشتاقّا و محتارا
و ما تغیر غیر الجسم من سقم‌و لا جری غیر دمع قد بکی الجارا
و قال آخر:
یا أهل طیبة لا زالت شمائلکم‌کالروض باکره سار من الدیم
أنفاسکم و النفوس الغر لا برحت‌کالزهر و الزهر فی لطف و فی کرم
ما أمکم زائر إلا و آب بمایربوا علی فکره من کل مغتتم
فأنتم الطاهرون الطیبون و من‌لا ریب فی مجدهم من سالف القدم
لا عیب فیکم سوی أن التنزیل بکم‌یسلو عن الأهل و الأوطان و الحشم
جمیلکم جل أن یخص و فضلکم‌فی الناس أشهر من نار علی علم
کفاکم بجوار المصطفی شرفّاو جار ذی الجاه أنی کان لم یضم
لو لاکم خیر اللّه الکرام لماکنتم له جیرة من سالف الأمم
و اللّه جل اسمه بالقرب خولکم‌و زادکم بسطة فی العلم و الهمم
لا زلتم و أمان اللّه یکلؤکم‌فما یحاذر فی حرز من اللمم
و کیف أخشی الرزایا إن تلم بکم‌و أنتم فی حمی المختار فی حرم
علیه صلی إله العرش ما سجعت‌ورق الحمائم بین الضال و السلم
و إله الطهر أرباب الکمال و من‌و آلاهم و جمیع الصحب کلهم
فائدة:
زعم بعضهم أن السر فی ضعف وجدان من فی المدینة المنورة و فتور شوقه المطلوب یضاعفه القرب الصوری کما هو شأنه. و إن قیل:
و ما أعظم ما یکون الشوق یومّاإذا دنت الخیام من الخیام
حتی أن من ذهب إلی أطراف المدینة، من بساتینها و حدائقها وجد من نفسه الوحشة و قلة الأمان و لا تطیب نفسه بغیبته أکثر من ثلاثة أیام و کذلک کره بعض العلماء کثرة الزیارة مخافة الوقوع فی السآمة و الملل فینبغی أن یغیب أحیانّا لیجدد عهود الأشواق و یرجع رجوع المحب المشتاق.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 118

باب فی ذکر المصلی و النقا و العقیق المؤذن بطیب اللقا

و رعی اللّه الأبرق و المصلی‌و بان الحی ما شجعت حمامه
فتلک الصب المعنی‌بها الأرواح صارت مستهامه
علی عرب بها منی سلام‌یکون المسک من قبلی ختامه
المصلی: فی الأصل اسم لموضع الصلاة ثم صارت بالغلبة علمّا علی مصلی العید ثم أطلق علی سبیل التوسع علی ما حوله، اطلاق اسم الجزء علی الکل و من محاسنه عمارة الأمیر علی و هو فی غربی المسجد المذکور، و للمصلی ذکر فی الشعر فمن ذلک:
ولی من فقد جیران المصلی‌و غرام لا یقر له قرار
فلو خیرت لم أختر سواهم‌و من لی أن یکون الجار
النقا: بالفتح و التخفیف مقصورّا، ما بین وادی بطحان و المنزلة التی بها السقیا له ذکر فی الأشعار العربیة و المولدة [فمن ذلک] :
ألا یا سائرّا فی قفر عمریکابد فی السری و عرّا و سهلا
بلغت نقا المشیب و جرت عنه‌و ما بعد النقا إلا المصلا
و قالت محاسن الشعراء:
هاتیک یا صاح ربا لسلع‌ناشدتک اللّه تعرج معی
و انزل بنا بین بیوت النقافقد غدت أهله المربع
حین نطیل الیوم وقفّا علی‌الساکن أو عطفا علی الموضع]
و قال الشاب الظریف:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 119 و لقد رأیت برامة بأن النقافمنعت طرفی منه أن یتمتعا
ما ذاک من ورع و لکن من رأی‌أشباه عطفک حق أن یتورعا
قال البهازیر:
ولی فیه قلب بالغرام مقیدله خبر یرویه طرفی مطلقا
و من فرط وجدی فی الماء و ثغره‌أعلل قلبی بالعذیب و بالنقا
و قال ابن الحلاوی:
یقولون یحکی البدر فی الحسن وجهه‌و بدر الدجی عن ذلک الحسن منحط
کما شبهوا غصن النقا بقوامه‌و ذلک تشبیه عن الحق مشتط
و قال آخر:
قرب الدیار یزید شوق الوآلةلا سیما إن لاح نور جماله
أو بشر الحادی بأن لاح النقاو بدت علی بعد رؤس جباله
فهناک علیک الصبر من ذی صبوةو بدی الذی یخفیه من أحواله
و أما بطحان فقال الشرف المناوی فی کتاب کشف المناهج هو بضم الباء الموحدة و سکون الطاء المهملة موضع بقرب المدینة کذا قاله النووی و غیره. الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص119
ضبطه ابن الأثیر بفتح الباء و قال أکثرهم بضمها و لعله الأصح انتهی و فی القاموس بطحان بالضم أو الصواب الفتح و کسر الطاء موضع بالمدینة.
سقیا لسلع و لساحته‌و العیش فی أکناف بطحان
أمسیت من شوقی إلی أهلهاأدفع أحزانا بأحزان
[و أول بطحان الماجشونیة و آخره السیح] و عند الحدیقة الماجشونیة و آخر السیح حضرة تعرف بتراب الشفاء و قد جربها العلماء و غیرهم للشفاء من الحمی شربا و غسلا لکن الشرب هو الوارد عند البخاری و غیره لما أصابت الحمی بنی الحارث قال لهم النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه «أین أنتم من صهیب قالوا ما نصنع به قال تأخذون
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 120
من ترابه فتجعلونه فی ماء ثم یتفل أحدکم و یقول بسم اللّه تراب أرضنا بریق بعضنا شفاء لمریضنا بإذن ربنا [ففعلوا ذلک] فترکتهم الحمی».
تنبیه: السیح بالفتح و سکون المثناة من تحت مصدر ساح یسیح اسم لما حول مساجد الفتح و أما السیح بالضم و النون الساکنة و قیل بضمتین أطم لبنی الحارث علی میل من المسجد و هو أدنی العالیة سمیت به الناحیة و به منزل الصدیق رضی اللّه تعالی عنه بزوجته الأنصاریة المنحنی بالضم ثم السکون و فتح الحاء و النون له ذکر فی الغزل بأماکن المدینة و هو عند أهلها الیوم یقرب المصلی فی القبلة شرقی بطحان و هو الآن منزل عرب الشام عند ذهابهم إلی الحج و أما بعد رجوعهم فمنزلهم شرقی وادی سلع و کان بالمنحنی منازل لأهل الخیر حتی قال فیه:
خدور علی الخط و المنحنابها یغفر اللّه عمن جنا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 121 فیا جیرة القبر من یثرب‌أجیر و محب إلیکم دنا
و قولوا قدمت علی أحمدشفیع العصاة و کنز الغنا
فبشراک ما ترتجی حاصل‌و یهنیک هذا مقام الهنا
و قیل:
یا جیرة نزلوا بوادی المنحناما للمتیم عن محبتکم غنا
و غیری إذا طال الزمان سلاکم‌و تغیرت أحواله إلا أنا
إن صح لی ذاک الوداد و دام لی‌برضاکم فتحت أبواب الهنا
و تلطف الذهبی حیث یقول:
تولی شباب کأن لم یکن‌و أقبل شیب علینا تولی
و من عاین المنحنا و النقافما بعد هذین إلا المصلی
[و قال آخر]:
کفی مودنا باقتراب الأجل‌شباب تولی و شیب قد نزل
و موت الأخلاء ما بعده‌بقاء یؤمله من عقل
إذا ارتحلت قرناء الفتی‌فلا شک فی أنه قد رحل
[الشیخ شرف الدین بن الفارض]:
سقیا لأیام مضت مع جیرةکانت لیالینا بهم أفراحا
و أما علی ذاک الزمان و طیبةأیام کنت فی الغرب قراحا
حیث الحمی وطنی و سکان النقاسکنی و وردی الماء فیه مباحا
و أهیله أربی و ظل نخیله‌طربی و رمله وادیه مراحا
ما رنحت ریح الصبا شیخ الرباإلا و أهدت منهم أرواحا
و قد اشتمل النقا علی حدائق ذات بهجة فمن أحسنها بئر ودی بن الأمیر جمال الحسین فإنها اشتملت علی الشجر المتفرع و الغرس المتنوع و العمارة الحسنة و الأوضاع المستحسنة و ماؤها أعذب ماء هنالک قال فی الوفا و لعلها بئر أبی عنبة التی عرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عسکره علیها فی جیش بدر ورد من استصغر و هی علی میل من
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 122
المدینة المنورة و من محاسن النقا زمزم فإنها حدیقة ذات نخیل و أشجار و عمارة تناجت فی ساحتها الأطیار قال فی الوفا بئر أهاب بصق فیها النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و هی بئر زمزم و لم یزل أهل المدینة قدیمّا و حدیثّا یتبرکون بها و ینقلون إلی الآفاق من مائها و فیه أنها بئر فاطمة بنت الحسین بن علی بن أبی طالب رضی اللّه تعالی عنهم احتفرتها لما أخرجت من بیت جدتها فاطمة الزهراء رضی اللّه تعالی عنها و هی الآن من أحسن الحدائق الخضرة ذوات الأشجار الأنیقة النضرة و ماؤها لیس بالعذب الخالص و ما أحسن ما قال:
أکرم بزمزم إذ غدا متفجرّابمعین ماء للمفاسد یصلح
حاوی الملاحة و العذوبة و الشفافلذلک یحلو للقلوب و یملح
و لأبی العلا سلیمان المغری فیما قال:
لک الحمد أمواه البلاد بأسرهاعذاب و خصت بالملوحة زمزم
و فی الخبر لا تقوم الساعة حتی تبلغ المساکن اهاب و فی روایة لا تقوم الساعة حتی یبلغ البناء شجرة ذی الحلیفة و هی علی ستة أمیال من المدینة و قال الأسدی خمسة أمیال و نصف میل و المیل ألف باع علی المشهور و هو ثلث الفرسخ و أنشدوا:
إن البرید من الفراسخ أربع‌و لفرسخ فثلاث أمیال ضعوا
و المیل ألف من الباعات قل‌و الباع أربع أذرع فتتبعوا
ثم الذراع من الأصابع أربع‌من بعدها عشرون ثم الاصبع
ست شعیرات فبطن شعیرةمنها إلی ظهرها لأخری توضع
ثم الشعیرة ست شعرات غدت‌من شعر بغل لیس فیه تضعضع
و قال عمر الوزیر محمد باشا بذی الحلیفة: البئر المنسوبة إلی علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه علی ید نقیب السادة الأشراف بالمدینة المنورة السید أحمد بن سعد الحسینی فی سنة تسعمائة و اثنین و ثمانین و جعل لها درجات بعرض حافتیها بحیث صارت المواشی تردها فتکرع منها و فی قبلی ذی الحلیفة وادی الحساء و هو واد فیه آبار و مزارع شتی و هو المذکور فی شعر أبی رواحة یخاطب ناقته.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 123 إذا أدنیتنی و حملت رحلی‌مسیرة أربع بعد الحساء
فشأنک فانعمی و خلاک ذم‌و لا أرجع إلی أهلی و رائی
و من محاسن النقا:
المغسلة بالغین المعجمة قال المجد هی بکسر السین المهملة و کمنزله جبانة بطرف المدینة یغسل فیها کذا ذکره أهل التاریخ [و من أوعظ ما قال] :
کذا عادة الدنیا فهل ناظرخطوب تفاجینا و موت [یصادره]
کفی عظة أن کلما جئت بلدةتلقتک من قبل البیوت المقابر
و قد صارت هذه الجبانة حدیقة کبیرة نضیرة و تعرف الیوم بالمغسلة بفتح السین علی خلاف القیاس و هی من قبلی النقا من غربی بطحان و من محاسن بطحان حدیقة أمیر جلیل و المسلحة و ما اشتمل علیه ذلک الجزع من البساتین الفائقة و المنارة الرائقة.
فائدة [شجر] البان [شجر] یقارب الاتل و منه نوع قصیر دون شجر الرمان یدخل فی الغوالی و الأطیاب کان ینبت بنواحی النقی [و بارق] و الابرق و رامه مواضع بالعقیق.
و أنشد لنفسه الشیخ عبد اللطیف التکریتی:
ما شاقه البان و لا یشوقه‌مذ لمعت ببارق بروقه
حن إلی المعنی القدیم فانثنی‌و شوقه إلی اللوی یسوقه
یهوی باکتاف الحمی محجباحکاه من غصن النقا و ریقه
بدر خبایا أضلعی بروحه‌ظبی و سفح مدمعی عقیقه
ملکته طرفی [و قلبی] فغداأسیره هذا و ذا طلیقه
یا أهل ذیاک الحمی نزیلکم‌یحمل أن تری له حقوقه
هلا سألتم بالغضا عزواله‌فارقه یوم النوی فریقه
مزق ثوب الصبر یوم بینکم‌و لذ فی حبکم تمزیقه
و حقکم ما أم غیر بابکم‌و لا سرت إلی سواکم نوقه
کلا و لا راق له منذ نأی‌عن حبکم مغنا و لا یروقه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 124 و لا تعنی بکم حادی السرا إلا انثنی و دمعه خلوقه
یود لو زاد علی أحداقه‌سعیا و أحکام القضی تعوقه
یا طیبا منزله بطیبةو من صمیم هاشم عریقه
صلی علیک اللّه ما انهل الحیاو ما سری فی فلک عتوقه
و من محاسن المدینة. العقیق و هو واد علی ثلاثة أمیال من المدینة و قیل علی میلین منها کذا فی کشف المناهج للشرف الناوی و فی القاموس العقیق الوادی جمعه اعقه و کل مسیل [شقه] ماء السیل و موضع بالمدینة انتهی و قد وصف بأنه الوادی المبارک و فی خبر یحبنا و نحبه و هواء سجسج لا حر فیه و لا برد و من شعر الزبیر فیه:
قم بنا یا أنیس قبل الشروق‌نحتسیها علی ریاض العقیق
یحکی عن أعرابی أنه قال: دخلت العقیق فوجدت قلبی یمتلأ سرورا لا أعرف له سببّا غیر طیب ترابه و عذوبة هوائه و انفلاج جوه.
[و من أحسن ما قال] :
و لقد صبوت إلیه حتی‌کدت من فرط التصابی
یجد الجلیس إذ دناریح الصبابة من ثیابی
قال فی الدرة الثنیة فی أخبار المدینة: وادی العقیق الیوم لیس فیه ساکن و فیه بقایا أبنیة مندرسة تجد النفس برؤیتها أنسّا کما قال أبو تمام و ما زرنا من تود:
ما ربع میه معمورّا یطیف به‌غیلان أبهی ربا من ریعها الهذب
و لا الجدود و إن أدمین من حجل‌أشهی إلی قلبه من خدها الترب
فائدة: حاجر موضع بغربی النقا من وادی العقیق و هو المذکور فی الأشعار و أنشد لنفسه الشیخ عبد السلام بن یوسف و لله دره:
علی ساکنی بطن العقیق سلام‌و إذا أسهرونی بالفراق و ناموا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 125 خطرتم علی النوم و هو محلل‌و حللتم التعذیب و هو حرام
إذا نبتم عن حاجر و حجرتم‌علی السمع أن یدنو إلیه کلام
فلا میلت ریح الصبا فرع بانه‌و لا سجعت فوق الغصون حمام
و لا قهقهت فیه الرعود و لا بکی‌علی حافتیه بالعشاء غمام
فما لی و ما للربع قد بان أهله‌و قد فوضت من ساکنیه خیام
ألا لیت شعری هل إلی الرمل عودةو هل لی بتلک البانتین لمام
و هل تهله من بئر عروة عذبةأداوی بها قلبّا یراه أرام
ألا یا حمام الأراک إلیکم‌فما لی فی تغرید کن مرام
فوجدی و شوقی مسعد و مؤانس‌و نوحی و دمعی مطرب و مدام
قال فی الخلاصة: بئر عروة هذه میمونة مأثورة، و کان الزوار لا یتجاوزون العقیق حتی یتزودوا من مائها و فیها یقول السری بن عبد الرحمن الأنصاری:
کفنونی إن مت فی درع اروی‌و استقوا لی من بئر عروة مآی
سخنه فی الشتاء بارده فی الصیف‌سراج فی اللیلة الظلماء
و قال إبراهیم بن موسی الزبیری:
لیت شعری هل العقیق فسلع‌فقصور الجمآء فالعرصتان
فإلی مسجد الرسول فما حازا لمصلی فجانبا بطحان
فبنوا مازن علی العهد أم‌لیس کعهدی فی سالف الأزمان
قال أبو قطیفة:
القصر ذو النخل فالجمآء بینهماأشهی إلی النفس من [أبواب جبرون]
و المراد القصر الذی ابتناه سعید بن العاص بن أمیة أحد مشاهیر الأجواد بصره عرصة العقیق و کان بنوا أمیة یمنعون البناء فی العرصة خنا بها فاحتفر بها سعید و غرس النخیل و البساتین و کان نخلها أبکر شی‌ء بالمدینة و تسمی عرصة الماء و ابتنی مروان بن الحکم بعرصة البغل قصرّا و احتفر بها عینّا.
و فی ذلک یقول الولید:
لم أنس بالعرصتین مجلسنابالسفح بین العقیق و السند
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 126
و فی الخبر: یا عائشة جبنا من هذا العقیق فما ألین موطأه و أعذب ماؤه قالت: یا رسول اللّه أفلا تنتقل إلیه قال «کیف و قد ابتنی الناس» .
و عنه علیه السلام «نعم المنزل العرصة، لو لا کثرة الهوام» .
قال المطری: العقیق ما بین الحرم إلی غربی بئر رومة، و منه الجرف و سیأتی و لم یزل العقیق نخلا و أعنابا، حتی خربت تلک العیون، و لم یبق من عمارات العقیق إلا بعض الآثار و بقایا رسوم الآبار و ما زالت النفوس ترتاح برؤیتها و الأرواح تنتعش بطیب نسمتها و من أحسن بساتین العقیق بئر مهدی فإنها حدیقة غرسها زاهر و أنسها باهر و ماؤها عذب و هواؤها رطب و فیها للنفوس مسرة و لأهلها بها أکرم مبرة انتهی و أما سیل العقیق فإنه أعظم سیول المدینة و أحلاها و أجملها و أجلاها [منا] بحر النیل عند إقباله إلا کثمرة و أوشاله و ما الفرات و حلاوته عندما ترون العین طلاوته لقد اختصت به أهالی المدینة حتی کان عندهم یوم الزینة و بالجملة فإنه إذا سال بالسلسال وادیه و تعطر بأزهار بساتینه نادیه هرعت وجوه الناس إلیه و عولت فی صفاء الوقت و ترادف المسرات علیه فتضرب حوله الخیام و لا سیما إن تحجبت الشمس بالغمام فتری الناس حوله ینتهزون فرصة اللذات و ینتهبون أوقات المسرات.
قال أبو عبیدة: العقیق ینفق من قبل الطائف و یروی أنه أقام فی بعض الأعوام نحو خمسة عشر یوما و هو فی قوة الجریان بحیث لا یمکن سلوکه و من المعمیات فی السیل:
إذا رکب البیدآء یخشی و یتقی‌و لم یثنه طعن و لم یلوه ضرب
و یأکل ما یلقاه عند لقائه‌و من أعجب الأشیاء لیس له قلب
و له أیضا:
ما اسم شی‌ء إذا تصحف جمع‌و هو یصطاد ما من البحر یجلب
و هو لا طائر و لیس بوحش‌ثم إن رمت قلبه لیس بقلب
یرید ان هذا الاسم و هو لفظ سیل إذا تصحف کان شبکّا جمع شبکة و هو معدود لصید السمک فی البحر و هو غیر الطیر و الوحش و قلب سیل لیس و هو مادة النعمیة و لابن المعلم .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 127 کم قلت إیاک العقیق فإنه‌ضربت جاذره بصید أسوده
و أردت صید مها الحجاز فلم یساعدک القضا فرحت بعض صیوده
و اختصره آخر فقال:
أبصرت ظبیا فی الحمی‌بین اللوی و زروده
أملت أن أصطاده‌فغدوت بعض صیوده
و قال غیره:
قلبی الخفوق و مدمعی الجاری دم‌مهما جری ذکر العقیق أو اللوی
و إذا تألف بارق من بارق‌فهناک ینشر من هواه ما انطوی
لطیفة:
فی کتاب الأغانی لأبی الفرج الأصفهانی نقلا عن الهیثم بن عدی قال: حدثنی عبد اللّه بن العباس الهذلی عن رجل من بنی عامر قال مطرنا مطرا شدیدا ارتبعناه و دام المطر ثلاثا ثم أصبحنا فی الیوم الرابع علی صحوه فخرج الناس یمشون علی الوادی فرأیت رجلا جالسا علی حجر فقصدته فإذا هو المجنون جالسا یبکی فکلمته طویلا و هو مطرق ثم رفع رأسه و أنشد بصوت حزین لا أنسی حرقته:
جری السیل فاستبکانی السیل إذ جری‌و فاضت له من مقلتی غروب
و ما ذاک إلا حیث أیقنت أنه‌یکون بواد أنت منه قریب
یکون اجاجا دونکم فإذا انتهی‌إلیکم تلقی طیبکم فتطیب
فیا ساکنی أکناف نخلة کلکم‌إلی القلب من أجل الحبیب حبیب
زاد مغلطای
أظل غریب الدار فی أرض عامرألا کل مهجور هناک غریب
و إن الکثیب الفرد من أیمن الحمی‌إلی و إن لم آته لحبیب
و لا خیر فی الدنیا إذا أنت لم تزرحبیبا و لم ینظر إلیک حبیب
قال و هی من قصیدة أولها:
ألا أیها البیت ألذی لا أزوره‌و هجرانه منی إلیه ذنوب
هجرتک مشتاقا و زرتک خائفاو فیک علی الدهر منک قریب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 128 سأستعطف الأیام فیک لعلهابیوم سرور فی هواک تثیب
قلت
و لعل تکرار اسم الحبیب فی القافیة غیر مذموم فإنه لا یضر شی‌ء مع اسمه و علی ذکر المطر فی التهنیة به.
لله یوم قد همت سحبه‌بسفح روض طیب النسمه
و ظبی أنس حن قلبی له‌إذ قال لی تهنیکم الرحمه
فائدة:
سیل الحجاب کان بمکة المشرفة و احتجب دورا کثیرة و أحاط بالکعبة و کان فی إمارة عبد الملک بن مروان سحر یوم الترویة من عام ثمانین و حکی السیوطی فی تاریخ الخلفاء، انه جاء سیل فی أیام عبد اللّه بن الزبیر طبق البیت الحرام فکان یطوف سجاته و هو أول من کسی الکعبة الدیباج و کان له مائة غلام لکل غلام لغة لیست لصاحبه فکان یکلم کل غلام بلغته و للصیفی الحلی:
بقدر لغات المرء یکثر نفعه‌و تلک له عند الممات أعوان
فهافت علی حفظ اللغات مجاهدافکل لسان فی الحقیقة إنسان
و فی سنة إحدی و سبعین و تسعمائة، طاف بالبیت سیل عظیم خرب الدور و أخلی البقاع و علا علی الرکن الیمانی مقدار ذراع و فی سنة 971 و فی سنة تسع و ثلاثین ألف دخل مکة سیل لم یعهد مثله بحیث هدم الدور و ذهب بالمال و الرجال و دخل إلی المسجد و طاف بالبیت بحیث کان تاریخه رقی إلی قفل بیت اللّه و بسببه انهدمت الکعبة و عمل الناس فی ذلک التواریخ و الاشعار و کثر اللغط فی عام تاریخه غلط و فی سنة أربعین بعد الألف کان بناء البیت الشریف و من التواریخ المنثورة فیه و رفع اللّه قواعد البیت و کانت هذه الفضیلة مما اختص بها السلطان الأعظم و الخاقان المکرم واسطة عقد آل عثمان و المخصوص بالمناقب التی یعجز عنها البیان المسدد فی الاصدار و الایراد، مولانا السلطان مراد أصلح اللّه تعالی بما مضی اهتمامه فساد العباد و عم بعدل سیرته البلاد و لا انفک منشور عزه مکتوبا علی جبهة الشمس و جماجم أعدائه مندرسة کأن لم تفن بالأمس فیا له من أثر نعفو دونه المآثر و یا له من تاریخ خیر یبقی مع الدهر الداهر و أکرم بها فضیلة اختصه اللّه تعالی بها دون آبائه و شرفا یسطر خبره فی صدر قرطاس أبنائه:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 129 هکذا هکذا و إلا فلا [لا] طرق الجد غیر طرق المزاح
و من تاریخ الفاسی لغیره:
بنی الکعبة الغراء عشر و کرتهم‌و رتبتهم حسب الذی أخبر الثقه
ملائکه الرحمن آدم ابنه‌کذلک خلیل اللّه ثم العمالقه
و جرهم یتلوهم قصی قریشهم‌کذا بن زبیر ثم حجاج لا حقه
و من یعد من آل عثمان قد بنی‌مراده حماه اللّه من کل طارقه
و ذیل بعضهم فقال:
و خاتمهم من آل عثمان بدرهم‌مراد المعالی أسعد اللّه شارقه
فائدة:
الخلائق جمع خلیقة، مزارع و قصور لغیر واحد من آل الزبیر یمر بها سیل العقیق کذا فی تاریخ الوفاة و من بعدهم من آل عثمان قد بنا مراد حماه اللّه من کل طارقه صح.
أنشد أبو حیان الشاطی لنفسه:
ترمون الحجاز و ما علمتم‌بأن القلب بینکم العتیق
و الفاظی العذیب و فی ضلوعی الحمی‌و دموع مقلتی العقیق
و قال آخر:
و لقد أتیت إلی العقیق فشاقنی‌عین بها روض النعیم منعم
[فلأجلها و من أهلها] أنا مکرم‌و لأجل عین ألف عین تکرم
و من کتاب زهر الربیع و باب
حدثانی عن قامت و رضاب‌أشغلانی عن کل غصن و فریق
و صفا لی ثغر الحبیب فإنی‌ذو اشتیاق إلی النقا و العقیق
الشاهد:
فی قوله صفا لی ثغر الحبیب، فإنه أدمج فیه وصفه بالنقا و العقیق.
و ما أحلی قول ابن نباتة:
إذا لم تغض عینی العقیق فلا رأت‌منازله بالقرب تبهی و تبهر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 130 و إن لم تواصل عادة السفح مقلتی‌فلا عادها عیش بمعناه أخضر
قال ابن حجة فی کتاب کشف اللثام عن وجه التوریة و الاستخدام بعد إیراد البیتین فیه انظر أیها المتأهل إلی صحة الاشتراک فی الاستخدامین و انسجام البیت الأول مع الثانی، و سیلان الرقة من هذا القطر النباتی و التشبیب المرقص بالمنازل الحجازیة و الغزل الذی یلیق أن تصدر به المدائح النبویة و من الشعر المنسجم المحرک للأشجان.
أبکی إذا ذکر العقیق بمثله‌لعهود جیرته و حسن [المعهد]
فسقی الحیا تلک البقاع فتربهالجلاء عن القلب مثل الأثمد
السری الرفا:
إذا ذکر العقیق لنا سرناعقیق الدمع سحا و إنهمالا
و سال من معالمه محیلافتطلب من إجابته محالا
سعد الدین بن عربی:
هذا العقیق فما لقلبک یخفق‌أتراه من طرب إلیه یصفق
بانت له بانات سلع فانثنی‌و له إلی نسماتهن تشوق
و من محاسن المدینة:
البرکة المباحة و هی برکة الأمیر بیری و هی فی قبلی جادة العقیق و عندها حدیقة و کان علیها بناء حسن لعبت به الریاح و برکة الأمیر قاسم علی بئر الأعجام و هی من قبلی مسجد السقیا و عندها سبیل و مشربه علی حدیقة لطیفة و کانت مقیلا للأعیان و منتزهّا لمن تناءت به الأوطان فدارت بها اللیالی، حتی صارت کالرسم الخالی و کل عمارة تغدو خرابا، عمارتها بتکرار الریاح العسیریة و هی برکة عظیمة علیها عمارة حسنة و ایوان لطیفة و هی من قبلی جادة النقا و برکة الوزیر داود باشا و هی فی غربی عمارته عند مقسم العین الزرقا و هی منهل الرکب المصری و برکة المصلی و هی الکائنة فی شرق حوسن عمر أنفدی و برکة الوزیر مصطفی باشا و هی الکائنة فی غربی بستانه فی شمال باب السور الشامی و هی منهل الرکب الشامی و لکل واحدة من هذه البرک أوقاف و خدمة و ناظر و من محاسن المدینة عمارة السلطان مراد علیه رحمة اللّه، رب العباد، فإن علیها مدار المهاجرین، و الفقراء و المجاورین و کان لها خبز یصلح للقرا و کان یطبخ فیها اللحم و یفرق علی الفقراء، و کان الفقیر إذا نال نصیبه من الأرز المطبوخ فی لیلة الجمعة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 131
و الاثنین استخرج منه من السمن ما یکفیه إلی یومین و بالجملة فلا غیر اللّه تعالی بها الحال و لا أخلاها من الخیرات و النوال، إذ لکل زمان مجال و لکل دهر دولة و رجال و قد أفرد بعض الفضلاء مؤلفّا بخصوصها و بین فیه تفاصیل جملها بنصوصها و فی معنی هذه العمارة، العمارة الخاصکیة و من محاسنها الرباط وضعا و نفعا فلا زالت بالخیرات عامرة و للفقراء بجزیل الإحسان غامرة و من محاسن المدینة حمام الوزیر داود باشا فإنه حسن فی وصفه عام فی نفعه و عنده حدیقة لطیفة متینة و عمارة ظریفة، منازل لیلی کلهن منارة لطرفی و قلبی فی حماها مخیم.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 132

باب فی ذکر سلع و مساجد الفتح و ما اشتمل علیه ذلک السفح‌

حدیث الغوانی لست أنکر طیبه‌و لکن کلام العامریة أطیب
سلع بالفتح ثم السکون آخره عین مهملة، جبل بالمدینة المنورة قال الأصمعی غنت حیاله جاریة یزید بن عبد الملک و کانت من أحسن الناس وجها و مسموعا و کان شدید الکلف بها و کانت نشأت بسلع.
لعمرک إنی لأحب سلعالرؤیته کذا أکتاف سلع
تقر بتربته عینی و إنی‌لأهوی أن یکون یرید نجعی
فتنفست الصعدا فقال لها لما تتنفسین و اللّه لو لا رؤیته لنقلته إلیک حجرا حجرا فقالت له و ما أصنع به، إنما أردت ساکنیه:
و ما کنت أهوی الدار إلا بأهلهاعلی الدار بعد الصاغین سلام
و کان العباس رضی اللّه عنه یقف علی سلع فینأی غلمانه و هم بالغابة و ذلک من آخر اللیل و بینهما ثمانیة أمیال قال المجد، الغابة ماء علی برید من المدینة فی سافلتها و هو محمول علی أثناء الغابة لا أدناها و قبل هی علی ستة أمیال و علیه، فالمراد أولها و هی مفیض أودیة المدینة و کانت بها أملاک لأهل المدینة استولی علیها الخراب و بیعة فی ترکة الزبیر بألف بألف و ستمائة ألف.
لنا ملک ینادی کل یوم‌لدوا للموت و ابنوا للخراب
و کم لله من ملک ینادی‌صبیحة کل یوم للمعاد
یقول لأهل دنیانا جمیعالدوا الموت و ابنو للخراب
و یروی أنه علیه السلام قصر الصلاة فی الغابة و إلیها تنتهی عین معاویة و لم یبق منها الیوم غیر مجاریها و علی ذکر صوت العباس قال فی القاموس أبو عروة رجل کان
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 133
یصیح بالأسد فیموت فیشق بطنه فیوجد قلبه قد زال عن موضعه و للطبرانی فی الکبیر سیبلغ البنیان سلعا ثم یأتی علی المدینة زمان تمر السفر علی بعض أقطارها فتقول [قد کانت] مرة عامرة و ذلک من طول الزمان و عفو الأثر و فی خبر لیخرجن أهل المدینة، خیر ما کانت تصفا زهوا و تصفا رطبّا، قیل من یخرجهم منها قال أمراء السوء و فی روایة [اعمر ما کانت] و ذلک فی آخر الزمان.
یا صاح إن اسود الغاب همتهایوم الکریهة فی المسلوب لا السلب
و أما سلیع بالتصغیر، و هو جبل صغیر و علیه الیوم القلعة السلطانیة و کان علیه قبل ذلک، حصن أمیر المدینة الشریف جماز بن شیخة الحسینی و فی حدود السبعین و ستمائة کذا فی زهر الریاض و أما کهف سلع، فقد کان علیه السلام یبیت فیه لیالی الخندق و هو علی یمین المتوجه من المدینة إلی مساجد الفتح من الطریق القبلیة فی مقابل الحدیقة النقیبیة علی یمین الصاعد علیه و أعلی منه کهف صغیر فی جهة المشرق و تقدم ذکر العینیة و کانت بسلع قصور مشیدة و مساکن عدیدة، و منارة حسنة الأوضاع و المسالک و للشعراء فیها تشبیب فمن ذلک:
قصور لعمری حباة مضت‌و لم نر بالنخل تلک القصورا
سقی الله سلعا و ما حولی‌و سلنی تجدنی بسلع خبیرا
و من القصائد النبویة فی ذلک:
بین سلع و المصلی عرب‌حبذا قربهم لو وجدا
حیث ساروا ففؤادی معهم‌اتهم السیر بهم أو أنجدا
یا سقی الغیث ربوعّا باللوی‌کلها راح علیها و غدا
بعدت عینی و فی تلک المنی‌قرب اللّه لنا ما بعدا
و حیاة الحب لو لا قمرحل فی ذاک الحمی ما قصدا
أنشدوا قلبی فی معهدهم‌فهو لا یترک ذلک المعهدا
و دعوا جفنی و إن برح بی‌و دعوا شوقی إلی أن یقدا
ربنا سلعّا و سل عن جیرةمثلهم لم تر عینی أحدا
فإذا جئت فعرض عندهم‌فحدیثی و لک النفس فدا
ورد الماء ألذی فی حیهم‌فهو الماء ألذی یروی الصدا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 134 بعد ذاک المورد العذب لقدبت لا تطلب نفسی موردا
قل لهم لا صبر عنکم فإذاکان بعد لا تطیلوا الأمدا
بیننا موعد وصل و هم‌عرب لا یخلفون الموعدا
ما رأینا أحدا إلا انثنی‌طربّا یوم رأینا أحدا
و بدا من دون سلع قمرحبه فی جلدی قد خلدا
أشرقت من نوره الأرض لنافکان اللیل صبح قد بدا
کیف صبری علی حبیب قد غدابالمعالی و المعانی مفردا
إن عیشا قد مضی فی قربه‌لست أنساه و لو طال المدا
أیها الحادی دع العیس و نم[قد کفاها سوقها] عمن حدا
رقد القوم علیها و هی من‌شوقها قد منعت أن ترقدا
لو تراها راقصات فی الفلاقد شجاها صوت حاد أنشدا
ذکرت سلعا و سلع منتهی‌أمل الساری إذا ما اجتهدا
لیس من یسهر فی کسب العلامثل من یرقد فیمن رقدا
لا تقل ما لی زاد فالذی‌أنت ترجوکم فقیرا زودا
ختم الرسل به رب الوری‌و به فی رتبة الفضل ابتدا
و هو عنهم خیر فی بعثه‌و هو فی الفضل علیهم مبتدا
وجد الناس و هم فی حاجةفنوی کل نوال وجدا
وجلا عن کل قلب و جلاو فدا من ذنبه من و فدا
سلم اللّه علی خیر الوری‌و علی أصحابه أهل الندا
و علی الآل سلام عاطرو ثناء من محب سرمدا
و قال الشیخ أبو بکر الرداد:
لی باکناف طیبة بین سلع‌و القوالی مسامر و شجون
و حبیب إذا نألف برق‌من سنا أرضه تفیض العیون
یا أهیل الحمی و بان المصلی‌و قباب النقا بکم استعین
طال فقدی و باع جهدی قصیرو بکم أصعب الأمور یهون
فالدراک المدراک یا أهل نجدقبل أن تذهب البقایا الغبون
و عسی عطفه تسکن جانبی‌و عسی عودة بها أستکین
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 135
و قال القیراطی:
عرض إلی رکب الحجاز اسائله‌فی عهده بسکان سلع
فاتنی أن أری الدیار بطرفی‌فلعلی أری الدیار بسمعی
و أما مساجد الفتح و هی من غربی سلع، فالأول المرتفع علی قطعة منه یسمی مسجد الأحزاب، و مساحته عشرون ذراعا فی سبعة عشر صح أنه صلی اللّه تعالی و سلم علیه صلی فیه و دعا فیه علیهم یوم الاثنین و الثلاثاء و الأربعاء فاستجیب له یوم الأربعاء و هذا هو الأصل فی تخصیص هذا الیوم بزیارة هذه المساجد، و سمی مسجد الفتح لقوله علیه السلام ابشروا بفتح اللّه و نصره ، لأن سورة الفتح به نزلت و المسجد الذی یلی الأعلی قبله مسجد سلمان رضی اللّه تعالی عنه و یعرف بمسجد علی کرم اللّه وجهه و مساحته ثلاثة عشر فی ستة عشر، و الثالث مسجد الصدیق رضی اللّه تعالی عنه و الرابع فی قبلة الثالث، علی قطعة من جبل سلع، و یعرف بمسجد أبی ذر رضی اللّه تعالی عنه، صح أنه علیه السلام صلی فی کل من هذه المساجد و فی غربی المسجد الثالث صهریج یمتلی من سبل أبی جیدة و علیه ایوان لطیفة یقال له من عمارة إبراهیم آغا و فی غربی الصهریج، حدیقة لطیفة و سبیل عمر فی سنة ثمان و أربعین و ألف و خلفه إلی جانب المغرب حدائق و بساتین و مزارع و فی شرقی سلع حول مناخ الراکب الشامی، حدائق ذات بهجة من أحسنها الزکی و هی حدیقة ذات نضارة و عمارة و هی عند مشهد السید محمد الزکی و به عرفت و هی فی قبلة ثنیة الوداع و علی ذکر الثنیة فما أحسن ما قال:
جلا ثغر أو اطلع لی نیابا یسوق بها المحب إلی المنایا
و أنشد ثغره الأصحاب فخراأنا ابن جلا و طلاع الثنایا
و قال صدر الدین بن الفیومی:
جلا مسواک خیر درفجل بذاک و اکتسب المزایا
و أنشد صحبة تیها و عجباأنا بن جلا و طلاع الثنایا
و من الحدائق المعتبرة هنالک الحدیقة القیرسلیة و هی قبلة مسجد الرایة و الحدیقة المکارمیة و الحدیقة السنانیة و الحدیقة الحمامیة و الحدیقة الفیرزویة و عمارة الوزیر مصطفی باشا منارة کأنها جنان یسلوا بها عن همه الجنان.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 136

باب فی ذکر قباء و محاسن هاتیک الربا

یقولون لی صفها فأنت بوصفهاخبیر أجل عندی بأوصافها علم
قبا بالضم یمد و یقصر، علی میلین من المدینة المنورة و فی آثار البلاد و أخبار العباد للقزوینی، قبا قریة لطیفة علی ثلاثة أمیال من المدینة بها ما یلد العین من حسن منظر و ما ترضیه النفس من شهواتها.
زمردة خضر أتدرین قرطهابلؤلؤة بیضاء من زهراتها
و أقول فی ذلک، و إن لم أکن هنالک:
ما أطیب الأیام فیها تنقضی‌و العین قد قرت بوصل حبیبها
ما للعیش إلا فی حماها لیت لی‌مأوی و لو فی سفحها و رحیبها
و بالجملة، فإنها ریاض رق أدیمها، و راق نسیمها، و نم طیبها و ترنم عندلیبها و تحرکت عیدانها، و تمایلت أغصانها و تفوقت أزهارها و صوت هزارها تسلسلت جداولها و تبلبلت بلابلها و هذا ما أملته الخمائل یغمرها و النسمات برمزها و أشارت إلیه الأزهار بلسان حالها و ترحمت عنه الأطیار فی حلولها و ارتحالها و قال الماء الذی جعل منه کل شی‌ء حی، ألا یا أهل الحی، من طالع مثالی فهم ضرب أمثالی و من أعجم علیه اشکالی فلیس من اشکالی و الحمد للّه البعید فی قربه، القریب فی بعده [المتعالی فی جده عن هزل القول وجده الموجد ما کان عدما] المودع کل موجود کلما جاعل العقل، حکمّا یمیز بینه الشی‌ء و ضده، ما یفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسک لها و ما یمسک فلا مرسل له من بعده، فلله أول مسجد أسس علی التقوی و فی اللّه قلوب علی الطاعة تقوی، فی حضرة ما أبهاها و روضة ما أشهاها الجداول قد سلت بأیدیها کل عصب صقیل صیغ فضة بید الضحی و ذهبا بید الأصیل و الأغصان کأنما خلقت منابر لخطباء الحمام و صورت أوراقها محاجر لدموع الغمام و الطیر ما بین متطلع من وکنه و قائم علی غصنه من کل مغوف الطیلسان، و مطوق، یزهو طوقه علی طوق العقیان:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 137 یصلن بنوحی نوحهن و إنمابکیت بشجوی لا بشجو الحمائم
فلله هاتیک الحدائق، و قد سقاها ماءه النعیم، و ألبسها نعماءه النسیم و نقل الشمال إلی الشمیم طیبها و تحرکت بالأشواق إلیها قلوب العشاق و لا تحرک الأغصان حین حرک رطیبها و لقد طالت حیرة البلیغ فی وصفها و ما عسی أن تحمل الشمال من طیب عرفها:
فیا حسن هاتیک الریاض و طیبهافکم قد حوت حسنا یجل عن الجد
و لا سیما تلک السوانی فانهاتجدد حزن الواله المدنف الفرد
أطارحها شجوی و صارت کأنماتطارح شجواها بمثل الذی أبدی
و ما بین هاتیک النخیل منارةتجدد ما قد فات من سالف العهد
و فی سفح ذاک الجزع أی کواکب‌تلوح و تبد من قریب و من بعد
سقی سفحها وبل من الغیث هاطل‌و حتی حماها بالعبییر و بالند
فکم قد نعمنا فی ظلال ریاضهابعیش هنی‌ء فی أمان و فی سعد
فمن لی بها مع من ود دنوه‌و من لی بها فی غیر بلوی و لا جهد
أنشد لنفسه الشیخ أبو عبد اللّه الفیومی:
لله یوم فی قبا قد مر لی‌فی جمع أحباب و بسط زائد
و تمتعت فی روضة أحداقنابحدائق تسقی بماء واحد
و قال العفیف التلمسانی:
یا سائق العیس نحو کاظمه‌بلغ سلامی لساکنین قبا
و قل قضی ذلک المشوق بکم‌و ما قضی من وصالکم إربا
و من سحریات الحدائق:
ما نلت لیلة و صلی طیب السمرحتی مررت بنا نسمة السحر
لقد أتیت علی ما کان فی خلدی‌و جئت یا عذبة المحیا علی قدر
لله لیلة أنس بات معتنقی‌فیها السرور ینادی طلعة القمر
ذاک الذی أوتی القرآن معجزةو اختص بالمدح فی الآیات و السور
لولاه ما فاز بالفخر الجمیل قباو خص بالذکر فی التنزیل و الخبر
أکرم به مسجدا ظل الفخار به‌فنال فیه النداما أطیب السهر
و الروض قد لعبت أیدی النسیم به‌و مالت الغضب و الأغصان بالثمر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 138 و العذب قد راق و الساقی یطوف به‌علی الجداول فما روض من الزهر
و الطیر قد رقصت فی وکرها طرباأغنت برنتها عن زخمة الوتر
یهنیک یا قلب هذا الوصل و ابتهجی‌یا نفس و اغتنمی من صحة العمر
و انت یا فیه الإسلام ما برحت‌روحی فداک تقر عن سائر الغیر
و أنت یا لیلة الأنس التی لطفت‌لقد حللت محل السمع و البصر
ما أطیب العیش لو لا بن حاسدةما أطول اللیل لو لا فرحة الظفر
اللیل ما بین أهل الوصل مختصرلو طال ما طال منسوب إلی القصر
و من ذلک فی هذه المسالک:
نشر الریح ما طوی کم زهرفزکا عرف ما شدا کل نشر
و تغنت سواجع الایک فیهاو کذا الدوح هزه صوت ممری
فی ریاض الجزع تزهو و تزهی‌قد بدا من کمامها نشر زهر
و کذا الملفحات جادت و أبدت‌یا ندیمی من طلعها خیر بشر
یستوی فی المصیف عند استواهاکل ضیف لها و عبد و حر
ما ألذ الحیاة فیها و أحلی‌خطر أتی بین أثل و سدر
و ندیم من الصفا و مدام‌من وداد یروق من صفو صدر
[و مدبر من الوفا کاس حب‌مع طیب یفوق أطیب عطر]
و مغن من العین و سماع‌من لسان الثنا بحمد و شکر
و أمان من الرقیب و قرب‌من وقار و بعد ما کان یزری
هذه عیشة الکرام و فیهافأقبلوا یا أولی الصبابة عذری
و اسألوا إن بلغتموها أمانامن صروف الردی و من سوء غدری
و من تلک الأوصاف فی هاتیک الأصناف:
إذا غرد القمری بکیت و إن بکی‌أموت و أفنی ان تغنی مع السحر
و إن سجعت فوق الغصون سواجع‌أطارت فؤادی حیث کانت من الشجر
و إن صوتت بین الأراک بلابل‌بلیت بأنواع الشجون و بالفکر
و إن هب نشر الروض زاد بی الهوی‌و کنت متی هب النسیم علی خطر
أبی العیش صفوا و المحبة راحةو أنی بها طول الحیاة علی حذر
رعی اللّه أهل الجزع لو علموا الذی‌أصبت به لم یغفلونی من النظر
و کنت بهم فی طیب عیش و لذةو نلت بهم کل الأمانی مع الظفر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 139 فیا قلب صبرا علی أخطی وصلهم‌و اسلم فی باقی الزمان من الغیر
و من کتاب الحدائق الغالیة- فی قبا و العالیة الحمد للّه الذی کرمنی بوصال من الهوی و شرفنی بمسجده المؤسس علی التقوی، و فضلنی علی جمیع الضواحی و کلمنی دون سائر النواحی [و أحمده علی] ما منحنی به من حلول الرسول و أشکره لما نحلنی من آثاره غایة السؤال، و الصلاة و السلام علی من تشرفت به البطاح و الربا و عمرت بحلوله حلة قبا و علی آله و أصحابه و شیعته و أحزابه و عنه علیه الصلاة و السلام صلاة فی مسجد قبا کعمرة و فی الأثر لأن أصلی فی مسجد قبا رکعتین أحب إلی أن أتی بیت المقدس مرتین و کان علیه الصلاة و السلام یأتی قباء راکبا و ماشیا فیصلی فیه رکعتین و الأولی أن یزار یوم السبت لأنه علیه السلام کان یأتیه کل سبت و سبب اختصاصه به انه علیه السلام کان یفقد بعض أهل قبا یوم الجمعة، فیسأل عن المفقود فیقال له انه مریض فیذهب یوم السبت لزیارته و فیه رد لمن منع زیارة المریض فی یوم السبت.
و أنشد فی اجارة لنفسه بجلب المحروسة الشیخ فتح اللّه البیلونی:
السبت و الاثنین و الأربعاتجنب المرضی بها أن تزار
بطیبة یعرف هذا فلاتقیل فان العرف علی المنار
و ما أوقع ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 140 و للناس عادات و قد ألفوا بهالها سنن یدعونها و فروض
فمن لم یعاشرهم علی العرف بینهم‌فذاک ثقیل عندهم و بغیض
و فیه حکمة زیادة أهله فیه، لزیادة علم المؤتی فیه، لأنه یزید علمهم یوم الجمعة و یوما قبله و یوما بعده مسئلة فی سنة أربع و ثمانمائة جدد برسبای علی ید شیخ الخدام قاسم المحلی غالب مسجد قبا و سقطت منارته. سنة سبع و سبعین و ثمانمائة فجددت مع عمارة المسجد النبوی علی ید الشمس بن الزمن بعد هدم المنارة للأساس مع ما یلیها من سور المسجد إلی آخر بابه الغربی و أعید مع سد الطیقان التی کانت مفتوحة فیه مما یلی السقف تشبه طیقانه الباقیة و جدد بعض سقفه و فی حدود الثلاثین [بعد الألف] جددت أیضا عمارته علی ید شیخ الحرم النبوی محمد مجد و هو الآن فی نضارة هذه العمارة فلا زال معمورا بدوام الإسلام و لا برح مغموم الأکتاف بالغمام.
تتمیم: لما قدم النبی صلی اللّه علیه و سلم المدینة نزل فی بنی عمرو بن عوف علی کلثوم بن الهدم فمکث عندهم الاثنین و الثلاثاء و الأربعاء و الخمیس و أخذ مربد کلثوم فعمله مسجدا و أسسه و صلی فیه إلی بیت المقدس و هو مسجد قباء .
و جاء فی الأثر أن الخضر علیه السلام یصلی فی کل جمعة فی خمس مساجد المسجد الحرام و مسجد المدینة و مسجد بیت المقدس و مسجد قباء و یصلی فی کل لیلة جمعة فی مسجد الطور.
و صلی علیه السلام إلی الاسطوان الثالث من مسجد قباء فی الرحبة و لم یزل یزور المسجد مدة حیاته و صح أنه علیه الصلاة و السلام کان یستقبل بیت المقدس حتی نسخ ذلک فأتی آت قبا و هم فی صلاة الصبح فأخبرهم و کانت وجوههم إلی الشام فاستداروا إلی الکعبة و کانت القبلة قبل صرفها عند الاسطوانة الثالثة فی الرحبة. فائدة قال السهیلی إن الصحابة رضی اللّه عنهم أخذوا التأریخ بالهجرة من قوله تعالی لمسجد أسس علی التقوی من أول یوم و هل هو مسجد قبا أم مسجده صلی اللّه تعالی و سلم علیه قولان أرجحهما الثانی و من محاسن هذا المسجد بئره التی ماؤها من أحلی المیاه و أعذبها و طیب الهواء الرطب و اختلافه فی أروقته.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 141
و کان یقال:
شیئان أحلی من عناق الخردو ألذ من شرب القراح الأسود
و أعز من رتب الملوک علیهم‌حلل الحریر مطرزّا بالعسجد
سود الدفاتر أن أکون ندیمهاأبد الزمان و برد ظل المسجد
و مما یتبرک به بقبا دار سعد بن خیثمة فی قبلة مسجد قبا لأنه ورد أنه علیه السلام اضطجع فیه و خلفه من الجانب الغربی مسجد ینسب لعلی کرم اللّه وجهه و أمامه من الجانب القبلی مسجد ینسب لفاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أما مسجد الضرار بقبا فقد عفا أثره و هفا خبره و أما أهل قبا فهم الذین قال اللّه فی حقهم فیه رجال یحبون أن یتطهروا و الخلف فی برکة السلف و عن عویمر بن ساعدة أن النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم قال لأهل قبا- إن اللّه تعالی قد أحسن الثناء علیکم فی کتابه العزیز فقال فیه رجال یحبون أن یتطهروا و اللّه یحب المطهرین ما هذا الطهور فقالوا ما نعلم شیئّا إلا أنه کان لنا جیران من الیهود و کانوا یغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا کما غسلوا و عن زید بن أسلم الحمد للّه الذی قرب منا مسجد قبا و لو کان بأفق من الآفاق لضربنا إلیه أکباد الإبل و عن بعض الأکابر أن المکروب إذا نادی یا أهل قبا فرج اللّه تعالی عنه .
و ما أحسن ما قال:
یحرکنا ذکر الأحادیث عنهم‌و لو لا هواهم فی الحشا ما تحرکنا
و لو لا معانیهم تراها قلوبناإذا نحن أیقاظ و فی النوم إن نمنا
لدبنا أسی من لوعة و صبابةعلی أن فی المعنی معانیهم معنا
فقل للذی ینهی عن الوجد أهله‌إذا لم تذق و شراب الهوی دعنا
و سلم لنا فیما أدعینا فإنناإذا غلبت أشواقنا ربما بحنا
و لله در القائل:
حدیث ذاک الحمی روحی و ریحان‌فلا تلمنی إذا کررت ألحانی
روض به الدوح و الریحان قد جمعاو خضرة ما لها فی حسنها تانی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 142 الماء و الزهر و الأطیار یرقص فی‌میدان أنس علی أوتار عیدان
فالوصل دان و طیب الحال ینشدناهذا هو العیش إلا أنه ألهانی
و قال آخر:
علی تلک الربوع و ساکنیهاسلام کالسلامة یستطاب
یکرره لسانی بل کتابی‌بل الأیام إن درس الکتاب
و أدعوا اللّه مع سرف المعاصی‌فقد تدعوا العصاة و قد تجاب
و من محاسن قبا الحسنیة و هی فی شرقی المسجد حدیقة حسنا أنیقة غناء جامعة بین العمارة و النضارة ریاضها زاهیة زاهرة و حیاضها باهیة باهرة قد عذب ینبوعها و أشرقت ربوعها ورق فیها النسیم و تأرج بهاه الشمیم».
و الماء یخفی سجعی فی التدفق صوته‌و الورق تسجع باختلاف لغاتها
و الوقت ینشد من یحاول صفوه‌خذ فرصة اللذات قبل فواتها
و ما أحسن ما قال:
رعی اللّه أیاما بها قد تصرمت‌و طیب لیال ما عرفت لها قدرا
لیالی وصال لو تباع شریتهابروحی و لکن لا تباع و لا تشرا
و فی هذه الحدیقة برکة بدیعة فی وصفها محکمة فی صنعها محفوفة بالأشجار و الأزهار مباحة للفقراء و الزوار و أخری فائقة فی أنسها رائعة فی نفسها علیها ایوان مشید الرواق و عمارة تروق الأحداق و علی ذکر البرکة أنشد لنفسه بن تمیم:
لقد قابلتنا بالعجائب برکةمکملة الأوصاف فی الطول و العرض
کان الذی یرنو إلیها بلحظةیری نفسه فوق السماء و هو فی الأرض
و قال آخر:
و برکة للعیون تبدوفی غایة الحسن و الصفاء
کأنها إذا صفت و راقت‌فی الأرض جزء من السماء
مسئلة
إن قیل لم کان القائم علی الماء یری أعلاه أسفله و أسفله أعلاه و یری السماء تحت الماء مع أنها فوقه الجواب إن معرفة ذلک متوقفة علی معرفة قاعدة من علم الهندسة و هی أن الشعاع الخارج من العین إذا اتصل بجسم صقیل کالماء لم یثبت علیه لصقاله و زلق عنه إلی الجهة المقابلة للرائی إن لم یکن الصقیل أمامه بحیث تکون
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 143
زاویة الالتقاء علی الصقیل مثل زاویة الانعکاس فی المساحة من غیر زیادة و لا نقصان فهاتان الزاویتان فی السعة واحدة فیتصل طرف الشعاع بالقائم ثم یجری فیه خیاله إلی الماء فینقطع فیه و کان القائم وقع علی سطح الماء و القائم إذا وقع یصیر أسفله أعلاه فلذلک تری السماء تحته و کل ما هو أعلی من صاحبه یراه أسفله فلو أقیم ألمّا واقفّا کالمرأة رأی علی هیئته فالقائم فی القائم فی منعکس لأن موضوع الانطباع و هو الماء أسفل و القائم و هو شعاع العین آت إلیه فکأنه انطبع فیه و هو قائم فأخذه و انبطح و الانبطاح فی الحقیقة إنما هو وجه الماء لا فی عمقه و الحس لا یمکنه ضبط ذلک فیغلط فیه الوهم فیراه فی جوفه کأنه قد غرق بعد الانبطاح علی وجه الماء فی الماء و لو غرقت الشجرة کان رأسها أسفل و هو ضرورة و کل ما هو علی مثل السماء و غیرها یری أسفل و ما أحسن ما قال:
أری مستقیم الطرف ما دمت عندکم‌و إن مال طرفی عنکم فهو أحول
و قال آخر بلسان أهل التوحید:
بانعکاس الشعاع فی المرآةو انعطاف الصدی علی الأصوات
أیقن القوم إنه لیس فی الکسوف سوی مقتضی سور الذات
مسئلة: و الشی‌ء بالشی‌ء یذکر بالاستطراد أو بالمناسبة من غلط الحس أن الشخص الماشی قد یری القمر تحت السحاب متحرکا إلی غیر جهته التی یتحرک إلیها بالذات و ذلک علی رأی القائلین بالشعاع و أنه المتحرک و فیه کلام طویل یطلب من بابه و أما رؤیة الشمس کبیرة و صغیرة فلأن فی جهة المشرق و المغرب رطوبات تتصاعد فتتفقد سفقّا فتری فیها الشمس کبیرة بسبب الرطوبات و رؤیة النار البعیدة کبیرة و هی صغیرة و الجمال و نحوها فی السراب طوالا و نظائر ذلک تطلب من علم المناظرة و فیه لابن الهیثم کتاب فی سبع مجلدات و من أحسن حدائق قبا بل حدائق المدینة بالإجماع القویم مصغر القائم قاله کما قیل:
روض کمخضر العذار و جدول‌نقشت علیه ید النسیم مباردّا
و النخل کالهیف الحسان تزینت‌فلیس من أثمارهن قلائدا
أو کما قال:
ریاض إذا ما ذقت کوثر مائهاأهیم کأنی قد ثملت باسفنط
و من یجتهد فی أن فی الأرض روضةتماثلها قل أنت مجتهد و مخطی‌ء
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 144 امثل شوقّا فأشکلها فی ضمائری‌فتتبع عینی ذلک الشکل بالنقط
و لله در القائل:
لم لا أهیم إلی الریاض و حسنهاو أظل منها تحت ظل صافی
و الزهر؟؟؟ حیانی ثغر باسم‌و الماء و افانی بقلب صافی
و بالجملة فإنها ذات ریاض تسلسلت جداول مائها و قصور تزین الأفق بنجوم سمائها بها النخیل التی لا تحصی و الأشجار التی لا تستقصی غیاضها مشهودة و حیاضها مورودة بین مبان و ثیقة، و مغان أنیقة قد اشتمل علی عمارات حسنة و أوضاع بدیعة مستحسنة و بئر هی أوسع الأبار دولابا.
و منارة تزهو محاسن و اعجابّاو فیه ایوان بدیع عنده برکة بدیعة
و یصلح أن یقال فیها:
انظر إلی البرکة الفیحاء التی اکتنفت‌بها النواظر کالأهداب للبصر
کأنما هی و الأبصار ترمقهاکواکب قد أداروها علی القمر
و قال آخر:
قد قلت فی البرکة الفیحا و قد جمعت‌من البدور أصناف الملاح زمر
إن کان فی الفلک الأعلی یری قمرّافهذه فلک دارت بألف قمر
و الذی انشأ هذه الحدیقة الغناء هو السید الشریف أحمد بن سعد الحسینی نقیب السادة الأشراف بالمدینة المنورة و من الأبیات المکتوبة باللازورد فی سقف ایوانه تغمده اللّه تعالی برضوانه.
مجلس السعد عامر بالتهانی‌و المسرات و المنا و الأمان
جمع الحسن و البها فتسامی‌بسناء یزهو علی البنیان
و تباهی بمن حوی و تناهی‌و علا فخره مدی الأزمان
فهو عین البنیان حقّا کما قدحل فیه إنسان عین الزمان
إن یکن مغرد البنا فلا عزو فمنشیه مغرد فی المعانی
قال قد حزت کل معنی و حسبی‌من مشید و سید قد بنانی
جاوز المدح فی معانیه حتی‌کل کلی عن وصفه بلسانی
عند ما تم رونقا و جمالاو ذکرنا به قصور الجنان
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 145 انشد الحال فی علاه و نادی‌یا ابن سعد لقد بلغت الامان
من صروف الزمان لا تخش ضیمّاأنت جار لسید الأکوان
و لسان السعود أرخ فیه‌عش مقیما بدار سعدک []
و منها. و لله در قائلها:
یهنیک یا أشرف المجالس‌حللت فی أطیب المغارس
فی طیبة فی جوار طه‌جوار عز بلا مقایس
یشاهد المصطفی دوامّامن حل علیاک و هو جالس
منشیک من سادة کرام‌لیس له فی العلا منافس
قد طاب أصلا و طاب فرعاو حاز من معظم النفائس
و کم من المجد شاد بیتاحماه بالبیض و اللوابس
لا زال فی عزه مقیم‌یرفل فی أجمل الملابس
قالوا فأرخ لنا بناه‌فقلت قولا له مجانس
تاریخه أحمد بن سعدقد حل فی أرفع المجالس
و خلف هذه الحدیقة من جانب الشمال حدیقة من أحسن الحدائق و أبهجها تسمی القائم و هی لآل شاهین قال فی زهر الریاض إلا أنه یحسن أن یقال فیهما من حیث التسمیة اعکس تصیب لأن القویم أوسع منه دائرة و أکثر نخلا و أنضر کرمّا خلا ما اشتمل علیه من المساکن الطیبة العامرة قلت و لعل التصغیر هنا مما ارید به المحبة و التعظیم.
کما قال ثعلب:
بذیالک الوادی أهیم و لم أقل‌بذیالک الوادی و ذیاک من زهدی
و لکن إذا ما حب شی‌ء تعلقت‌به أحرف التصغیر من شدة الوجد
و من محاسن حدائق قبا الشدقا و الشدیقا و البستان و بئر عذق و البویرة فإنها عیون تلک الأماکن و منارة هاتیک المساکن.
و من محاسن قبا بئر النبی صلی اللّه تعالی علیه و سلم قال فی زهر الریاض و ابتنی الشمس بن الزمن بعد عمارة مسجد قبا البرکة و السبیل المقابلتین له بحدیقة العینی و قد صارا للوزیر محمد باشا مع بئر النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و حدیقتها و حصنها.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 146
قلت و هی الآن من أحسن أماکن قبا عمارة و نضارة و فیها إیوان کأنه کما یقال ایوان کسری.
فائدة ایوان کسری علی مرحلتین من بغداد بناه الملک ابرویز فی نیف و عشرین سنة طوله مائة ذراع فی عرض خمسین فی سمک مائة بالأجر الکبار و الجص و طول الشرافة خمسة عشر ذراعّا کذا فی کتاب تحفة الأصحاب و نزهة الألباب نکتة من لطائف أخبار الملوک عن بعض رسلهم انه دخل علی کسری فرأی فی ایوانه اعوجاجا فسأل عن سببه فقیل له أنه کان مکان بیت لعجوز فقیرة فسألها الملک بیعه و أرغبها فامتنعت فترکه و بنی الایوان کما هو علیه الآن فقال هذا الاعوجاج خیر من الاستقامة و کان کسری وضع فی ایوانه سلسلة ذات أجراس و جعل طرفها خارجّا عن القبة و نادی من کان مظلوما فلیحرک السلسلة لیعلم به الملک فیزیل ظلامته. قال العسکری و هذا هو الأصل فی قولهم حرک علیه السلسلة.
و یحکی أن کسری کان جالسّا فی ایوانه فإذا حیة قد دنت من عش حمامة فی بعض شرف الایوان لتأکل فراخها فرمی الحیة بسهم فقتلها و قال هکذا نفعل بعدو من استجار بنا ثم ان الحمامة جاءت بجب فی منقارها فألقته بین یدیه فأخذه و قال ازرعوه فنبت ریحانا لم یعرف فقال نعم ما کافتنا به الحمامة.
کل الأمور إذا نظرت إعارةإلا الثناء فإنه لک باقی
لو أننی خیرت کل فضیلةما اخترت غیر مکارم الأخلاق
و اشتهرت بئر النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه کالشدقاء بالعنب الجید و بالجملة فإن فی قبا من الکروم أنواعا مختلفة منها المدنی و هو أنواع منه البرنی و یقال له المراودی و هو أجودها لرقته و حلاوته و هو یحاکی الزینی من أعناب الشام و منه البیض و هو دونه و منه السکر و هو متوسط و منها الحجازی و هو أنواع منه البیاضی و یختلف فی الرقة و الغلظ و منه السوادی و هو أحسن منه و منه الخمری و هو أجوده و لا عجم لصغاره و فی کتاب البرکة فی السعی و الحرکة أن نوحا علیه السلام شکی من الغم فأوحی اللّه تعالی إلیه أن کل العنب الأسود انتهی و أحسن العنب ما کان فی حدائق قباء ثم العالیة ثم جفاف ثم باقی بساتین المدینة و کان بالعقیق کروم کثیرة و یحکی أنه کان لسعد بن أبی وقاص بالعقیق کرم تباع ثمرته بألف دینار فبلغه أن شبان المدینة یصنعون منه الخمر فقطع أصول کرمه تتمیم مانون کقانون ورانونا مقصور اسم سیل من جبل فی یمانی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 147
عیر یمر بالعصب و یعترض قباء یمینّا فیدخل الشدقاء و البستان ثم یخرج إلی العلیقة ثم یمر بصرارة شاهین ثم یشارک سیل وادی بطحان المعروف بأبی جیده من غربی القصیبة فی قبلی المصلی و سیل بطحان یأتی من علی سبعة أمیال من المدینة یمر بالصیحانی المعروف بأم عشرة ثم بجفاف ثم بالقصاة بالفاء و هو موضع فی غربی الماجشونیة ثم بالمصلی و مساجد الفتح ثم بالغابة و ینتهی مع السیول إلی البحر و من محاسن حدائق قباء العلیقة بضم العین المهملة و فتح اللام تصغیر علقة بالضم و هو منتزه بدیع فی حدة حسن و بمحاسنه یذهب عن القلب الحزن علیه من بهاء البدر نور وضوء الشمس یکسوه الشعاعا و ماؤه العذب فی أقصی درجات الحلی و هواؤه الرطب من أطیب ما تشتهیه الملاء و بالجملة فکل هاتیک الحدائق ذات ریاض و حیاض و أشجار و أزهار.
و من رام لی بها اللوی حیناو صفا لی فیها الهوی و الهواء
و ثنت نحوها الثنیة قلباقلبا تستخفه الأهواء
و ما أحسن ما قال‌و لکل مقام مقال
لیس النزاهة فی المنازل کلهامن سائر الأقطار و الأمصار
إلا إذا ما کنت وسط حدیقةإن الحدائق نزهة الأبصار
و لله در القائل:
یا من یلوم علی الهوی‌دعنی فشأنک غیر سأنی
لا یشغلک غیر ماتهوی فکل العیش فانی
و قال آخر:
یعنفنی أهل البلاغة حیثماتغزلت فی الغزلان عن أبلغ القال
و ینهون مثلی عن عکوفی علی الهوی‌أ لیس هوی أهل الهوی مقتضی الحال
و قال:
لا تلمنی علی الوقوف بدارأهلها طیر و الغرام ضجیعی
جعلوا لی إلی هواهم سبیلاثم سدوا علی باب الرجوع
و خلف هذه الحدیقة من جانب الشمال حدیقة مورقة الأشجار مونقة الثمار
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 148
خفیفة الماء العذب لطیفة الهواء الرطب و تعرف بالسرارة بفتح السین المهملة و تشدید الراء قال فی زهر الریاض و لا یعرف الیوم بالسرارة غیر هذه الحدیقة و ما حولها و بها نخلة مثنیة یقال إنها انثنت للنبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه حتی تناول منها . و هذا علی المشهور لا علی ما هو المسطور و الناس یتبرکون بها لذلک و یشترون ثمرها بأعلی ثمن و لیست من حر النخل بل من أوسطه و یسمی جنسها الوحشی بصیغة مقابل الإنسی و الحدیقة المذکورة بید آل شاهین من الأشراف الوحاحدة الحسینیین انتهی.
قلت و إذا صح خبر النخلة فینبغی أن تکون من حر النخل بل یجب أن تکون من أعلاه کما قال:
و أکرم إحداق الحدائق منشدالعین تجازی ألف عین و تکرم
و ما زال الناس یهدون تمر المدینة المنورة إلی الآفاق و یتبارک به کل محب و مشتاق و أنشدوا:
أفضل تهدیة أمثالنامن طیبة مدفن خیر الأنام
بعض تمیرات إذا أمکنت‌تبرّکا ثم الدعا و السلام
و قال آخر:
خیر الهدیة من مدینة أحمددعوات صدق عند قبر المصطفی
برکاتها ترجی و یرجی نفعهاو بها الشفاء لمن یکون علی شفا
و قد أدرکت جزوعّا بالیة مجموعة فی هذه الحدیقة یتبرک الناس بها و یزعمون أنها بقایا تلک النخلة و أولادها و قد وضع علیها مسجد لطیف و ذلک فی حدود نیف و عشرین ألف و خلف هذه الحدیقة من جهة الشمال حدیقة معطرة بالأزهار مشتملة علی أعناب و نخیل و أشجار تعرف بجزع العرصات و لعلها المعنیة بقوله:
إلی اللّه أشکو بالمدینة حاجةو بالجزع أخری کیف یلتقیان
و بالجملة فإنها بقعة تأرجت بطیب تربها و أشرقت أرضها بنور ربها و طلعت أهلة بدورها من آفاق السعود و تواصلت نفحات الهوی المقصور بها و لا تواصل نسمات الهوی المحدود.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 149 فهی الروضة المورقة الأشجارو الغیضة المونقة الأزهار
فلو أننی فی جنة الخلد بعدهاذکرت و لا أنسی للذاتها أنسا
فیا لها من ریاض تعطرت بأرجها الأنفاس، و قال لسان التصدیق فی جواب الاستفهام عنها لا بأس ریاض أشجارها باهیة باهرة، و حیاض أزهارها زاهیة زاهرة.
و قال آخر:
ریاض بها الحصباء در و تربهاعبیر و أنفاس الشمال شمول
تسلسل فیها ماؤها و هو مطلق‌و صح نسیم الروض و هو علیل
ریاض أثمارها باسقة و غیاض أطیارها ناطقة فلو تأملت فی أغصان ریاضها الأنیقة لرأیت کلا بمفرده حدیقة فمدعی نضارتها عند أهل النظر مسلم و علی محاسنها سالم من أن یوصف إلا بأنه موثق معلم قد فجرت علی أرضها ینابیع البدیع عیونا و انشأت علی ریاضها من أغصان التفریع فنونا فطفقت تخطر بأکمام ثمرها و جعلت ترمق بأحداق زهرها و لقد أغدقت سحابها و تنمقت رحابها وهب نسیمها و اهتز و سیمها و طالما أوقع القلب فی شرک الهوی تغرید هزارها و ضاعف للصب غرامه طیب أزهارها هوی روضة قد طبق الأفق طیبها.
هوی تذوق العینان منه و إنماهوی کل نفس حیث حل حبیبها
فیا حسنها من ریاض غداجنونی فنونا بأفنائها
جری الماء فیها علی رأسه‌لتقبیل أذیال أغصانها
أو هی کما قال:
روض کأن ترابهاأبدّا بماء الورد یسقی
و کأن تربة أرضهاجدبت من الکافور عرفا
أو کما قال:
ریاض بکاها المزن و هی بواسم‌فناحت بغیر الحزن فیها الحمائم
و أودعت الأنواء فیهن سرهافنمت علیهن الریاح النواسم
یبیت الندی فی أفقها و هو ناثر و یضحی علی أجیادها و هو ناظم
کأن الأقاصی و العقیق تقابلاخدود جلاهن الصبا و مباسم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 150 کأن بها للنرجس الغض أعینناننبه منها البعض و البعض نائم
کأن ظلال القصب فوق غدیرهاإذا أطربت تحت الریاح أراقم
کأن غناء الورق الحان معبدإذا رقصت تلک القدود النواعم
کأن نثار الشمس تحت غصونهادنانیر فی وقت و وقت دراهم
کأن بها الغدران تحت جداول‌منوع دروع أقرعت و صوارم
کأن ثمارا فی غصون نوسوست‌لعارض خفاق النسیم تمائم
کأن القطوف الدانیات مواهب‌و فی کل غصن ماس فی الدوح حائم
کأن بنان المصطفی قد لمسنه‌فاعداه منهن الندی و المکارم
نبی انی غیثا و غوثا و رحمةعلیه صلاة اللّه ما أفتر باسم
أما بئرها فقد اشتملت علی بناء بدیع محکم حتی کأن أحجارها فیها عقد منظم یعجز أبناء الصناعة عن تصور شکلها فضلا عن الاتیان بمثلها یغض لها حسن مائها الغزیر العذب بأن تکون من أحلی ما یشتهی القلب و یشهد لها بالشراحة ما اشتملت علیه من الملاحة و ما تناهیت فی وصفی محاسنها ألا و أکثر مما قلت ما أدع.
و لقد أحسن التحلیل من قال:
الماء قد عشق الغصون فلم یزل‌أبدّا بمثل شخصها فی قلبه
حتی إذا فطن النسیم إنی له‌من غیرة فأزالها عن قربه
فإذا أتاه مهیمنّا بعتابه‌فی الحال قطب وجهه من عتبه
و أما بساتینها فی حسن ترکیبها و ترنم عندلیبها فهی للأحزان تنفیس و للأشجان مغناطیس ان جرت محالها بالماء أجرت الدمع کالدماء و إن أسمعت غناءها جددت للنفس عنائها فهی منبع الشجو و الغرام و مجمع اللهو و المرام.
أبدا هکذا تأن بشجوو علی إلفها تدور و تبکی
أو هی کما قال:
و سانیة کانت غصونّا و ریقةتمیس فلما فرقتها ید الدهر
غدت فی ریاض الجزع تبکی و تشتکی‌بدمع علی أیام عهد الصبا یجری
و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 151 یا یومنا بالجزع هل من عودةلیت اللیالی للوصال تعید
فهواک لا یبدو السلو لطیبةو اللّه یبدی ما یشاء و یعید
و قال آخر:
و بالجزع حی کلما عن ذکرهم‌أمات الهوی منی فؤادی و أحیاه
تمنیتهم بالإبرقین و دارهم‌بوادی الفضا یا بعد ما أتمناه
و قال:
و بالجانب القبلی بالجزع شادن‌له من فؤادی نائب و شفیع
إذا خطرت فی خاطری منه سلوةتعرض شوق دونها و ولوع
و قال:
عسی بالجانب القبلی یسری نسیمه من الروض بالعرف الذی کتب أغرنی
فما اعتضت عن تلک الربی غیر حسرةعلیها و دمع یستهل و یذرف
و قال:
أهیل الحمی و الجزع یهنیکم المغنی‌و صوت القماری و الهزار إذا غنی
بعدتم فأبعدتم عن النفس أنسهاکأن الهنا لفظ و أنتم له معنی
و من غرامیات الشاب الظریف:
عفی اللّه عن قوم عفا الصبر عنهم‌فلو رمت ذکری غیرهم خاننی الفم
و بالجزع أحباب إذا ما ذکرتهم‌شرفت بدمع فی أواخره دم
تجنوا کأن لا ود بینی و بینهم‌قدیمّا و حتی ما کأنهم هم
و مشبوب ناری و جنة و جنایةتعلمه إعطافه کیف یظلم
ألم و ما فی الرکب منا متیم‌و عاد و ما فی الرکب إلا متیم
و لیس الهوی إلا التفاتة طامح‌یروق لعینیه الجمال المنعم
خلیلی ما القلب هاجت شجونه‌و غادره داء من الشوق مؤلم
أظن دیار الحی منا قریبةو إلا فمنها نسمة تتنسم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 152
و لله در القائل:
لا تلتفت بالله یا ناظری‌لأهیف کالغصن الناضر
ما السرب ما البان و ما لعلع‌ما الخیف ما ظبی بنی عامر
یا قلب فاصرف عنک و هم النقاو خل عن سرب حمی حاجر
[جمال من سمیئة دائرما حاجة العاقل فی الداثر]
و إنما مطلبه فی الذی‌هام الوری فی حسنه الباهر
أصبحت فیه مغرما حائرالله در المغرم الحائر
أنشد لنفسه أبو البرکات السعدی:
و کم رمت کتم الحب عمن أحبه‌و کیف یکتم الحب عن ساکن القلب
إذا اختلج النبر المصون بخاطری‌تقلب منی القلب جنبّا إلی جنب
فتبدو و لا تبدو سرائر لوعتی‌و تخفی و لا تخفی و فی الحال ما ینبی
و قال الشیخ حسن البورینی:
تعشقت منه حالة لست قادراعلی وصفها إذا لم یذقها سوی قلبی
تیقنت أنی فیه أصبحت مغرماو لکنی لم أدر ما سبب الحب
و من أشعار کتاب مصارع العشاق:
و لقد أقول لمن تعشق أغیداأو غادة و غدا أسیر وثاق
ما مذهبی عشق الجمال مقیدابل عشقه دینی علی الاطلاق
و فی المعنی للصیفی الحلی:
و لقد تعرض للمحبة معشرعدموا من اللذات ما أنا واجد
قالوا أ تعشق رب کلا ملاحةفأجبتهم أن المحرک واحد
الحسن حیث وجدته فی حیزهولی بإسباب الصبابة قائد
و قال الشیخ الشتستری:
أیا ساهیّا دع عنک رملة عالج‌و نجدّا و لا تندب اراکا و لا خطّا
و کن قاصدا للحق تحظ بنیله‌فما ثم إلا الحق لکنه غطا
فائدة: الجزع بالکسر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 153
و قال أبو عبیدة: اللائق به أن یکون مفتوحا منعصف الوادی و وسطه أو منقطعه أو منحناه، أو لا یسمی جزعا حتی تکون له سعة تنبت الشجر أو هو مکان بالوادی لا شجر فیه، و ربما کان رملا، و محلة القوم، و المشرف من الأرض إلی جنبه طمأنینة جزع الأرض و الوادی، کمنع قطعة أو عرضا، و الجزع و یکسر الخرز الیمانی الصینی، فیه بیاض و سواد، تشبه به العین، و التختم به یورث الهم و الحزن و الأحلام المفزعة و مخاصمة الناس کذا فی القاموس .
و ما أحسن ما قال:
ألا إن وادی الجزع أضحی ترابه‌من اللمس کافورّا و أعواده ندا
و ما ذاک إلا أن علیا عشیةتمشت و جرت فی جوانبه بردا
و یطلق الجزع بالکسر الیوم علی مواضع بالمدینة المنورة أشهرها جزع قباء و ما فی غربی قباء، و قبلتها من الآبار فماؤه أعذب أمواء المدینة المنورة فائدة الماء همزیة عن الهاء و هو جوهر لطیف سیال یتلون بلون آنائه، و فی شرح الهمزیة لابن حجر قیل لا لون له و إنما یتکیف بلون مقابلة و الحق خلافه فقیل أبیض و قیل أسود و الأسودان التمر و الماء.
و ما أحسن ما قال:
فی خده عرق بداذا حمرة لصفائه
هذا یحقق قولهم‌الماء لون إنائه
قال البصیر فی التذکرة، الماء اجل العناصر البدنیة بعد الهواء علی الأصح لبقاء البدن بدونه أکثر من بقائه بدون الهواء و تختلف باختلاف الأصل و السن و المزاج و الزمان، أجوده الخالص من ماء المطر القاطر وقت صفاء الجو و لم یخالطه مکدر فالجاری مکشوفا من البعد فی أرض حرة أو حجر إلی الشرق أو الشمال النقی الأحجار المهری لما طبخ فیه بسرعة الخفیف الوزن و نیل مصر أجمع لهذه الصفات ثم دجلة ثم جیحون فالمطر فالمطبوخ فماء العین المستعمل فالبئر و کل ما تحرک أو جری فجید، و الصحیح عدم اختصاصه بدرجة فی البرودة، یبلغ القداء أقصی الأعماق لأنه غذاء علی الصحیح لعدم انعقاده، حافظ للرطوبات الإفراط منه یرخی و یعد و یهزل، کما أن ترکه یجفف و یورث السدد. و الجاری منه مغمورا أو فی رصاص، و طویل المکث و المکبرت
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 154
و المجاور للرمل و التراب و أصول الشجر و الحشائش ردی یعفن الأخلاط، و غدیر المطر إذ صفته الریاح جید جدا ینفع المجرور و المکدود، و الکبریتی یعقب الحکة و الجرب شربا و یمنع منهما غسلا کمالح و زاجی، و ماء الشب یقبض و یمنع تولد القمل غسلا و ماء الحدید سواء أخذ من معدنه أو طفی فیه یقوی الأعضاء و یحبس الاسهال و الدم و یمنع الخفقان و الزحیر، و أما ماء الذهب و الفضة أعظم فیما ذکر خصوصا بالطفی، و ماء النحاس مضر و أخبث منه ماء الرصاص و لا بأس بماء القصدیر. و للماء الصحیح لذة و دخل فی تدبیر الصحة إذا استعمل بشروطه فهو لا یؤخذ قبل هضم فإنه مفسد للأغذیة مبرد للمعدة، مصعد للأبخرة، و أن لا یستعمل الفاسد منه بلا مصلح، کأکل البصل قبله و بعده و مزجه بالخل و أن یکون بداعیة صادقة فما شرب قبل خمس عشر درجة تمضی من الأکل الصفراوی و ضعفها لدموی، و خمسة و أربعین لسوداوی و ستین لبلغمی کاذب لاعتداد به، شدید النکایة و لا بعد فاکهة فإنه یفسد الدم و لا بعد حمام و جماع فإنه یورث الرعشة و الخدر و لا نوم لمن نام و لم یأخذ کفایته منه ، و لا قائما و لا متکئا و الحار یفسد و لا یروی بل یغیر اللون، و الثلج و البرد أقل رطوبة من باقی المیاه و یأخذه العطشان قبل الأکل و فی خلاله جائز بقدر الداعی، و لا یجوز علی الریق إلا صیفا أو زمن الطاعون انتهی.
و یروی انه علیه الصلاة و السلام أکل طعامّا و شرب ماء باردا فی الصیف و قال یا بردها علی الکبد ، حکاه فی کتاب البرکة. و عنه علیه الصلاة و السلام إذا شرب أحدکم الماء فلیشرب أبرد ما یقدر علیه لأنه أطفی للمرة و أنفع للغلة . و کان یأکل البرد و یقول یقتل الدود فی الإنسان، و عنه علیه الصلاة و السلام الشرب فی اثر الدسم داء فی البطن . و یقال ان وجع الکبد من العب و هو جرع الماء من غیر مص. و شرب علیه الصلاة فی نفسین. و روی عنه علیه الصلاة و السلام من شرب الماء علی الریق انتقضت قوته . و عن الإمام جعفر الصادق رضی اللّه عنه من شرب الماء باللیل و قال
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 155
ثلاثا علیک السلام من ماء زمزم و ماء الفرات؛ لم یضره و عن الباقر رضی اللّه تعالی عنه شرب الماء من قیام بالنهار أمری و أصح و باللیل یورث الماء الأصفر. کذا فی مکارم الأخلاق.
و أنشد الحافظ ابن حجر العسقلانی:
إذا رمت شربا فاقعد تفزبسنة صفوة أهل الحجاز
و قد صححوا شربه قائماو لکنه لبیان الجواز
تتمیم اجتمع عند کسری من الحکماء عراقی و رومی و هندی و سوادی فقال کسری لیصف کل منکم الدواء الذی لا داء معه فقال العراقی هو ان تشرب کل یوم علی الریق ثلث جرع من الماء الساخن، و قال الرومی هو أن یسف کل یوم قلیلا من حب الرشاد و قال الهندی هو أن تأکل کل یوم ثلاث حبات من الاهلیلج الأسود و السوادی ساکت و کان أصغرهم و أحدقهم.
و کان یقال:
علیکم بآراء الشباب فإنهافروع ذکاء لم تنل قدم العهد
فقال له الملک ألا تتکلم فقال أید اللّه الملک، الماء الساخن یذیب شحم الکلا و یرخی المعدة و حب الرشاد یهیج الصفرا، و الاهلیلج الأسود یحرک السودا، قال فما الذی تقول أنت فقال الدواء الذی لا داء معه أن لا تأکل حتی تجوع و لا تشرب حتی تظمأ فإذا أکلت أو شربت فارفع یدک عند الشبع و اقطع شربک قبل الری فإنک لا تشکو إلا علة الموت، فصدقه کل منهم فیما ادعاه، و کان یقال الاحتماء فی وقت الصحة خیر من شرب الأدویة وقت المرض. و کان یقال الطب حفظ صحة موجودة أورد صحة مفقودة، الأول متیسر و الثانی متعسر أو متعذر و من المجربات درهم مستکا یطبخ فی رخل ماء صاف فی فخار جدید إلی أن یذهب ثلثه للاستسقاء و القی‌ء و الغثیان و الزحیر و یقوی الهضم، و یجدد الفخار فی کل مرة و یذلها الأذخر و تعدیله الجوز کذا فی التذکرة. و قد طال الکلام و خرج عن سلک النظام و لربما ساق المحدث بعض ما لیس الندیم إلیه بالمحتاج و هذا و ان کان من قبیل الجمل المعترضة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 156
ینبغی أن یکون من حشو اللوزبنج. فإن الحاجة إلیه ماسة و بمراعاة مثل ذلک سلامة الحاسة و ذلک من أعز مطالب العقول کما هو مسطور منقول.
تسل عن کل شی‌ء بالحیاة فقدیهون عند بقاء الجوهر العرض
یعوض اللّه عما أنت متلفه‌و لیس للنفس إن أتلفتها عوض
و من محاسن حدائق قباء الصمد، و حوسان، و الجعفریة و کانت غرة فی جبهة هاتیک الأماکن، إلا إنها قد ذهبت بهجتها و أخلفت دیباجتها، و بقایا رسومها تشهد لها بالنضارة السابقة و العمارة الفائقة.
کفی أسفا بالواله الصب أن یری‌منازل من یهوی علی غیر ما یهوی
و لو لا غرام لی بطیبة لم أکن‌أذل لمن یسوی و من لم یکن یسوی
و قال آخر:
منزل حقه علی قدیم‌من زمان الصبا و عصر البطالة
أنا أدری به و إن کنت فیه‌سائلا عنه أقتفی أطلاله
و محال من المحیل جواب‌غیر أن الوقوف فیه غلاله
و لله در القائل:
قف نسأل الطلل الذی لا یعلم‌و قلوبنا فی رسمه تتکلم
و أها له طللا برامة بینماهو بالحیاء منهن إذا هو معدم
و علی البلی فقد یروق کأنماقطع الغمام علیه برد معلم
و من أعمال قباء العصب بضم أوله و فتح ثانیه واد فی حرتها الغربیة، واد علیه للمحاسن رونق و به طیور طاب عیش ندیمها و قد اشتملت العصب علی حدائق ذات بهجة من أحسنها سلطانة، و هی حدیقة حسنة الترتیب، بدیعة الوضع العجیب کثیرة النخل الباسق و الشجر المتناسق ذات بناء شدید و إیوان مشید و برکة وسیعة و أوضاع حسنة بدیعة، و بئر شمیلة بضم الشین المعجمة و هی روض فسیح الجنان مخضرة الأرجاء و الرحاب بها الأشجار المؤتلفة و الأزهار المختلفة و العمارة الحسنة و النضارة المستحسنة، و الماء العذب و الهواء الرطب فلا زالت کذلک، روضة من هاتیک المسالک و قطعة ریحان السفری و هی حدیقة لطیفة و فیها حصن قدیم قال فی زهر الریاض، العصب فی غربی قباء بها النخیل و البساتین المعتبرة، ابتکر عمارتها السید أحمد بن
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 157
سعد نقیب السادة الأشراف، و بعض بنی السفر و فیها مسجد التوبة صلی فیه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه . قلت و قد اندرس هذا المسجد بحیث لم یبق له أثر، و لم یکن له عند أحد من أهل المدینة خبر، و لم تزل الآثار تعفو رسومها، و تحدث من بعد الأمور أمور.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 158

باب [فی ذکر العالیة، و ریاضها الفائق نشرها علی العبیر و الغالبة]

فی ذکر العالیة، و ریاضها الفائق نشرها علی العبیر و الغالبة، و فیه ذکر جفاف و قربان و محاسنهما السائرة بهما الرکبان، ان الحقائق فی الحدائق قد بدت، فاجنوا بها الثمرات من أشجارها. قال فی الوفاء العالیة من المدینة، ما کان فی جهة قبلتها من قباء و غیرها علی میل فأکثر، و أقصاها عمارة علی ثلاثة أمیال و أربعة إلی ثمانیة أو ستة علی الخلاف فی ذلک انتهی. و وجه التسمیة جلی، و ذلک لأن السیول تنخر من تلک النواحی العالیة إلی سوافل المدینة، فعلی ذلک یقال نزلنا من العوالی إلی المدینة، و طلعنا من المدینة إلی العوالی، و لا عبرة بمن یقول لا یقال نزلنا المدینة لأنها محل الطلوع لأن ذلک من الأدب المولد المستبرد، فإن اللّه تعالی یقول «رَبِّ أَنْزِلْنِی مُنْزَلًا مُبارَکاً» و بملاحظة ذلک ساغ لمن کان فی السوافل أن یقول نزلت المدینة و علیه عمل أهلها، و تطلق الحدائق علی ما فی العالیة من البساتین و العوالی علی القریة فقط و بالجملة فإن العالیة ریاض مخضلة الربا و غیاض معتلة الصبا بها النخیل الباسقة و الأشجار المتناسقة و الأغصان التی تتناوح علیها الأطیار و تتباکی فی روضها الأمطار.
مهما اتجهت رأیت روضا ماؤه‌متسلسل یعلو علیه و یخفق
الریح یکتب و الجداول أسطرخط له نسج الغمام محقق
و الطیر یقرأ و النسیم مرددو الغصن یرقص و الغدیر یصفق
و معاطف الأغصان هزتها الصباطربا فذا عار و هذا مورق
و هزاره یصبو إلی شحرورةو یجاوب القمری فیه مطوق
یتلو علی الأغصان أخبار الهوی‌فیکاد صامت کل شی‌ء ینطق
و الورق فی الأوراق یشبه شجوها شجوی و أین من الخلی الموثق
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 159
و قال آخر:
منازل أحبابی و مربی عشیرتی‌و أوطان أوطاری و رضی سخطی
لویت عنانی فی حماها عن اللوی و همت بها لا بالمحصب و السقط
و لذ عناق الفقر لی بغنائهاو فی غیرها لم أرض بالملک و الرهط
سقی سفحها إن قل دمعی سحابةمکللة بالقطر منهلة النقط
و یا أسطر النبت التی قد تسلسلت‌بصفحتها لا زالت واضحة الخط
و لا زال ذلک الروض بالطل معجماو من شکل أنواع المسرة فی ضبط
و قال و لله دره:
سقی اللّه فی أرض العوالی منازلها قطعت بها دهر الربذا من العمر
درت أننی قد حببتها متنزهافمدت لتلقانی بساطّا من الزهر
و فیها لقد رق النسیم و حیثماذهبت وجدت الماء فی خدمتی یجری
و قلت أنا فی ذلک و إن لم أکن هنالک:
نشأت بفضل اللّه فی ظل دوحة سمت بنبی کنت من بعض عترته
فإن شئت فی صفح العوالی و إثباتابدار الذی طابت و طالت بهجرته
فهاتیک دار الحبیب و هذه‌بها منن هی یا صاح من حول حجرته
و قلت فی تفضیل العالیة و فیه نظر:
فضل العوالی بین و لأهلهافضل قدیم نوره یتهلل
من لم یقل أن الفضیلة طنبت‌أرض العوالی و هو حق یقبل
إنی قضیت بفضلها و أقول فی‌وادی قبا الفضل الذی لا یجهل
و قلت فی تقسیم الشوق:
إذا کنت فی أرض العوالی تشوقت‌لأرض قبا نفسی و فیها المؤمل
و لو کنت فیها قالت النفس لیت لی‌بأرض العوالی یا خلیلی منزل
فیا لیت أنی کنت شخصین فیهماو ما لیت فی التحقیق إلا تعلل
و قلت بلسان حال الأحوال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 160 أراک تغالی فی العوالی و فی قباو أنت علی وهم الخیال تعول
إنی کم تکن تهوی الذی أنت سائرإلی غیره إذ أنت عنه تحول
فکن سائرا فی لا مقام فإنماتقلب من شأن لسان و ترحل
و من محاسن حدائق العالیة سمیحة بضم أوله، قال فی الوفاء، بئر سمیحة بئر بالمدینة علیها نخل لعبید اللّه بن موسی.
قال کثیر عزة:
کأن دموع العین لما تحللت‌محارم بیضا من تمنی جمالها
قبلن غروبا من سمیحة اترعت‌بهن السوانی و استدار محالها
(القابل الذی یلتقی الدلو تخرج من البئر فیصبها فی الحوض) ، و قد غرس بعض أهل المدینة الیوم علی سمیحة هذه حدیقة، فصارت من أحسن الحدائق. انتهی.
(و ماء هذه البئر من أحسن) میاه ذلک الجزع و إن لم یکن بالعذب الخالص.
و أنشدوا:
و فی مائها قد قیل بعض ملوحةو منها میاه العین أحلی و أملح
فقلت لهم قلبی یراها ملاحةفلا برحت تحلو لقلبی و تملح
و من أحسن المیاه هنالک بئر النصیری بضم أولها، و علیها حدیقة غناء، و من أحسن حدائق العالیة الدویمة و الشجیرة و الفقیر بالتصغیر، و مغلة بصیغة اسم الفاعل، و البوعی و فی قبلته مسجد بنی قریظة بضم القاف، و هو عشرون ذراعّا فی مثلها، و حوله حدائق و بساتین و مزارع و فی الجهة الشامیة منه المشربة روی عنه علیه الصلاة و السلام أنه صلی فی مشربة أم إبراهیم ، و هی أکمة بین النخیل قد حوط حوله بلبن، و المشربة البستان، قیل کان بستانا لماریة القبطیة.
و فی الصحاح المشربة بالفتح، الغرفة، و کذلک المشربة بضم الراء، و المشارب العالی قال فی الجوهر المنظم، المشربة ولدت فیها ماریة إبراهیم بن رسول اللّه صلی اللّه تعالی علیه و سلم و موضعه الیوم مسجد، و هو أربعة عشر ذراعا، فی مثلها. انتهی.
و عندها حدائق من أحسنها المرجانیة و المالکی و أم غانم.
حدائق أنبتت فیها الغوادی‌ضروب النور رائقة البهاء
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 161 فما یبدو بها النعمان إلانسبناه إلی ماء السماء
و من أحسن حدائق العالیة الدوار، بضم أوله و تشدید الواو، و المسماریة و ما حولها و البغوة، فإن فیها البغیة.
فائدة قال فی الوفاء، زهرة بالضم ثم السکون، بین الحرة الشرقیة، و السافلة مما یلی القف، کانت من أعظم قری المدینة، و کان بها ثلاثمائة صانع، و هی مما یلی العالیة بالقرب من الصافیة و فی الدور الثمینة.
القف بالضم و التشدید، و أصله ما ارتفع من الأرض و غلظ، و کان فیه إشراف علی ماء حوله، و أحجار کالإبل البروک، و هو علم بواد بالمدینة عند المشربة و به حسنا، و أما جفاف فهو واد طاب روح نسیمه، و صح مزاج اقلیمه ریاضه زاهرة و حیاضه باهرة، و نخیله باسقة و أشجاره متناسقة.
واد حریری الریاض فکم به‌من حارث یغدو به همام
ممتد أردیة الظلال فروضه‌باکی العیون و ثغره بسام
أو هو کما قال:
منزل طیب و ماء معین‌و ثری أرضه یفوح عبیرّا
و إذا المرء قدر السیر منه‌فهو ینهاه بإسمه أن یسیرا
فلا زال کذلک و لا برحت معمورة بعمارته هاتیک المسالک، قال فی زهر الریاض جفاف بالکسر و فائین، جهة من العالیة به الحدائق الحسنة و المنتزهات البهیة المستحسنة و من حق تلک المنازل و الربوع، ان تکتب تراجمها باللجین أو بالدموع، و فیها قلت متذکر السالف العیش الطیب، فلا زالت بها شاء ابیب الغیث الصیب.
سقی اللّه فی وادی جفاف بنائلالهن جفاء رائق اللون و الحسن
بران علی ساقی النشیر ثوابت و أخری مع الأعناب فی ساحة العهن
و قال آخر:
جفاف بوادیها ریاض نواضربها ینجلی عن قلب ناظرها الهم
علی نفسه فلیبک من ضاع عمره‌و لیس له منها نصیب و لا سهم
و قال: الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص161
فی زمان الربیع أهل جفاف‌فی نعیم إذ تزهر الأزهار
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 162 فی قصور وسط الجنان تراهاو هی تجری من تحتها الأنهار
و قلت:
تحن إلی وادی جفاف جوانحی‌و إن کان ممن قل فیه نصیبی
و إنی لأهوی الجزع و هو ممتع‌و من لی بجزع فی رباه حبیبی
و قال:
عرج رکابک عن جفاف إنهاواد تذل له الرقاب و تخضع
فی کل أفق من بدیع ریاضه‌قمر یغیب و ألف بدر یطلع
و قال:
یا سائرّا و الریح یعثر دونه‌و البرق یبسم أدبه یتألق
[إن جئت من وادی] جفاف منزلالی نحوه حتی الممات تشوق
و رأیت فی الروض المفوق اغیدافی الکون مثل جماله لا یخلق
بلغ منازله التحیة إننی‌أبدا بحسن بهائها أتشوق
و من أحسن حدائق جفاف الحمرة، و النواعم، فإنها من أعظم حدائق ذلک الوادی و أکرم بساتین ذلک النادی، و هی القائل فیها بعض واصفیها.
عیون المها بین النواعم لو تدری‌جلبن الهوی من حیث أدری و لا أدری
فیا ساکنی أکناف طیبة ماؤکم‌إذا ذقته ذقت الرحیق من السکری
و لو لا بقایا طعمه فی مذاقتی‌لما ظهرت هذی الحلاوة فی شعری
فواها علی سکنی النواعم دائماخلافا لمن قال آها علی مصر
فکم مر بی فیها حلاوة لیلةفکانت شبیه الخال فی و جنة الدهر
و فی غیرها کم کنت أقضی لیالیاتمر بلا نفع و تحسب من عمری
و قال آخر:
وجوه فی النواعم إن تبدت‌یقول الصب قد حصل المرام
وجوه لا تزال تضی‌ء حسنالمثل جمالها خلق الغرام
و من أحسن حدائق جفاف العهن، و هو أحد الآبار السبعة کما تقدم، و العهین بالتصغیر و النشیر، و هو روض تغنت أطیاره فتمایلت طربا أشجاره.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 163 إذا تکسر ماؤه أبصرته‌فی الحال بین ریاضه یتشعب
و فیه إیوان مشید البنا و برکة متسعة حسناء فی روضة تروق أعین البشر قد تناسق فیها الشجر، و سجع علی افنانها القمری من علی جداول کاللجین تجری.
و سانیة حنت و أنت و قد غدت‌تعبر عن حال المشوق و تعرب
ترقص عطف الغصن تیها لأنهاتغنی له طول الزمان و یشرب
و قال ابن تمیم:
و برکة ماء یملأ العین صفوهایخف بها روض من الغیث مزهر
و یسرح منها فی الخمائل جدول‌کما سل من درع حسام مجوهر
و قال:
و حدیقة ینساب فیها جدول‌طرفی برونق حسنها مدهوش
یبدو أخیال غصونها فی مائه‌فکأنما هو معصم منقوش
و لقد أحسن التخیل من قال:
کأنما الماء و قد جفت به‌أشجاره و صافحته الألسن
مرآة غید قد وقفن حولهاینظرن فیها أیهن أحسن
و قال القیراطی:
سقی اللّه بستانا حللنا بدوحه‌و قد مالت الأغصان من کثرة الشرب
تراقصت الأغصان فیه و نقطت‌مغانی الریاض السحب باللؤلؤ الرطب
و قال البدر الذهبی:
لله روض فائح نشرهاقد تمنعت أردائها السحب
الطیر فیها شیق مغرم‌و جدول الماء بها صب
و قال ابن الوکیل:
تغنت فی دوی الأوراق ورق[ففی الأفنان من طرب فتون]
فکم بسمت ثغور الزهر عجبّاو بالأکمام کم کم رقصت غصون
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 164
و قال:
و رب حمامة فی الدوح صارت[تجید النوح فنا بعد فن]
أقاسمها الهوی مهما اجتمعنافمنها النوح و العبرات منی
و قال الصفدی:
لا تقیسوا بی الحمامة حزناأنا فضلی تدری به العشاق
أنا أملی الغرام علی ظهر قلب‌و هی تملی و حولها الأوراق
و قال ابن لؤلؤ:
[و رقاء قد أخذت فنون الحزن عن‌یعقوب و الألحان عن اسحاق
قامت تطارحنی الغرام جهالةمن دون صحبی باللوی و رفاق
و أنا الذی أملی الجوی عن خاطری‌و هی التی تملی عن الأوراق
و قال آخر:
یا طالما سجعت و هنا بذی سلم‌و رقاء تعجم شکواها فأفهمه]
و تنثنی نسمات الغور حاکیةعلم الفریق فأدری ما تترجمه
و قال الأزدی و أجاد:
لأمر ما بکیت و هاج شوقی[و قد سجعت علی الأیک الحمام]
[لأن بیاضها کبیاض شیبی] فمنعنی نوحها قرب الحمام
و من سحریات الریاض:
إذا هبت نسیم الروض لیلاعلیک و أنت فی بعض الحدائق
و وافق أن یکون البدر صاح‌و عندک شادن کالبدر فائق
لطیف کامل فی الحسن فردعطیر طیبة من کل فاتق
و کان مع السوانی صوت قمری‌یغنی فی الهوی حسن الطرائق
و صوت الماء یسکب فی الجوابی‌یفوق بصوبه صوب الغدائق
ورن الطیر حتی کاد یزری‌بأوتار علیها الدق رائق
و فاح لکل ریحان شداه‌و راح به مع الأریاح عائق
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 165 و سار البدر مرتحلا سحیراو نادی الثریا أنت طالق
و جاء الصبح یسعی فی إنطلاق‌و أذن فجره سبحان خالق
و أصبحت الزهور علی کمام‌تحاکی فی النضارة کل شارق
و قد أصبحت فی خیر و برمعافی آمنا من کل عائق
فذاک العیش عیش أولی التصافی‌و أرباب اللطائف و الحقائق
فدونک فاغتنم صفوا و حافظعلی شکر العطا إن کنت حاذق
و من ذلک من هذه المسالک:
إذا أصبح الجو زاه و قدتحجبت الشمس خلف الحجاب
ورق النسیم و أرخی الندی‌کواکب طل تزین الرحاب
فکن من بنی الوقت و احرص علی‌ندیم أدیب و طی الجناب
و خل ملیح لطیف طریف‌یعانی الملاهی و یهوی الحباب
و حاد یجود علی کل عودبلحن الأغانی و شجو الشباب
یزین المقام إذا ما استقام لصوغ القوافی و جر الرباب
و کن فی البساتین و اطرح بهاهمومک و اجعل علیها التراب
و إن اسبل الغیث اذیاله‌فذالک لا شک یوم الشراب
و ذلک یوم یزید الهناءو یطوی بها الهم طی الکتاب
فخذ نصح صب خبیر بمایقول فقد قال راعی اللباب
و لا تمنع البسط أوقاته‌فیشهر فی ذاک سیف العتاب
و لقد أبلغ الواعظ بقوله:
لقد کادت الدنیا تقول لأهلهامشافهة لو أنها تتکلم
خذوا بنصیب من نعیم و لذةفکل و إن طال المدی ینصرم
و لا تترکوا یوم السرور إلی غدفرب غد یأتی بما لیس تعلم
إلا أن أهنی العیش ما سمحت به‌صروف اللیالی و الحوادث نوم
[و أصل ذلک] قوله تعالی: وَ لا تَنْسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنْیا وَ أَحْسِنْ کَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَیْکَ [القصص: 77].
و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 166 إذا أمکنت مع عفة النفس لذةفخذها و لا تنسی النصیب من الدنیا
و لله در القائل:
علیک بساعات السرور فإنهاهبات زمان راجع فی هباته
و خذ ما أتی مما تری من مسرةو صل خیر هذا الدهر فی غفلاته
فإن صحیح الرأی من کان همه‌و مسعاه فی تحصیل لذات ذاته
و من محاسن جفاف، أم عشرة، واد فی قبلی جفاف، تبقی فیه غدران من الأمطار و من سیل أبی جیدة، و تجری منه جداول إلی؟؟؟ مزارع و حدائق؟؟؟ هنالک منها، فتجد به النفوس راحة و مسرة و یسعی إلی التنزه فیه من من اللّه تعالی علیه بسعة من الرزق و المبرة و بالجملة فإنه من المواضع الشهیة الرائقة و المرابع البهیة الفائقة لا سیما إذا اخضرت أکنافه و تزینت بالزهور أطرافه و سلم قاصده من مشاغبة الدیون و مراقبة العیون، و هیهات و هیهات أن تمر إلا بمقتضی أحوالها الأوقات و علی ذکر الجداول.
فما ألطف قول ابن تمیم:
یا حسنة من جدول متدفق‌یلهی برونق حسنه من ابصرا
ما زلت انذره عیونا حوله‌خوفا علیه أن یصاب فیعثرا
فأبی و زاد تمادیا فی جریه‌حتی جری من شاهق فتکسرا
و قال آخر:
کأن المیاه خلال الریاض‌و أعین أزهارها ناضرة
سماء تقطع فیها الغمام‌فلاحت به الأنجم الزاهرة
و من الزهریات:
انظر إلی الأشجار تلق غصونهاشابت و طفل ثمارها ما أدرکا
و عبیرها قد ضاع من أکمامهاو غدا بأذیال الصبا متمسکا
و قال آخر:
أنظر إلی الأغصان کیف تمایلت‌و تفارقت بعد التعانق رجعا
کالصب حاول قبلة من إلفه‌و رأی المراقب فانثنی مترجعا
و قال آخر:
أقول و طرف الرجس الغض شاخص‌إلی و للنمام حولی المام
أیا رب حتی فی الحدائق أعین‌علینا و حتی فی الریاحین نمام
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 167
و أما قربان فهو اسم رجل کانت له بئر علیها حدیقة، و عندها عمارة فی شرقی مسجد الشمس إلی جانب الشمال یفصل بینهما سیل أبی جیدة سمی باسمه ذلک الموضع و صار علما بالغلبة علی تلک الناحیة و کثرت فیه العمارات، و سکانه أهل خیر و معروف.
قال الشاعر:
من سره رطب و ماء باردفلیأت أهل الخیر من قربان
و ما أحسن ما قال (ظل بارد، و رطب طیب و ماء بارد) .
نحن جیران أحمد قد أقمنافی ریاض قد طاب فیها المقیل
ماؤنا بارد و أضحی لدینارطب طیب و ظل ظلیل
و عنه علیه الصلاة و السلام ثلاث لا یسأل اللّه تعالی عنها العبد یوم القیامة، ما یواری به عورته، و ما یقیم به صلبه، و ما یکنه من الحسر و القد و هو مسؤول بعد ذلک عن کل نعمة ، و روی عن الحسن عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال «ما أنعم اللّه علی العبد من نعمة صغیرة و کبیرة فیقول علیها الحمد للّه إلا أعطاه اللّه خیرا مما أخذه و عنه علیه الصلاة و السلام أنه قال، عن السؤال عن النعیم و إنما ذلک للکفار ثم تلا و هل یجازی إلا الکفور ، و عن الباقر رضی اللّه تعالی عنه، أن النعیم العافیة و عنه أن اللّه تعالی أکرم من أن یطعم عبدا أو یسقیه ثم یسأله عنه و إنما النعیم الذی یسأل عنه هو رسول اللّه صلی اللّه تعالی علیه و سلم أما سمعت قوله تعالی لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ حکاه النیسابوری فی تفسیره و أما مسجد الشمس و یعرف بمسجد الفضیخ و هو علی نحو نصف میل من مسجد قباء من الجهة الشرقیة و هو مبنی بأحجار علی نشر من الأرض و عند بئر لها درج إلی الماء، و قد صلی النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی هذا المسجد قال فی الجوهر المنظم مسجد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 168
الفضیخ شرقی قباء علی شفیر الوادی أحد عشر ذراعا فی مثلها سمی بذلک، لأن أبا أیوب و من معه کانوا یشربون به الفضیخ، فجاءهم الخبر بتحریمها قبل العلم بنجاستها انتهی و قیل غیر ذلک. باب فی ذکر القبلتین و محاسن الجرف و البرکتین.
مخیم لذاتی و شوقی مأربی‌و قبلة آمالی و موطن صبوتی
رعی اللّه أیاما بظل جنابهاسرقت بها فی غفلة البین لذتی
مسجد القبلتین لبنی سواد بن سلمة، و الأرجح أن تحویل القبلة کان و هو صلی اللّه تعالی علیه و سلم یصلی به الظهر بعد ما صلی رکعتین، و کان جاء لزیارة امرأة من بنی سلمة، فصنعت له طعاما ، و قیل لم یکن معهم، بل أخبروا فاستداروا و تورع بأن مسجد قباء کان أولی بهذه التسمیة لوقوع ذلک فیه و قال کثیر من أهل العلم مسجد القبلتین حولت فیه القبلتین من بیت المقدس إلی الکعبة و قد صلی فیه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه رکعتین من الظهر فأمر أن یتوجه إلی الکعبة فاستداروا، و استقبل المیزاب و ذلک لستة أشهر من الهجرة فی نصف رجب و قال بن النجار فی الدرة الثمینة و صلی النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی مسجده متوجها إلی بیت المقدس ستة عشر شهرا ثم أمر بالتحول إلی الکعبة فأقام رهطا علی زوایا المسجد لیعدل القبلة فأتاه جبریل علیه السلام فقال یا رسول اللّه ضع القبلة و أنت تنظر إلی الکعبة ثم قال بیده هکذا فأماط کل جبل بینه و بین القبلة فوضع القبلة و هو ینظر إلی الکعبة لا یحول دون نظره شی‌ء و صارت قبلته إلی المیزاب و عن سعید بن المسیب قال حولت القبلة بعد الهجرة بستة عشر شهرا قبل بدر بشهرین فی مسجد بن سلمة الذی یقال له مسجد القبلتین و کان فیه رسول اللّه صلی اللّه تعالی و سلم علیه إذ ذاک فی صلاة الظهر عند دار أم بشیر و قیل کان ذلک فی مسجده فی صلاة العصر یوم الإثنین فی النصف من رجب علی رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة انتهی و تعرف جهة هذا المسجد بالقاع و هو طرف وادی العقیق و إلی جانب المسجد من شرقیه حدیقة غناء مشتملة علی عمارات بدیعة رینعت فی أرجائها الأشجار و تغنت علی أغصانها الأطیار فما أحلاها و قد حفت بها الأزهار، و هبت علیها نسمات الأشجار و هی من أوقاف یوسف الرومی و إلی جانبها حدیقة لطیفة یقال لها عقاب و حول هذا المسجد آبار، و مزارع یعرف بالعنابس
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 169
من أحسنها وزیرة و سلطانة و أما الجرف بضمتین و تسکین الراء فهو علی ثلاثة أمیال من المدینة و هو قاع فسیح و منتزه ملیح و یشتمل علی آبار و مزارع، و حدائق من أحسنها حدیقة الحاکم، و حدیقة الأمیر و النائبیة و ما حولها و فی الجانب الغربی من الجرف مزارع تسمی العرض بالکسر أو هی الجرف أو کل واد فیه شجر فهو عرض، قال یحیی بن أبی طالب:
و لست أری عیشا یطیب مع النوی‌و لکنه بالعرض کان یطیب
و أنشدوا:
انظر إلی الجرف البدیع ریاضةو الشمس کادت بالحجاب توارا
صبغ الأصیل حباله فکأنهاأطواد بئر تخطف الأبصارا
و من محاسن الجرف سیل العقیق، و فی الصحیح لا یدخلها الطاعون و لا الدجال «یأتی سبخة الجرف فیخرج إلیه کل کافر و منافق و لها یومئذ سبعة أبواب، و فیه أن سبخة الجرف لیست من المدینة و فیه نظر و تأمل و أما البرکتین بالیاء فی الأحوال الثلاث و الأکثر الأفراد فهی نخیل و مزارع تنتهی إلیها العین الزرقا، فی وادی إبراهیم بین غربی أحد و الجرف و تسقی بالساعات من ماء العین و یقال لأولها البرکة الغربیة و لآخرها البرکة البعیدة».
و أنشدوا:
أرأیت وادی البرکتین و ماؤه‌یبدی لناظرک العجیب الأعجبا
یتکسر الماء الزلال علی الحصافإذا غدا بین الریاض تشعبا
و من محاسنها البطحاء و هی مجمع السیول:
فإن النفس تجد إلیها ارتیاحاو تکسب من فضائها أفراحا
و ما أحسن ما قال:
و بطحاء فی واد یروقک لونهاو لا سیما إن جاد غیث مبکر
تلاحظها عین تفیض بأدمع‌یرقرقها منه هنالک محجر
إذا فاخرته الریح ولت علیلةبأذیال کثبان الریا تتعثر
و قال آخر:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 170 کم للنسیم علی الربا من نعمةو فضیلة بین الوری لن تجحدا
ما زارها و شکت إلیه فاقةإلا وهز لها الشمائل بالندا
فوائد و فرائد فی کتاب الفلاحة، النخل أول شجر استقر علی وجه الأرض و عنه علیه الصلاة و السلام، «أکرموا عماتکم النخل» و فی روایة «أکرموا النخلة فإنها عمتکم» و قال الشاعر:
و عماتک النخل کن مثلهابرامی الحجارة ترمی الرطب
و إنما سمیت عمة لأنها خلقت من فضل طینة آدم علیه الصلاة و السلام أو لأنها تشبه الإنسان فی أشیاء کثیرة و جاء أن الکرم و الرمان خلقا أیضا من فضل الطینة و عنه علیه الصلاة و السلام أن من الشجر لما برکته کبرکة المسلم یعنی النخلة و قال نعم المال النخل، الراسخات فی الوحل، الطعمات فی المخل» کذا فی کتاب البرکة» مسألة إذا دام شرب النخلة للماء العذب، و تسقی الماء المالح أو یطرح الملح فی أصولها، فتحسن ثمرتها، و ربما لا تقبل القاح بالطلع فتلقح بروث الحمیر، و یعرض لها أمراض کالإنسان، منها الفم و علاجه ایقاد النار حولها نهارا و منها العشق و علامته میلها إلی أخری، و خفة حملها و هزالها و علاجه أن یشد بینها و بین المعشوقة حبل أو یعلق علیها سعفة من المعشوقة أو یجعل فیها من طلعها و منها منع الحمل و علاجه أن یأخذ فأسا و یدنوا منها و یقول لآخر، أنا أرید أن أقطع هذه النخلة، لأنها لم تحمل فیقول له الآخر لا تفعل فإنها تحمل هذه السنة، فیقول لا بد من قطعها و یضربها ثلاث ضربات فیمسکه الآخر و یقول لا تفعل فإنها تثمر هذه السنة فاصبر علیها و لا تعجل فإن لم تثمر فاقطعها، فإنها فی ذلک العام تثمر ثمرة کثیرة و منها سقوط الثمرة و علاجه أن یأخذ لها منطقة من الاسرب فتکثر ثمرتها و لا تسقط أو یتخذ لها أوتاد، من خشب البلوط و یدقونهم حولها فی الأرض و من عجیب أمرها أنک إذا أخذت، نوی نخلة و غرست منها ألف نخلة، جاءت کل واحدة لا تشبه الأخری، و إذا نقع النوی فی بول بغل و غرس جاء فحولا و إذا نقع فی الماء ثمانیة أیام و غرس جاء بسره کله أحمر و إن نقع فی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 171
بول البقر و جفف ثلاث مرات، و غرس حملت کل نخلة منه مقدار نخلتین و إذا أخذ البسر الأحمر وحشی فی التمر الأصفر و غرس جاء بسره أصفر و بالعکس و کذا النوی المتطاول المدور و کیفیة غرسه أن تجعل أغلاظ أطراف النوی مما یلی الأرض و موضع النقیر إلی القبلة.
فائدة: إذا ظهر بعض عروق النخلة، و قطعت من دونها و غرست فإنها تنبت کأنها ودیة و التی لم یظهر عروقها تضرب أوتاد فی جوانبها و تشبک و یجعل، علیها التراب و الماء إلی أن تضرب عروقها فتقطع من دونها و تغرس فتنبت و تثبت حکی فی کتاب المباهج أنه أهدی لبعض الرؤساء عذق واحد بسرة حمراء و بسرة صفراء و ذکر أن بعض النخل تخرج الطلع فی السنة مرتین و حکی أن بقریة من أعمال بغداد نخلة تخرج فی کل شهر طلعة واحدة علی ممر الأیام حکی أنه کان فی بستان ابن الخشاب بساحل القاهرة نخلة تحمل أعذاقا نصف البسرة الأعلی أحمر و نصفها الأسفل أصفر و بالعکس من العذق الآخر لطیفة و حکی أن بعض ملوک الروم کتب إلی عمر بن الخطاب رضی اللّه تعالی عنه بلغنی أن ببلدک شجرة تخرج ثمرة کاذان الحمر ثم تنشق علی أحسن من اللؤلؤ المنضد ثم تخضر فتکون کقطع الزمرد ثم تحمر و تصفر فتکون کشذور الذهب، و قطع الیاقوت ثم تینع فتکون کالطیب الفالوج ثم تیبس فتکون قوتا للحاضر و زادا للمسافر فإن صدقت رسلی فلا شک من أنها من شجر الجنة فکتب إلیه نعم صدقت رسلک و أنها الشجرة التی ولد تحتها المسیح عیسی علیه الصلاة و السلام، فلا تدع مع اللّه إلها آخر و علی ذکر الشجرة فما أصدق ما قال:
المرء فی زمن الاقبال کالشجرةو الناس من حوله ما دامت الثمرة
و إذا تساقط عنها حملها رحلواو خلفوها تقاسی الریح و الغبرة
و من خواص النخل، أن خوصه إن مضغ قطع رائحة الثوم و الکرات و من خواص النوی أنه إذا غلی فی ماء إلی أن یذهب نصفه نفع شربه من حرقة القضیب، قال بعضهم یصف النخل:
کأن النخیل الباسقات و قد بدت‌لناظرها حسنا قباب زبرجد
و قد علقت من حولها زینة لهاقنادیل یاقوت بأخراس عسجد
و قال النمیری:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 172 ضربن العذق فی ینبوع عین‌طلبن معنیه حتی رویناه
کأن فروعهن بکل ریح‌عذاری بالذوائب ینتضینا
و قال السری الرفا:
و کأن ظل النخل حول قبابهاظل الغمام إذا الهجیر توقدا
من کل خضراء الذوائب زینت‌بثمارها جیدا لها و مقلدا
حرقت أسافلهن أعماق الثری‌حتی اتخذت البحر فیه موردا
شجر إذا ما الصبح أسفر لم یتح‌للأس طائره و لکن غردا
و قال آخر:
أنظر إلی البسر إذ تبدی‌و لونه قد حکی الشقیقا
کأنما خوصه علیه‌زبر جد مثمر عقیقا
و قال فی البلح الأحمر:
أ ما تری النخل حاملات‌بسرّا حکی حمرة الشقیق
کأنه من عقود تبرمنظمات من العقیق
و قال فی البلح الأخضر:
أ ما تری النخل طلعت بلحاجاء بشیرّا بدولة الرطب
مکاحل من زمرد مرطت‌مقمعات الروس بالذهب
و قال آخر:
أ ما تری الرطب المجنی لأکله‌حلوی أعدت لنا من صنعة الباری
ما باشرتها بذی العقاد فی عمل‌فی الدست یومّا و لا حطت علی النار
و قال ابن شرف القیروانی:
و مطبوخ بغیر عقید نارعزمت علی جناه بابتکار
آبانیذ تبدت من عقیق‌مقمعة بمسبوک النظار
و تری لصفاء جوهرها نواهاکألسنة العصافیر الصغار
و قال آخر:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 173 کأنما النخلة معشوقةتزینت آذانها بالحلی
و القنو مثل القرط فی حسنه‌تبارک الله العظیم العلی
و قال فی النخل المجدود:
أنظر إلی النخل و أعناقهاقد جردت من غصنها الزاهی
مثل عروس تم أسبوعهافجردت من حلیها الباهی
ما زینها إلا عراجینهاو کلها من حکمة الله
و من الألغاز فی النخل و النحل:
و ما اسمان ذا تصحیف ذا و کلاهمالدی العام منه یجنی طیب الأکل
و بینهما فی الخط أدنی تفاوت‌و لکن افراط التفوات فی الشکل
و کل إذا صحفته و عرفته‌فمجموعة شطر من الحدق البخل
مسألة یقال من سعادة المرء أن یری ولد ولده و أن یأکل من غرسه و أن یسمع إنشاد شعره.
و أنشدوا:
لسنا و إن أنسابنا کرمت‌یومّا علی الأنساب نتکل
نبنی کما کانت أوائلناتبنی و تفعل مثلما فعلوا
روی الجاحظ فی کتاب المدح و الذم بإسناد له عن عبد اللّه بن سلام رضی اللّه عنه لا تدع غرس أرضک، و إن سمعت بخروج الدجال، و عن بعض أهل البیت إعمل للدنیا حتی کأنک لا تموت أبدا، و اعمل للآخرة حتی کأنک لا تعیش غدّا و کأنه ینظر إلی قوله تعالی إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا و إلی قوله علیه السلام «إن اللّه کتب الإحسان علی کل شی‌ء» و عنه علیه السلام «البناء من یوم ابتدائه فی نقصان
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 174
و الغرس من یوم ابتدائه فی زیادة» و جاء فی تفسیر قوله تعالی کلوا من طیبات ما کسبتم أن المراد به التجارة و فی قوله مِمَّا أَخْرَجْنا لَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ أنه الزرع و الغرس و کان یقال إذا أنت لم تزرع و أبصرت حاصدّا ندمت علی التفریط فی زمن البذر.
و کان یقال فلاح المعیشة فی الفلاحة عسی تجد فی العیش راحة و کان یقال لا ضیقة علی من له ضیعة و إنما تصلح بقوة ساعده و جاه مساعد و کان یقال هی المال إلا أن فیها مذلة فمن ذل قاساها و من مل باعها و عنه علیه الصلاة و السلام «التمسوا الرزق فی خبایا الأرض . قال فی المواهب المراد الزرع و أنشدوا:
تتبع خبایا الأرض وادع ملیکهالعلک یوما أن تجاب فترزقا
و فی کتاب البرکة عنه علیه الصلاة و السلام، أنه قال عند قوله تعالی وَ آخَرُونَ یَضْرِبُونَ فِی الْأَرْضِ یَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ البرکة فی التجارة و صاحبها لا یفتقر إلا حلاف مهین ، و عنه علیه الصلاة و السلام «من استطاع أن یشتری دابة فلیشتریها فإنها تأتیه برزقها و تعینه علی رزقه ، و کان یقال الحمار قلیل المونة کثیر المعونة، و عنه علیه الصلاة و السلام «إن اللّه یحب المؤمن المحترف» . «إن اللّه لا یحب الفارغ الصحیح، لا فی عمل الدنیا و لا فی عمل الآخرة» و فی کتاب البرکة الزرع أفضل الطیبات، و هو من أهم فروض الکفایة، و قال أصول المکاسب الزراعة و الصنعة و التجارة و الزراعة أطیبها «و هو الذی أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات کل شی‌ء فأخرجنا منه خضرا یخرج منه حبّا متراکبّا» [قیل کالعنب و البطیخ مما یعرش و غیر معروشات] و هو الذی أنشأ جنات معروشات فما قام علی ساق کالشجر و النخل «و النخل و الزرع مختلفّا أکله» و فی الأرض قطع متجاورات» أی متقاربات متدانیات یقرب بعضها من بعض و یختلف بالتفاضل و جنات أی بساتین من أعناب و زروع و نخیل صنوان و غیر صنوان الصنوان
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 175
النخلات مجموعهن أصل واحد و تتشعب فتکون نخلا، ینبت لکم به الزرع و الزیتون و النخیل و الأعناب و من کل الثمرات إن فی ذلک لآیات لقوم یتفکرون» و عنه علیه الصلاة و السلام «ما أکل العبد طعامّا قط خیرّا من أن یأکل من عمل یده » و عنه علیه السلام «لو قامت القیامة و فی ید أحدکم فسیلة فإن استطاع أن لا یقوم حتی یغرسها فلیفعل ، الفسیلة الودیة الصغیرة قاله الجوهری، و فی کتاب البرکة عند قوله تعالی «أو ما ملکتم مفاتحه» وکیل الرجل و قیمه فی ضیعته و ماشیته، لا بأس أن یأکل من ثمرة حائطة و یشرب من لبن ماشیته، أو صدیقکم و لو فی غیبته من غیر تحمل لطیفة حکی فی شرح المقامات للشریشی أن کسری مر علی شیخ یغرس الزیتون فقال لیس هذا أوان غرسک الزیتون لأنه شجر بطی‌ء الثمر و أنت شیخ هرم فقال أیها الملک غرس من قبلنا فأکلنا و نغرس لیأکل من بعدنا فقال زه أی أحسنت، و کان إذا قالها یعطی من قیلت له أربعة آلاف درهم فدفعت له فقال أیها الملک السعید فکیف رأیت غرسی فما أسرع ما أثمره فقال زه فزید أربعة آلاف فقال أیها الملک السعید کل شجرة تثمر فی العام مرة و شجری أثمر فی ساعة مرتین فقال زه فزید مثلها فمضی کسری و قال انصرفوا فلئن وقفنا لم یکفه ما فی خزینتنا.
و ما أحسن ما قال:
کن ابن من شئت و اکتسب أدبایغنیک مضمونه عن النسب
إن الفتی من یقول ها أنا ذالیس الفتی من یقول کان أبی
الجمار هو قلب النخلة، و موضع الطلع منها أجوده الأبیض الغض الحلو و هو بارد یابس فی الأولی ، ینفع من أوجاع الصدر و السعال و الحرارة و هزال الکلی خصوصا بالسکر و ینفع من الإسهال و المرة الصفرا و من لسع الزنبور ضمادا و ینفتح و یولد الریاح لشدة حبه و یصلحه السکنجیین و قال بعضهم یصفه:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 176 جمارة کالماء تحکی لناما بین أطمار من اللیف
جمار لطیف اللمس لکنه‌قد لف فی ثوب من الصوف
الطلع لقاح النخل، یتکون فی ظروف کالمسک تسمی کیزانة فیصیر داخله کصغار اللؤلؤ المنضة ، فإذا تفتحت عنه خرج کالدقیق الأبیض، دسمّا کرائحة المنی، یلقح به إناث النخل فتصح و هو بارد فی الأولی أو الثانیة یابس فی الثانیة بطی‌ء الهضم مولد لأوجاع الصدر و برد المعدة و عسر البول یصلحه الحلوی و أما الناعم منه البالغ فلا نظیر له فی تهییج و لا کرائحته فی تهیج النساء و فی کتاب تحفة الملوک إذا [أخذت مثقالا من بذر اللفت] و مثله من السکر و مضغته و بلعته حصل لک ألفاظ فی الوقت و لم یزل کذلک إلی أن تشرب الخل و ترش منه علی القضیب فحینئذ یسکن قال و هو من المجربات [و من منافع الطلع انه یقوی الأحشاء و یمنع انصباب المواد و من شعر کشاجم فیه ]:
قد أتانا الذی بعثت إلیناو هو شی‌ء من وقتنا معدوم
طلعه غضة أتتنا تحاکی‌سفطا فیه لؤلؤ منظوم
[قال بن المعتز]:
أفدی الذی أهدی إلینا طلعه‌أهدی إلی قلبی المشوق بلابلا
فکأنما هی زورق من فضةقد أودعته من اللجین سلاسلا
و لقد أحسن التشبیه من قال:
أ ما تری الطلع یحکی‌لناظری حین أقیل
سلاسل من لجین‌یضمها تحت صندل
البلح الأخضر. بارد یابس، و الحلو منه یمیل إلی الحرارة و فیه قبض یصدع و کثیر ما یوقع فی الناقض قال محمد بن یسار:
جاء بها رامحة کالعبهر المستنشق‌و قال سهالنا فقلت غیر مطوق
مکحلة مخروطة من دهیج مؤنق‌سدادها من ذهب و میلها من ورق
و قال ابن الرومی فی البسر الأصفر!!
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 177 بعثت بیرنی جنی کأنه‌مخازن بترقد ملین من الشهد
مقمعة الأطراف تنقد قمصها عن العسل المادی و العبهر الهندی
تنقل من خضر الثیاب و صفرهاإلی حمرها ما بین وشی إلی برد
و کم لبثت فی شاهق لا تری به‌و لا تجتنی باللحظ إلا من البعد
و قال:
أ ما تری البسر الذی‌قد حاز کل العجب
کیف عدی فی لونه‌کعاشق مکتئب
تری کأنه من فضةقد طلیت بالذهب
الرطب:
قال الحکیم داود فی تذکرته هو سادس مرتبة من تمر النخل أجوده الأصفر الکثیر اللحم الرقیق القشر الصغیر النواة الصادق الحلاوة و أردأه الأسود و أعدله الأحمر و هو حار فی الثانیة یابس فی الأولی.
و فی الأزرقی و المحیط حار رطب و کلما اشتدت حلاوته کان أشد حرارة.
خواصه یحرق البلغم و یذیبه و یقطع البرد و یسمن باللوز إذا لوزم ، و یصلح الهزال العارض فی الکلی و برد الظهر و یحرک الشهوة فی البرودین خصوصا المربی و فی المحیط، یلین الطبع و یزید فی المنی مع الخیار و الخس و لیس للنفساء دواء کالرطب و کان السلف یستحبون اطعامه للنفساء و لأن مریم علیها السلام أکلته فی نفاسها و کانت نخلتها العجوة و ما أحسن ما قال:
إذا أبطأ الرزق الذی أنت طالبه‌فخذ سببا و اقصد به ذلک الطلب
ألم تر أن الله قال لمریم‌و هزی إلیک الجزع تساقط الرطب
و لو شاء أحنی الجزع من غیر هزه‌إلیها و لکن الأمور لها سبب
و فی کتاب البرکة: إذا ولدت المرأة فلیکن أول ما تأکل الرطب فإنه إن لم یکن فتمر فإنه لو کان شی‌ء أفضل منه أطعمه اللّه تعالی مریم حین ولدت عیسی علیهما السلام
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 178
و کان النبی صلی اللّه علیه و سلم لا یغدو یوم الفطر حتی یأکل من التمر وترا . و یحکی أن ملوک الفرس کانت فی أیام الرطب ترفع عن سماطهم الحلوی و إذا کان أوان الورد یرفعون به سائر المسموم مضاره.
قال فی التذکرة: یولد السودا و السدد و الفضول الغلیظة و یضعف الکبد و اللثة و مزاج المحرور و تصلحه الحوامض و الخیار و ینبغی لمن ولد فی غیر بلاده التی ینبت بها تقلیل أکله ما أمکن و کذا ضعیف الدماغ.
مسألة: أجمع الحکماء علی أنه ما من دواء یزیل علة إلا و یحدث أخری أو یزید فیها و لذلک قال بعضهم لیس فی الدنیا لذة علی الحقیقة ما استکمل المرء من لذاته طرفا إلا و أدرکه النقصان من طرف التمر قال فی التذکرة هو فی المرتبة السابعة من تمر النخل و هو کالعنب کثیر الأنواع أجوده الأبیض العراقی، الرقیق القشر الکثیر الشحم الحلو النضیح الذی إذا مضغ کان کالعلک و أکثر ما ینشأ بالبلاد الحارة الیابسة التی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 179
یغلب علیها الرمل کالمدینة المنورة و العراق و أطراف مصر و هو حار فی آخر الثانیة، یابس فی أولها و قیل فی الأولی و فی المحیط حار رطب خواصه یقطع السعال المزمن و أوجاع الصدر و یستأصل شاقة البلغم خصوصا إذا أکل علی الریق و ینفع من الفالج و وجع المفاصل عن برد و یولد الدم و یصلح أوجاع الظهر و یقوی الکلی المهزولة و بالحلیب یقوی الباه و فی الأزرقی یقتل الدود المتولد من العفونة فی البطن و فی المحیط یقوی الصداع و إذا حرق نوی التمر و سحق مع الکحل أنبت هدب العین واحد البصر، و سود و منع الجرب و حسن قال فی التذکرة و لا یجوز تعاطی التمر لمن لم یولد فی بلاده إلا بقسطاس مستقیم و لا المحرور و لا زمن الصیف و یکره أکله عند النوم و یصلحه السکنجبین و القثا.
و قال بعضهم یصفه: أما تری التمر یحکی، فی الحسن للنظار، فحازنا من عقیق [قد جمعت بنظار] کأنما زعفران، فیه مع الشهد جاری ، یشق مثل کوس، مملوء من غفار و فی کتاب البرکة عنه علیه الصلاة و السلام لا یجوع أهل البیت و عندهم التمر ، و قال بیت لا تمر فیه جیاع أهله مرتین أو ثلاثا ، و قال إذا فطر أحدکم فلیفطر علی تمر فإنه برکة، فإن لم یجد فلیفطر علی الماء فإنه طهور و قال الشاعر!!
فطور التمر سنةقال رسول الله سنه
من البرنی المربی‌یحلی المرء سنة
و عنه علیه الصلاة و السلام التمر البرنی فیه شفاء من کل داء و قال خیر تمرکم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 180
البرنی، یذهب الداء و لا داء فیه و قال من تصبح بسبع تمرات عجوة لم یضره
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 181
ذلک الیوم سم و لا سحر و فی الصحیحین «إن فی عجوة العالیة شفاء، و انها تریاق أول البکرة قال فی المحیط العجوة تمر کریم- صلب ملزز، متین القوة ینفع من السموم الباردة و ینفع من لسعة العقرب.
قال الأزهری: و الصیحانی منها و عنه علیه الصلاة و السلام «کلوا البلح بالتمر فإن الشیطان یجری إذا رأی ابن آدم یأکله ، یقول عاش ابن آدم حتی أکل الجدید بالخلق فائدة قال الشیخ أبو محمد الجونی فی کتابه الفرق و الجمع و فی أبواب الزکاة [کنت ] بالمدینة فدخل علی بعض أصحابی فقال کنا عند الأمیر فتذاکروا أنواع التمر بالمدینة فبلغت أنواع الأسود ستین ثم قالوا و أنواع الأحمر فبلغت هذا المبلغ و فی زهر الریاض بلغت أنواع التمر بالمدینة مائة و بضعا و ثلاثین ، منها الصیحانی و هو نخل یعرف إلی الآن بهذا الاسم و هو بید أولاد صفوی بن سلیمان الطفیلی الحسینی قلت هو من أم عشر، مجری السیل بالحرة الغربیة بعضه لبنی السفر و بعضه لبعض بنی حسین و أخرج ابن المؤید الحموی عن جابر رضی اللّه عنه قال کنت مع النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی بعض حیطان المدینة و ید علی فی یده فمررنا بنخل فصاح النخل هذا محمد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 182
سید الأنبیاء و هذا علی سید الأولیاء أبو الأئمة الطاهرین ثم مررنا بنخل فصاح هذا محمد رسول اللّه و هذا علی سیف اللّه فقال النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه یا علی سمه الصیحانی فذلک هو السبب فیه قال ابن حجر فی حاشیته الایضاح لکن رد بأنه موضوع، و حکی القصة السید علی فی الوفا و لم ینکرها و اللّه تعالی أعلم. قلت و رأیت مؤلفا فی أنواع التمر مرتبا علی حروف المعجم زاحمت الأنواع فیه المائتین، قال فی زهر الریاض و صاحب الدرادری ذکر محاسن فی محاسن التمر اثنی عشر سیدها البرنی و غرس أهل المدینة له أکثر و عنایتهم به أتم و إذا غرس فی غیر المدینة لا تحسن حسنه فیها و ثمره أعلی من غیره بل و لا یذکر فی سلمهم غالبّا غیره، یحمل إلی الأقطار تبرکّا به و مده فی الرخاء بثمانیة کبار و فی الفلا بعشرین فأکثر و هو مع ذلک واحد الودی قلیل القیمة و هو أزهر الزهر أحمر الرطب طوال شبیه بأصابع العذاری یلذ أکله زهوّا و رطبّا و تمرّا و البردی أعلی قیمة من البرنی لقلة ودیه لعل جمیع ما فی المدینة لا یصل إلی خمسین نخلة و هو أصفر الزهر أحمر إلی الکدرة مکبکب مسلوب من أسفله یحمل إلی الروم و غیرها فی الرباب و المراطبین، یقاربه الشقری و الجعفری و الطیرجلی، و الغریس متقاربة فی الشکل و السکر و البیض و العذق کذلک و البربر، و الجادی متقاربان و الحلی، أحمر البسر زتونی لون الرطب و قال بعضهم أحسن أنواع الرطب و أطیبه الحلو ثم الطبرجلی، ثم الغریس ثم السکر ثم البرنی ثم الحلی- و أنشد علیه-
فی العوالی من أرض طیبة حقّارطب فاق من سواد فذرنی
هو حلو و سکر و غریس‌و حلی طبرجلی و برنی
و أشرف أنواع التمر البرنی و السلبی و البردی و الخضری و الجعفری و الجادی و اللبانة و هی القسب و قال:
خیر ثمر فی أرض طیبة یبدرمن نخیل أسنی المحاسن تبدی
شلبی و جعفری و قسب‌ثم جادی من بعد برنی و بردی
قال فی المحیط و من النبات الذی یشبه النخل المقل و هو الدوم و هو نخل بری علا علیه الیبس و العنصر الشدید فقصر سعفه و صار الغالب علی ثمرته الخشبیة و علی نواه الحجریة و شجر النارجیل و هو الجوز الهندی و زعم أهل الحجاز أن شجرة النارجیل هی شجرة المقل لکنها أثمرت نارجیلا لطباع النوبة و أجوده الطری الأبیض و هو حار
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 183
یابس یغذی غذاء کثیرا و یزید فی الباه و ینفع من تقطیر البول و دهنه جید للبواسیر و لبنه لذیذ کثیر الحلاوة و یجعل من قشره حبال للسفن فلا یعفن.
قال کشاحم:
و ذات قشر أسود حشوهاکافورة مرموقة المنظر
قد نشرت فی رأسها وفرةتسترها عن ناظر المبصر
کأنها جمجمة ألبست‌دوائیا من خالص العنبر
و شجرة الفوقل فإنها تشبه النخل و شجرة الکادی مثلها.
فائدة الکادی بالدال المهملة علی ما یستفاد من کلام السیوطی قال فی کتابه بغیة الوعاة فی ترجمة البدر الدمامینی و له ملغزا فی کاوی!
و ما شی‌ء له نشر ذکی‌لعاطره إلی الطیب انتساب
تروح له علی رجلیک تمشی‌و تقلبه یداک فما الجواب
أنشدتها قال:
و قد نظمت جوانبها یدیهابثغر الاسکندریة فی رحلتی إلیها فقلت
و قد سمعت بهذا اللغز أدنی‌لم یأت من تفضله الجواب
فذا طیب إذا صحفت منه‌أخیدیه له فی الخبث باب
و المراد منه أخیدیه الدال المهملة، تصحف بالمعجمة و الیاء المثناة من تحت تصحف بالباء الموحدة فیکون منه کاذب و لا شک أن له فی الخبث باب (ب) کما قیل:
لی حیلة فیمن ینم‌و لیس فی الکذاب حیله
من کان یخلق ما یقول فحیلتی فیه قلیله
و فی القاموس کذا کنایة عن الشی‌ء، الکاف حرف التشبیه و ذا للإشارة و الکاذی دهن، و نبت طیب الرائحة و فی التذکرة کادی کالنخل فی ذاته و صفاته لکن لا یطول یحسن بالمیزان و هو حار یابس فی الثانیة إذا وضع طلعه قیل أن یشق فی دهن سر النفس و قوی الحواس و فرح و شد البدن و منع الاعیاء و الخفقان و شربه یقطع الجذام انتهی، و هو یوجد بالمدینة إلا أن سلطنته بأم القری.
و عنه فی الصحاح و فلان صدیقی و إنما یصغر علی جهة المدح کقول حباب بن
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 184
المنذر أنا جدیلها المحکک و عذیقها المرجب انتهی عذیق تصغیر عذق و هی النخلة الکریمة علی أهلها و بئر عذق حدیقة بجزع قبالا لشدقم و فیها بئر علیها قبة محکمة جددت عمارتها سنة ست و أربعین و ألف و هی من آبار العین الواصلة إلی المدینة المنورة و الرجبه البناء حول النخلة تحفظها إذا مالت أو المسوکة لحفظ ثمرتها و الجذل واحد الأجذال و هی أصول الحطب العظام و الجدل المحکک الذی ینصب فی العطن لتحتک به الإبل الجربی کذا فی الصحاح و اللّه تعالی أعلم بالصواب .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 185

باب فی ذکر أحد و مساجده و مشهده الشریف و معاهده‌

مواطن أفراحی و مربی ما أربی‌و أطورّا و طاری و ما من خیفتی
و ثم وراء القول سر کتمته‌فلو قیل صرح قلت یا نفس اصمت
روی من حدیث أنس بن مالک رضی اللّه تعالی عنه عن النبی صلی اللّه علیه و سلم أنه قال أحد جبل یحبنا و نحبه فإذا جئتموه فکلوا من شجرة و لو من عضاهة یعنی مرة .
قال ابن الهمام: و مزور جبل أحد نفسه لقوله علیه الصلاة و السلام أحد جبل یحبنا و نحبه و یروی أحد علی ترعة من ترع الجنة و یروی أحد علی رکن من أرکان الجنة، و عیر علی رکن من أرکان النار و عن أنس مرفوعا لما تجلی اللّه تعالی للجبل تشظی و طارت منه لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدینة و ثلاثة بمکة وقع بمکة حراء و تیسیر و نور و وقع بالمدینة و ورقان و رضوی.
و فی الدرة الیتیمة: مکان رضوی و عیر. و عن بعضهم: إنی لا أستبعد أن یکون بالمدینة جبل من جبال النار بعد أن بدأها اللّه من الشرک و عیر فی مقابلة أحد و بینهما المدینة عند شعب علی کرم اللّه وجهه و سمی أحدّا لتوحده و انقطاعه عن غیره من الجبال و لما وقع لأهله من نصرة التوحید و لا مانع من وضع الحب فیه کما وقع التسبیح من الجبال و قد خاطبه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه مخاطبة من یعقل و قال له لما
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 186
اضطرب اسکن أحد و بقمته سقیفة و عندها صهریج یصعد إلیه بعض الزوار بجهد جهید.
و أنشد أبو عبد اللّه الفیومی لنفسه فی ذلک:
هام بأشجانه إلی أحدحتی إذا ما رأی به عجزه
صار إذا قیل هل تعود له‌یقول و بینی و بینه حمزه
و عنه علیه الصلاة و السلام أنه صعد أحدا فأقبل علی المدینة و قال ویل أمها قریة تدعها أهلها کأینع ما تکون و فی أحد غار زعموا أن النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه اختفی فیه و عن جابر مرفوعا أقبل موسی و هارون علیهما الصلاة و السلام حاجین فمرا بالمدینة فخافا من یهود و کان بها فخرجا مستخفیین فنزلا أحدا فغشی هارون الموت فقام موسی فحفر له ولحد ثم قال یا أخی إنک تموت فقام هارون فدخل فی لحده فقبض علیه فحثا علیه موسی بالتراب و یعرف قبره بشعب هارون .
و ما المرء إلا راکب ظهر عمره‌علی سفر یغنیه بالیوم و الشهر
یبیت و یمسی کل یوم و لیلةبعیدا عن الدنیا قریبا من القبر
و الشهداء بأحد سبعون رجلا و کان علیه الصلاة و السلام یقول إذا زارهم سلام علیک بما صبرتم فنعمی عقبی الدار و أما الوقوف علی أحوالهم و سماع کلامهم و هو بحسب الاستعداد و کثیر من سمع رد سلامهم و أما المشهد الشریف فیروی أن أم الخلیفة الناصر لدین اللّه أبی العباس أحمد بن المستضی‌ء هی التی بنته فی سنة سبعین و خمسمائة و جعلت علیه قبة متقنة و بابه کله مصفح بالحدید و القبر مجصص و علیه تابوت علیه ثوب من الحریر من خلیع کسوة الضریح النبوی ثم زاد فیه الأشرف قایتبای زیادة أدخل فیها البئر من الجانب الغربی و ذلک فی سنة ثلاث و تسعین و ثمانمائة و احتفر خارج البناء بئرا بدرج تصل إلی الماء و ذلک علی ید شیخ الخدام بالحرم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 187
النبوی شاهین الشجاعی و قد أشرفت علی الدمار لهجرها و کانت فاطمة الزهراء رضی اللّه تعالی عنها تزور قبر حمزة رضی اللّه عنه و ترمه و تصلحه و قد علّمته بحجر. و لیحیی:
أنها کانت تختلف بین الیومین و الثلاثة إلی قبور الشهداء بأحد فتصلی هناک و تدعوا و تبکی حتی ماتت.
مسألة: قال فی الجوهر المنظم: زیارة مشهد السید حمزة عم الرسول فی یوم الخمیس لأن الموتی یزید علیهم بزوارهم یوم الجمعة و یوما قبله و یوما بعده و لما کان یوم السبت لزیارة مسجد قباء و یوم الجمعة یوم التبکیر تعین لزیارة المشهد یوم الخمیس و ینبغی أن یسلم علی علی ابن أخیه عبد اللّه بن جحش و مصعب بن عمیر لأنهما عل قول هنالک.
فائدة: قال الزرکشی: ینبغی أن یتثنی من منع نقل تراب الحرم تربة السید حمزة المأخوذ من السیل الذی به مصرعه لاطباق السلف و الخلف علی نقله للتداوی من الصداع کذا فی الجوهر المنظم و هذا مبنی علی أن المدینة حرم کما هو مذهبه و حمزة رضی اللّه عنه أحد أعمام سید المرسلین و اخوه من الرضاعة و أسن منه بسنتین قیل و أفضلهم لحدیث سید الشهداء یوم القیامة حمزة و فی روایة سید الشهداء عند اللّه یوم القیامة حمزة بن عبد المطلب و الحدیث «خیر أعمامی حمزة» و عن السدی فی قوله تعالی أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِیهِ [القصص: 61] انها نزلت فی حمزة و جاء أن حمزة مکتوب فی أهل السماوات السبع أسد اللّه و أسد رسوله و قد اختلف فی عدة أعمام النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فقیل عشرة و قیل تسعة عشر و أما عماته فست و یکنی حمزة بأبی یعلی و بأبی عمارة و هما أبناءه و أولاده خمس و لم یعقب إلا من یعلی فإنه ولد له خمسة رجال لکنهم لم یعقبوا و انقطع نسل حمزة و کانت وفاته سنة ثلاث أو أربع و له سبع و خمسون و لما شهد النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه حمزة اشتد وجده علیه و قال لئن ظفرت لأمثلن بسبعین منهم فأنزل اللّه تعالی وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ [النمل: 126] فقال صلی اللّه تعالی و سلم علیه بل نصبر و کفر عن یمینه و عنه علیه الصلاة و السلام
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 188
لو لا أن تجد صفیة لترکته حتی یحشر من بطون الطیر و السباع و صفیة شقیقته و هی أم الزبیر بن العوام، و لما عاد إلی المدینة سمع النوح علی قتلی الأنصار قال لکن حمزة لا بواکی له فسمع الأنصار فأمروا نساءهم أن یندبن حمزة قبل قتلاهم ففعلن ذلک قال الواقدی فلم یزلن یبدأن بالندب لحمزة حتی الآن.
و قال کعب بن مالک یرثیه:
بکت عینی و حق لها بکاهاو ما یغنی البکاء و لا العویل
علی أسد الإله غداة قالوالحمزة ذاکم الرجل القتیل
أصیب المسلمون به جمیعاهناک و قد أصیب به الرسول
أبا یعلی لک الأرکان هدت‌و أنت الماجد البر الوصول
علیک سلام ربک فی جنان‌یخالطها نعیم لا یزول
و أما المساجد الذی هنالک فمنها مسجد الفسیح و هو لاصق بأحد علی یمین الذاهبی فی الشعب للمهراس نزلت فیه آیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قِیلَ لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِی الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا و مسجد جبل الرماة ، طعن فیه حمزة رضی اللّه عنه و هو فی شرقی الجبل و مسجد الوادی علی شفیر الجبل قریب من الذی قبله و یسمی المصرع لأن حمزة رضی اللّه عنه صرع به و صلی به صلی اللّه تعالی و سلم علیه الصبح أو علی حمزة رضی اللّه تعالی عنه و مسجد السافلة فی شرقی الطریق إلی مسجد السید حمزة بین النخیل طوله ثمانیة أذرع و یقال انه مسجد أبی ذر الغفاری صلی فیه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و یعرف هذا الوادی بالشظاه بفتح الشین المعجمة و فی الوفا الشظاه اسم لوادی قباء أو لما یلی السد من الوادی و سیل وادی قناة یأتی من وج الطائف و مصبه بحر القلزم من ناحیة اکرا و بالجملة فإن هذا الوادی من أطیب الأودیة و أعذبها و فیه یحصل لمن حله کمال المسرة و صفاء الخاطر وسیلة من أعظم السیول و أصفاها و إذا انقطع بقیت منه غدران من أحسنه الغدیر الکبیر و هو شمالی المصرع ربما أقام فیه الماء الغزیر نحو الشهرین صافیا مفرحا و إذا صادف أیام الزیارة کان السرور أتم و الانتفاع أعم و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 189 لله یوم فی الشظا قضیته‌خلف الزمان بمثله لا یغلط
الطیر یقرأ و الغدیر صحیفةو الریح تکتب و السحاب ینقط
و قال آخر:
غدیر کالحسام له صقال‌و لکن فیه للرائی مسرة
رأیت به البدور تجید عوماکأنهم الکواکب فی المجرة
و قال آخر:
یا حبذا زمن الشطآء وحیدابغضائه عیش لنا ملذوذ
و لسید الشهداء حمزة مشهدحکم السرور به له تنفیذ
و من محاسن هذا الوادی، الصهریج الذی ابتناه الوزیر سنان باشا و مساحته ثمانیة عشر ذراعا، فی عشرین بذراع الکرباس و هو یمتلی‌ء من السیل إذا کان قویا و إلا فمن شرائع الجبل فیحصل به مدد کبیر للزوار و البادیة و علی ظهر الصهریج سقف من عقود و طواحن بحیث یحصل به کمال المنفعة للزائرین و الواردین.
لله آثار بطیبة إن بدت‌لاح السرور وفاح نشر عاطر
ما زرتها إلا و زالت کربتی‌و هما علی جذبی سحاب ماطر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 190

باب من ذکر الصدقة و السوافل و آبار العریض الکثیر النوافل‌

منازل طیبة فیها لقلبی‌منارة لم تزل فیها الأوانس
فمن لی أن أکون بها مقیماعیوبی تجتلی فیها العرائس
الصدقة حدائق، و نخیل خارج المدینة فی الجهة الشمالیة منها أملاک و منها أوقاف و هو جزع متسع الأرجاء و الرحاب.
جزع فسیح الرحاب منتزه‌یروق بالأنس و البها الحدقة
لا تنکروا رغبتی إلیه فقدأمسیت أهوی محاسن الصدقة
و الجزع الذی یتصل بمسجد الإجابة یقال له ملحة .
و علیه أنشد لنفسه السراج عمر الأشهر الأنصاری:
یا محنة إلا و فی طیهالکل عبد مؤمن منحة
الحمد لله و شکرا له‌المنبت السکر فی ملحه
و الجزع الذی یلی الصدقة من جانب الشمال و المغرب بین قناة و الجرف یقال یثرب بالثاء المثلثة و کسر الراء و اطلاقه علی المدینة المنورة من قبیل إطلاق الجزء علی الکل.
و قال آخر:
و هذا رسول الله فارق مکةعلی حفوة لم ترضها فیه یثرب
و لیس هذا المذکور فی قوله:
و عدت و کان الخلف منک سجیةمواعید عرقوب أخاه بیثرب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 191
لأن المجد قال اجمعوا فیه علی تثنیة التاء و فتح الراء و هی مدینة بحضرموت و قیل قریة بالیمامة و قیل غیر ذلک و أنشدوا:
یا ابن الکرام اعد فی الدهر فکر فتی‌له بشطر به تحویل و تقلیب
لا تعتبن علی عرقوب واحدةو کل من فوقها فی الوعد عرقوب
و حکی ابن حجر فی الجوهر حدیث أریت دار هجرتکم بسبخة بین ظهرانی حرتین اما أن تکون هجرا و یثرب و فی الصحیحین انه علیه الصلاة و السلام قال هی یثرب .
قال أبو عبیدة: یثرب اسم أرض، و مدینة النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی ناحیة منها. و قال ابن زبالة: کانت یثرب أم قری المدینة و هی ما بین طرف قناة إلی طرف الجرف و بین المال الذی یقال له البرنی إلی زبالة.
فائدة: قیل: إن تبعا لما قدم المدینة بعث رائده ینظر إلی مراعی المدینة فأتاه فقال: أما قناة فحب و لا تبن و أما الجرار فلا حب و لا تبن و أما الجرف فالحب و التبن و المختار الیوم للزرع عند أهل المدینة أرض العریض.
قصة: قیل: إن العمالیق سکنت مکة و المدینة و کانت الحجاز أشجر بلاد اللّه و أطهر ماء ثم إنها عثت فبعث [اللّه] موسی علیه السلام إلیهم [بعث موسی] جندا من بنی إسرائیل فقتلوهم بالحجاز و یروی ان ضبعا رؤیت مع أولادها رابضة فی عجاج عین رجل من العمالیق و فی تاریخ المقریزی یحکی أن سبعة عشر رجلا استظلت فی قحف رجل من بنی إسرائیل و کان یمضی فی ذلک الزمان أربعمائة سنة و لم یسمع بجنازة کذا فی الدرة الیتیمة و أما مسجد الإجابة فهو لبنی معاویة فی شمالی البقیع علی یسار السالک إلی العریض وسط تلول و فی مسلم انه صلی اللّه تعالی و سلم علیه رکع فیه رکعتین و صلینا معه فدعی ربه طویلا ثم انصرف إلینا فقال سألت ربی ثلاثا فأعطانی اثنتین و منعنی واحدة سألته أن لا یهلک أمتی بالسنة فأعطانیها و سألته أن لا یهلک أمتی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 192
بالغرق فأعطانیها و سألته أن لا یجعل بأسهم بینهم فمنعنیها انتهی و قد علمت أنهم مخاطبون فی حال هبوطهم بقوله تعالی اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة: 36] [و فی بعض الأخبار لا سلامة من الناس و لا غنی عنهم و لا شفاعة من الموت] و أما العریض بضم أوله و کسر ثانیه مصغر العرض بالکسر فهی قریة علی أربعة أمیال من المدینة کذا فی العقد النبوی و هی فی الجهة الشرقیة و تشتمل علی آبار و مزارع شتی [و کان بها نخل و لم یبق الیوم منه شی‌ء] من أحسنها البحیرة الکبری و بحیرة ابن سعد و ذات الحصن و فی شرقیه بئر مطویة قطرها ذراعان و الهندیة و هی معدود لزرع الحنطة و الشعیر فإذا کانت أیام الخریف فهی الزمردة الخضراء لاتصال مزارعها و حولها آبار قدیمة لم یبق منها إلا الرسوم و مزارع صارت منابت الحمص لهجرها و لکمال الضعف فی أهلها و هناک أطام قدیمة زعم بعضهم انها تشتمل علی کنوز و مطالب و ما أغرب ما یحکی فی هذا الباب أن رجل من القبط جاء إلی عبد العزیز بن مروان عامل مصر فقال إن فی مکان کذا کنزّا و مصداق ذلک أن توجد بلاطة من مرمر خلفها باب من نحاس خلفه عمود من ذهب فوقه دیک من ذهب له عینان من الیاقوت الأحمر و جناحان من المرجان و الزمرد فلما سمع ذلک منه عبد العزیز بعث معه ألف رجل فلما حفروا و ظهر لهم الدیک ظهرت قناطر معقودة و لاحت منها تماثیل و أشخاص من ذهب فأخبر بذلک فحضر و نزل بعض الرجال فلما وضع قدمه داخل الباب نزل علیه سیفان ترکاه قطعّا و صفر ذلک الدیک فسمعت أصوات بحفرة مزعجة فهلک بالرجفة ممن حضر ثلاثة آلاف فطموهم بالرمال فی تلک الحفرة فکانت قبرّا لهم و رجع من بقی مقطوع الرجاء و قال لسان الحال:
هی الدنیا تقول بمل‌ء فیهاحذار حذار من بطشی و فتکی
و لا یغرکم منی ابتسام‌فقولی مضحک و الفعل مبکی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 193

باب فی ذکر بقیع الفرقد و معاهده، و مزاراته و مشاهده‌

تعجبت من أمر البقیع و قد غداعلی وحشة الموتی له مهجتی تصبو
فألفیته مأوی الأحبة کلهم‌و مستوطن الأحباب یصبو له القلب
بقیع الفرقد بالغین المعجمة کبار العوسج کان نابتّا به فقطع و اتخذ مقبرة و من کلام عمر بن النعمان یرثی من قتل من قومه الذین اغلقوا علیهم حدیقة و اقتتلوا حتی لم یبق منهم أحد.
خلت الدیار فسدت غیر مسود و من العناء تفردی بالسؤدد
أین الذین عهدتهم فی غبطةبین العقیق إلی بقیعه الفرقد
قوم هم سفکوا دماء سراتهم‌بعض لبعض فعل من لم یرشد
فائدة: اشتهر علی ألسنة کثیرین فتح سین السؤدد و لیس إلا الضم مع فتح الدال أو ضمها مع الهمز و عدمه و البقیع بالیاء الموحدة کل موضع فیه أروم الشجر من ضروب شتی روی عنه علیه الصلاة و السلام أنه قال من دفن فی مقبرتنا هذه شفعنا له أو شهدنا له و قال من استطاع أن یموت بالمدینة فلیمت بها فإنی أشفع لمن یموت بها و قال من مات بأحد الحرمین بعث من الآمنین یوم القیامة و عنه علیه الصلاة و السلام، اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم و عن الحسن أتی النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 194
علی بقیع الفرقد فقال السلام علیکم یا أهل القبور ثلاثّا لو تعلمون ما الذی نجاکم اللّه منه مما هو کائن بعدکم ثم التفت فقال هؤلاء خیر منکم قالوا یا رسول اللّه إنما هم اخواننا آمنا کما آمنوا و أنفقنا کما أنفقوا و جاهدنا کما جاهدوا و أتوا علی أجلهم و نحن ننتظر فقال إن هؤلاء قد مضوا لم یأکلوا من أجورهم شیئا و قد أکلتم من أجورکم و لا أدری کیف تصنعون بعدی و عنه علیه الصلاة و السلام أنه خرج إلی المقبرة فقال وددت أنی قد رأیت اخواننا قالوا یا رسول اللّه ألسنا إخوانک قال أنتم أصحابی و إخواننا الذین لم یأتوا بعد و انا فرطهم علی الحوص قالوا یا رسول اللّه کیف تعرف من یأتی بعدک من أمتک قال أرأیت لو کان لرجل خیل غر محجلة من خیل دهم، بهم ألا یعرف خیله قالوا بلی قال إنهم یأتون یوم القیامة غرّا محجلین من الوضوء و انا فرطهم علی الحوص رجال عن حوض کما یزاد و البعیر الضال فأنادیهم ألا هلم ألا هلم فیقال إنهم قد بدلوا فأقول فسحقّا فسحقّا فسحقا .
و عنه علیه الصلاة و السلام «یحشر من هذه المقبرة سبعون ألفّا یدخلون الجنة بغیر حساب کان وجوههم القمر لیلة البدر فقام رجل فقال یا رسول اللّه و أنا منهم فقال و أنت
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 195
منهم فقام آخر فقال یا رسول اللّه و أنا منهم فقال سبقک بها عکاشة .
قیل و کأنه کان منافقّا فلم یقل و أنت و فیه أدب کبیر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 196 إذا أمسیت فی قاع البقیع‌مجاور رحمة الباری السمیع
فهنونی بما لقیت إنی‌أرانی فی حمی حرز منیع
و قال آخر:
إذا أمسی فراشی من ترابی‌و صرت مجاور الرب الرحیم
فهنونی أحبابی و قولوالک البشری قدمت علی الکریم
أنشد لنفسه الشیخ جمال الدین العصامی:
یا أهل دار المصلی و البقیع سقت‌ربوعکم سحب منهله الدیم
لو أن روحی فی کفی لزرتکم‌سعیّا علی الرأس لا سعیّا علی القدم
فائدة: قال الملا علی القاری فی شرح لباب المناسک المعلی بفتح المیم و اللام ضد المسفلة و اشتهر بین العامة بضم المیم و تشدید اللام المفتوحة و له وجه فی القواعد العربیة و هی أفضل مقابر المسلمین بعد البقیع بالمدینة انتهی و عن أبی مویهبة مولی رسول اللّه صلی اللّه تعالی و سلم علیه قال بعثنی رسول اللّه صلی اللّه تعالی و سلم علیه من جوف اللیل فقال إنی أمرت أن أستغفر لأهل البقیع فانطلق معی فانطلقت معه فلما وقف بین أظهرهم قال السلام علیکم یا أهل المقابر لیهن لکم ما أصبحتم فیه مما أصبح الناس فیه أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع آخرها أولها الآخرة أشر من الأولی ثم أقبل علی فقال یا أبا مویهبة إنی قد أوتیت خزائن الدنیا و الخلد فیها ثم الجنة و الخلد فیها ثم الجنة فخیرت بین ذلک و بین لقاء ربی و الجنة فقلت بأبی أنت و أمی خذ مفاتیح خزائن الدنیا فقال لا و اللّه لقد اخترت لقاء ربی و الجنة ثم استغفر لأهل البقیع ثم انصرف فبدا به وجعه الذی قبض فیه موعظة فی کتاب مباهج التوسل کان عسکر سلیمان علیه الصلاة و السلام مائة فرسخ خمسة و عشرون للأنس و مثلها للجن و مثلها للطیر و مثلها للوحش و کان حرسه ستمائة ألف و کان ینام بین الفقراء فی خلقان مرقعة و لقد قال رب هب لی ملکا لا ینبغی لأحد من بعدی إنک أنت الوهاب ففعل له ذلک ثم اضمحل حتی کأن لم یکن قال بعضهم:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 197 إذا لم تملک الدنیا جمیعّاکما تختار فاترکها جمیعّا
مر داود علیه السلام بمفازة، فرأی فیها حجرّا علی رأس قبر، مکتوب فیه عشت ألف سنة و فتحت ألف مدینة و هزمت ألف جیش و أفضضت ألف بکر ثم صرت إلی ما تری من سکان الثری:
فإن کنت لا تدری متی الموت فاعلمن‌بأنک لا تبقی إلی آخر الدهر
و قال آخر:
الموت بحر یهاب المرء مورده‌و کل یوم له من کأسه جرع
لا صحة المرء فی الدنیا تؤخره‌و لا یقدم یومّا موته الوجع
و کل یوم علینا فی فجائعةطیر تحوم فلا ندری بمن تقع
و قال:
إن الحبیب من الأحباب مختلس‌لا یمنع الموت بواب و لا حرس
فکیف تفرح بالدنیا و لذتهایا من یعد علیه النوم و النفس
لا یرحم الموت ذا جاه لعزته‌و لا الذی کان العلم منه یقتبس
و قال:
المرء یطلب و المنیة تطلبه‌و ید الزمان تدیره و تقلبه
أی امری‌ء إلا علیه من البلی‌فی کل ناحیة رقیب یرقبه
من لم یزل متعجبّا من حادث‌تأتی به الأیام طال تعجبه
و قال آخر:
أمل یقربه الرجاء إلی المنی‌کم تسخر الآجال بالآمال
کذبتهم الأطماع حتی أنهم‌أیسوا بها إذا واعدت بمحال
أنشد لنفسه ابن المعتز:
خلیلی ولی العمر منا و لم نتب‌و ننوی فعال الصالحین و لکنا
فحتی متی نبنی قصورّا مشیدةو أعمارنا منا تهد و ما بنا
نکتة: مررت فی رحلتی ببعض قری الروم، فرأیت قبرا علیه بنیان قد أظهرت فیه الحکمة زخارف صنعة البنا و علی رأسه مکتوب.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 198 و ما ینفع الإنسان بنیان قبره‌إذا کان فیه جسمه یتهدم
یمسی و یصبح و الأشواق تغره‌و لا طمع فی الدنیا و لیس منهدم
موعظة: نظر سلیمان بن عبد الملک إلی وجهه فی المرآة فقال أنا الملک الشاب فقالت له إحدی جواریه:
لیس فیما بدا لنا منک عیب‌قد علمناه غیر أنک فإنی
أنت نعم المتاع لو کنت تبقی‌غیر أن لا بقاء للإنسان
و قال ابن غانم:
أنوح علی ذهاب العمر منی‌و حقی أن أنوح و أن أنادی
و اندب کلما عاینت رکبّاحدا بهم لو شک البین حادی
یعنفنی العذول إذا رآنی‌و قد ألبست أثواب الحداد
فقلت له اتعظ بلسان حالی‌فإنی قد نصحتک باجتهاد
و ما من شاهد فی الکون إلاعلیه من شهود الغیب بادی
فکم من رائح فیه و غادینادی من دنو أو بعاد
لقد أسمعت لو نادیت حیّاو لکن لا حیاة لمن تنادی
و قال غیره:
إذا اشتد شوقی جئت قبرک زائرّاأنوح و أبکی لأراک مجاوبی
فیا ساکن الغبراء علمتنی البکاو بعدک انسانی جمیع مصابی
لطیفة: قال الشیخ محیی الدین بن عربی فی کتابه المسامرة: لکل مقال مجال أخبرنی أحمد بن مسعود بن شداد المقری بالموصل قال کان لی صاحب یقال له علی الذهاب و کان یمر بی کل لیلة بعد مضی هذیع من اللیل و أنا بهذه المنظرة علی شاطی‌ء دجلة، فنادی یا زکی و أقول لبیک.
فیقول و ما أحسن ما قال:
بالله یا رکب الحجاز تحملوامنی تحیة مغرم و مشتاق
وقفوا علی شط الفرات و خبرواإنی قتیل محاجر الأحداق
فلم یلبث أن مات، فرأیته فی منامی فقلت یا علی ما أحسن ما کنت تأتینی به فی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 199
حیاتک کل لیلة و تنشدنی و أنشدته البیتین فتبسم و قال یا زکی کیف لو سمعتنی أنشدهما الیوم، فقلت له کیف فأنشد:
بالله یا رکب الحجاز تحملوامنی تحیة مغرم مشتاق
وقفوا علی شط الفرات و خبرواإنی رهین جنادل و طباق
قد کان فی موت الذین أحبهم‌ذکری اللبیب و عبرة العشاق
و ما أحسن ما قال:
فاخلع محبة من یموت و خذ بنایا قلب فی عشق الجمال الباقی
و قال غیره:
تنزهت عن دار تؤل إلی الفناو ملت إلی دار بها جنة المأوی
و قلت لتلک الدار لما ترکتهاسلام علی الفانی فلست له أهوی
مسألة: یسن للزائر أن یزور البقیع فی کل یوم متطهرّا تأسیّا صلی اللّه تعالی و سلم علیه و یقول السلام علیکم دار قوم مؤمنین أنتم السابقون و إنا بکم إن شاء اللّه لا حقون اللهم اغفر لأهل بقیع الفرقد، اللهم اغفر لنا و لهم أنشد لنفسه الشیخ أبو عبد اللّه القیومی مقتبسّا علی لسان الموتی:
تأمل ما الذی کنا علیه‌بأیام الحیاة و ما بقینا
و قل لما تمر بنا سلام‌علیکم دار قوم مؤمنینا
و المعروف المشهور بالبقیع من القبور، قبر العباس بن عبد المطلب، عم النبی صلی اللّه علیه و سلم و علیه ملبن ساج.
(و سکان دار لا تزاور بینهم‌علی قرب بعض فی التجاور من بعض
کأن خواتیما من الطین فوقهم‌فلیس لها حتی القیامة من فض
نساق بنو الدنیا إلی الحتف عنوةو لا یشعر الباقی بحالة من یمض
و قال آخر:
و ما الدهر إلا ساعة ثم تنقضی‌بما کان فیها من نعیم و من خفض
فهون و لا تحفل بحال مساءةو لا مزحة تأتی فکلتاهما تمض
و قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 200 ما الدهر إلا لیلة و یوم‌و یقظة بینهما و نوم
یموت قوم و یعیش قوم‌و الدهر قاض ما علیه لوم)
نکتة: قال الحسن البصری: یا ابن آدم إنما أنت أیام مجموعة فإذا ذهب یوم منها ذهب بعضک و قال آخر: ما انقضت ساعة من أمسک إلا ببضعة من نفسک. أنشد لنفسه الوزیر بن مقلة:
إذا مات بعضک فابک بعضافإن البعض من بعض قریب
أنشد لنفسه ابن الشبل البغدادی:
صحة المرء للسقام طریق‌و طریق الفناء هذا البقاء
بالذی نغتذی نموت و نحی‌أقتل الداء للنفوس الدواء
ما لقینا من غدر دنیا فلا کانت و لا کان أخذها و العطاء
صلف تحت راعد و سراب‌کرعت منه مومس خرقاء
راجع جودها علیها فمهمایهب الصبح یسترد المساء
لیت شعری حلم تمر به الأیام أم لیس تعقل الأشیاء
من مفاسد یکون فی عالم الکسوف فما للنفوس منه اتقاء
و قلیلا ما تصحب المهجة الجسم ففیم الشقاء و فیم الفناء
قبح الله لذة لشقاءنالها الأمهات و الآباء
نحن لو لا الوجود لم نألم الفقد فإیبادنا علینا بلاء
و قال آخر:
تسیر إلی الآجال فی کل ساعةو أیامنا تطوی و هن مراحل
و لم أر مثل الموت حقّا کأنه‌إذا ما تخطته الأمانی باطل
و قال عمارة:
و ما هذه الأیام إلا صحائف‌نؤرخ فیها ثم تمحی و نمحق
و أعجب شی‌ء من ذا أن دائرة المنی‌توسعها الآمال و العمر ضیق
و قال آخر:
(و ما هذه الأیام إلا مرامل‌لأن بها داء المنیة قاصد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 201 و أعجب شی‌ء إن تأملت أنهامنازل تطوی و المسافر قاعد)
و قال:
نصیر ترابّا کأن لم نکن‌وعاة العلوم رعاة الأمم
فتبّا لعیش قصیر الدوام‌و وجدان حظ قرین القدم
و قال آخر:
سل الأیام ما فعلت بکسری‌و قیصر و القصور و ساکنیها
أما استدعتهم للبین طراو لم تدع الحلیم و لا السفیها
و قال:
سل الأیام علی أمم تقضت‌ستخبرک المعالم و الرسوم
و لا تطلب بدار الذل عزافدارک لیس فیها ما تروم
وجد مکتوبّا علی لوح قبر:
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوامستبدلین من الأوطان أوطانا
ترکوا منازل کان العز مفرشهاو استفرشوا حفرّا غبرّا و قیعانّا
نکتة: قال الحکیم بطلیموس: لا یهولنکم أمر الموت فإن مرارته فی خوفه.
آخذه المتنبی فقال:
الأسی قبل فرقة الموت عجزو الأسی لا یکون بعد الفراق
و قال بعضهم:
لا تنکر فضیلة الموت‌فإنها وسیلة إلی فراقک
ما تکره و إن کان سببّا لفراقک ما تحب من القواعد الفقهیة دفع المضار مقدم علی جلب المصالح علی أنه لا طریق إلی الجادة و لا مدح إلا علی الإجادة:
جزی الله عنا الموت خیرّا فإنه‌أبر بنا من کل بر و أرأف
یعجل تخلیص النفوس من الردی‌و یدنی إلی الدار التی هی أشرف
و قال آخر:
قد قلت إذ مدحوا الحیاة و بالغوافی الموت ألف فضیلة لا تعرف
منها أمان لقائه بلقائه‌و فراق کل معاشر لا ینصف
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 202
قال فی کتاب تنبیه الغافلین «من أکثر ذکر الموت أکرم بتعجیل التوبة و القناعة بالقوت و النشاط إلی العبادة و من نسی الموت عوقب بتسویف التوبة و ترک الرضا بالکفاف و التکاسل فی العبادة.
تنبیه: قال حاتم الأصم: أربعة لا یعرف قدرها إلا أربعة الشباب لا یعرف قدره إلا الشیوخ و العافیة لا یعرف قدرها إلا أهل البلاء و الصحة لا یعرف قدرها إلا المرض و الحیاة لا یعرف قدرها إلا الموتی. و قال شقیق بن إبراهیم: وافقنی الناس فی أربعة قولا و خالفونی فیها فعلا قالوا إن اللّه تعالی کفیل بأرزاقنا و لا تطمئن قلوبهم إلا مع شی‌ء من الدنیا و قالوا نحن عبید اللّه و یعملون عمل الأحرار و قالوا الآخرة خیر من الأولی و هم یجمعون للدنیا و قالوا لا بد من الموت و هم یعملون أعمال قوم لا یموتون و عنه علیه الصلاة و السلام «القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أیسر و إن لم ینج منه فما بعده أشد و أعسر» . و قال سعید بن المسیب: لیس شی‌ء قبل الموت إلا و الموت أشد منه و لیس شی‌ء بعد الموت إلا و الموت أهون منه و قال آخر من أراد أن یعلم حال الدنیا بعده فلینظر إلیها بعد غیره.
من فاته من عقله وعظهیهات أن ینفعه اللفظ
ما تنفع العین إذا لم یکن‌لقلب من یرنو بها لحظ
و ما أصدق ما قال:
لو لم یکن موت لکانت هموم‌الدهر تنفی رغبة الراغب
قد أنذر الوعظ و أسماعناعن کل ما یذکر فی جانب
قال الأرجالی:
أسف علی ماضی الزمان و حسرةو فی الحال منه وحشة فی المقل
ما أن وصلت إلی زمان آخرإلا بکیت علی الزمان الأول
و قال غیره:
طول حیاة ما بها طائل‌عدمت فیها کل ما یشتها
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 203 أصبحت مثل الطفل فی ضعفه‌تشابه المبدأ و المنتها
و لم ألم سمعی إذا خاننی‌إن الثمانین و بلغتها
و قال آخر:
حملت العصا لا الضعف أوجب حملهاعلی و لا أنجیت منه الکبر
و لکننی ألزمت نفسی حملهالأعلمها إنی المقیم علی السفر الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص203
قال:
قد عصیت الهوی طفلا صغیرّا فعندماآتانی زمانی بالمشیب و بالکبر
أطعت الهوی عکس القضیة لیتنی خلقت کبیرّا ثم عدت إلی الصغر
و قال بن المعتز:
ترحل من الدنیا بزاد من التقی‌فعمرک أیام تعد قلآئل
و ما أقبح التفریط فی زمن الصبافکیف به و الشیب فی الرأس نازل
و قال غیره:
کم ذا یرینا الدهر من أحداثه‌عبرّا و فینا الصد و الأعراض
ننسی الممات و لیس نجری ذکره‌فینا فتذکرنا به الأمراض
و قال ابن أخیه علی بن الحسین زین العابدین، و أبو جعفر محمد بن علی الباقر و ابنه جعفر الصادق و فی الجوهر المنظم لابن حجر مشهد الحسن بجنب أمه فاطمة رضی اللّه تعالی عنها علی الأرجح و قیل دفنت فی بیتها خلف الحجرة داخل مقصورتها و ذکر ابن سعد أن یزید بعث برأس الحسین رضی اللّه تعالی عنه إلی عامله بالمدینة فکفنه و دفنه عند قبر أمه فاطمة رضی اللّه عنهما و عن عبد اللّه بن علی بن الحسین بن علی أنه قال ادفنونی إلی جنب أمی فاطمة بالمقبرة فدفن إلی جنبها.
و قال المسعودی فی مروج الذهب: إن أبا عبد اللّه جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب رضی اللّه تعالی عنهم توفی سنة ثمان و أربعین و مائة و دفن بالبقیع مع أبیه وجده.
قال: و علی قبورهم فی هذا الموضع [من البقیع] رخامة مکتوب علیها بسم اللّه الرحمن الرحیم الحمد للّه مبید الأمم و محیی الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 204
سیدة نساء العالمین، و قبر الحسن بن علی، و علی بن الحسین بن علی و محمد بن علی و جعفر بن محمد علیهم السلام، حکاه السید علی فی تاریخ الوفاء و علی هذه القبور قبة عالیة قدیمة البناء فی أول البقیع علی یمین الخارج إلیه و علیها بابان یفتحان کل لیلة جمعة و صبیحتها و یروی أن الحسن رضی اللّه تعالی عنه، نقل أباه إلی هذه القبور و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
عظام بأکناف البقیع زکیةلهن علینا حرمة و ذمام
و لآل رسول الله صلت علیهم‌ملائکة بیض الوجوه کرام
و قال بعضهم:
حب آل النبی حشو حشآئی‌قد جری فی مفاصلی و عیونی
أنا و الله مغرم بهواهم‌عللونی بذکرهم عللونی
و قال أبو فراس:
هم الغیوث إذا ما أزمة أزمت‌و الأسد أسد السری و الکرب مصطدم
مقدم بعد ذکر الله ذکرهم‌فی کل بدء و مختوم به الکلم
یأبی لهم أن یحل الذم ساحتهم‌ختم کریم [و أید بالندی] هضم
من معشر حبهم فرض و بغضهم‌کفر و قربهم منجی و معتصم
إن عد أهل التقی کانوا أئمتهم‌أو قیل من خیر أهل الأرض
و قال آخر:
و لأی لآل المصطفی عقد مذهبی‌و قلبی من حب الصحابة مفعم
و ما أنا ممن یستجیز بحبهم‌مذمة أقوام علیهم تقدموا
و لکننی أعطی الفریقین حقهم‌و ربی بأحوال البریة أعلم
و قال الشیخ حسن البورینی:
حسن ظنی یا رب فیک رجائی‌فی معادی و إن تعاطیت ذنبّا
أنا لله و الرسول محب‌و بنیه و المرء مع من أحبا
و قال الشیخ محی الدین بن العربی:
نعم حب آل البیت عندی فریضةعلی غیظ أهل البعد یورثنی القربا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 205 و ما طلب المختار منا جزاءه‌علی هدیه إلا المودة فی القربا
و قال غیره :
یا آل بیت النبی منی بذلت‌فی حبکم روحه فما غبنا
من جاء عن بیته یحدثکم‌قولوا له البیت و الحدیث لنا
و فیه إبراهیم بن رسول اللّه صلی اللّه تعالی و سلم علیه و علیه قبة مشیدة، و قبور أزواج النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و هی قبور ظاهرة و لا یعلم تحقیق من فیها منهن إلا قبر عائشة رضی اللّه تعالی عنها فی قول، و قبر عقیل بن أبی طالب، و معه عبد اللّه بن جعفر الطیار، و قبر صفیة بنت عبد المطلب عمة النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فی تربة أول البقیع و قبر مالک بن أنس أمام دار الهجرة و قبر نافع أحد القراء و قبر فاطمة بنت أسد أم علی ابن أبی طالب و علیها قبة فی آخر البقیع و قال ابن حجر لا أصل له و إنما هو سعد بن معاذ و قبر عثمان بن عفان ثالث الخلفاء رضی اللّه تعالی عنهم و فی شرقی البقیع، مسجد یعرف بمسجد البغلة فیها أثر یقال انه أشر حافری بغلة النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه قال فی الجوهر مسجد البغلة شرقی البقیع بطرف الحرة الغربیة لبنی ظفر من الأوس صلی فیه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و جلس علی حجر فیه و قل من جلست علیه إلا حبلت و فیه أثر علی حجر کأنه مرفق یقال انه مرفقه الشریف [ذرعه إحدی و عشرین فی مثلها] ، قال بعضهم تستحب الصلاة فی هذه المساجد المدنیة و إن لم تعرف أسامیها لأن الولید بن عبد الملک کتب إلی عمر بن عبد العزیز و هو والیه علی المدینة مهما صح عندک من المواضع التی صلی فیها النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فابن علیه مسجدّا فهذه الآثار کلها آثار عمر بن عبد العزیز و قد اندرست و جدد أکثرها و ملازمة الحجرة أولی و أفضل و ما لمن ظفر بالعین یتعلل بالآثار، و کیف لمن شاهد حمی الأحبة یستملی سواجع الأخبار و أما مسجد البقیع فقال فی الجوهر هو علی یمین الخارج من دربه یقال انه مسجد ابن أبی کعب الذی کان یتخلف إلیه النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه فیصلی فیه و یقول لو لا أن یمیل الناس إلیه لأکثرت الصلاة فیه و بالجملة فإن البقیع سلوة الأحزان و لهوة الولهان ما أمه المکروب إلا فرج اللّه علیه و لا المغلوب إلا توجهت کتایب النصر بالرحمة إلیه خلا ما اشتمل علیه من تذکار المعاد و أفکار أهل الرشاد و تقطیع أعناق الأطماع و شمول برکته حتی لبعید الانطباع.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 206 سقی الله أکتاف البقیع مع الهناسحائب إحسان و عفو و غفران
ففی سفحه قلبی مقیم لأنه‌أقام به أهلی و صحبی و إخوان
المقالة الثانیة:
فیما یتعلق بالزمان و تشتمل من یانع أزهارها علی أبواب تنفتح أنوار أکمامها من ریاض الخطاب.
تلقاک هذا العام أحسن ملتقاو وقیت فیه ما تخاف و تبقی
و لا زلت تلقی فیه کل مسرةو لا زلت ترقی فیه أشرف مرتقا
مسئلة: ابتداء السنة العربیة أول لیلة من المحرم فلا تزال حتی تهل فتدخل السنة الثانیة و تنقض الأولی و عند المغرب سادس سفر و شهور هذا التاریخ من رؤیة الهلال شرعا فلا تزید أیام الشهر علی ثلاثین و لا تنقص عن تسعة و عشرین و قد تتوالی أربعة کاملة و ثلاثة ناقصة (و قد تتوالی ثلاثة أشهر ناقصة و أربعة کاملة) و أما أشهره و مبداها من الهجرة النبویة فشهر ثلاثون و شهور تسعة و عشرون دائما أبدا و لا تتأخر الرؤیة عن الحساب بأکثر من یومین البتة.
و قال الراجز:
و لا یضر الیوم و الیومان‌تزایدا أو نقصّا سیان
و لهذه الأشهر أیام منحوسة، ضبطها الصفی فی قوله:
توق سبعة أیام قد اطردت‌فی کل شهر هلالی مناحسها
فثالث الشهر مذموم و خامسه‌و ثالث العشرة الوسطی و سادسها
ثم اخشی حادی عشریه فخشیته‌حزم و رابعها نحس و خامسها
و ضابطه المشهور:
محبک یرعی هواک فهل‌تعود لیال بضد الأمل
فذو النقط یوم بدا نحسه‌و فی غیر ذی النقط خیر حصل
و قال الشیخ شهاب الدین أحمد البلخی:
قلت و قد قال لی صدیقی‌صف نحس أیامنا و باذر
حسبک قد صار کل صب‌علی الحمی مدنفّا و ساهر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 207 مهملها قد حاز کل خیرو النحس فی عجمها فحاذر
و نظم بعضهم نحوس أشهر السنة فقال:
خف رابع عشرین من رمضان‌و توق فی شوال منه الثانی
و الثامن العشرین من ذی قعدةمما بعده لثمان
و اثنین مع عشرین خف لمحرم‌و العشر من صفر بلا تکوان
و ربیع رابعه فحاذر یومه‌و ثمان عشرین ربیع الثانی
و کذا جمادی ثم ثانی عشر مایتلوه یا من خص بالإحسان
و إذا أتی رجب فثانی عشرةو السادس العشرین من شعبان
و بیانها نثرّا ثانی عشر من المحرم، عاشر صفر، رابع ربیع الأول، الثامن و العشرین من ربیع الثانی و جمادی الأولی الثانی عشر من جمادی الآخرة و رجب السادس و العشرون من شعبان الرابع و العشرون من رمضان ثانی شوال الثامن و العشرون من ذی القعدة ثامن ذی الحجة فحاذر إن کان ینفع الحذر و قلد فی ذاک من اختبر فلقد رأیت بخط بعض أکابر العلماء فائدة صحیحة مجربة إذا انقضت المدة لم تنفع العدة و لا یغنی الحذر من القدر.
و إذا المنیة أنشبت أظفارهاألفیت کل تمیمة لا تنفع
و ما أصدق ما قال:
إذا کنت ملحوظّا بعین سعادةفلا تخش یومّا من رجوع الکواکب
فإن الذی قد قدر الله سعده‌بعید لعمری من صروف النوائب
و علی ذکر الشهر قال بعضهم:
لا تزر من تحب من کل شهرغیر یوم و لا تزد علیه
إن رؤیا الهلال فی الشهر یومّاثم لا تنظر العیون إلیه
و قال غیره :
إذا حققت ودا من صدیق‌فزره و لا تخف منه ملالا
و کن کالشمس تطلع کل یوم‌و لا تک فی مودته هلالا
و قال آخر:
إذا تخلفت عن صدیق‌و لم یعاتبک فی التخلف
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 208 فلا تعد بعد ذلک له‌فإنما وده تکلف
و ما أوقع ما قال:
(إذا ما اختلفت إلی صاحب‌و إن کان یدنیک من نفسه
فلا بد من ملل واقع‌تغیر ما کان من أنسه)
و قال آخر:
إذا شئت أن تجفا فزر متواترّاو إن شئت أن تزداد حبّا فزره غبّا
فلا تهمل الرأی السدید و تقتفی‌تخیل و هم تلتقی بعده کربا
و من الألغاز اللطیفة فی السنة، ما شجرة فیها اثنا عشر غصنا فی کل غصن ستون ورقة منها ثلاثون سودا و ثلاثون بیضّا فی کل ورقتین خمس زهرات المراد من الشجرة السنة و غصونها الأشهر و الورق الأسود و الأبیض اللیالی و الأیام و الزهرات الصلوات الخمس، و من الألغاز فی اللیل و النهار:
ما اسود فی حضنه أبیض‌و أبیض فی حضنه أسود
ما افترقا قط و لا استجمعاکلاهما من ضده یولد
شهر المحرم و هو أول السنة القمریة، أقسم اللّه تعالی به فی خطابه و افتتح به سورة من کتابه فقال «و الفجر و لیال عشر قبل الفجر هو المحرم لأنه فجر العام و لیال عشر هی لیالیه بل لآلیه و من أدعیته اللهم إنک أنت الأبدی القدیم و هذه سنة جدیدة أسألک فیها العصمة من الشیطان و أولیائه و العون علی هذه النفس الأمارة بالسوء و الاشتغال بما یقربنی إلیک زلفی یا ذا الجلال و الإکرام.
تهن فقد و افاک شهر المحرم‌بکل حلال لم یکن بالمحرم
و لا زال ممن یلتقیک بکل ماتحب و حبل الوصل لم ینصرم
فی الیوم الأول من هذا الشهر الشریف أو الثانی منه وصول قافلة المدینة المنورة أعنی رجوع من حج من أهلها الدعاء فیکون بین الناس من التزاور و التماس الأدعیة، و الهدایا کما یکون فی سائر البلدان إلا أن السید بها یزور العبد فی مثل هذا الیوم و لا کذا لک الأکابر فی غیر المدینة المنورة و ما أحسن ما قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 209 لقد جئتم و تفضلتم‌و شرفتمونا بنقل القدم
و لیس بعار و لا منکرمجی‌ء الموالی لبعض الخدم
و قلت جوابّا عنه:
لقد جئت نحوکم سادتی‌لأحظی بتقبیل موطی القدم
و أسعی إلیکم علی أعینی‌علی أننی من أقل الخدم
و علی ذکر الهدیة قال من اختبر و حقق الخبر:
توق و حاذر من قبول هدیةو إن جانا فیه الحدیث المرغب
فقد حدثت بعد الرسول حوادث‌تحذرنا منها و عنها ترغب
و فی الیوم الخامس منه أو یختلف باختلاف الأحوال یکون وصول الراکب المصری إلی المدینة الشریفة و بوصوله تتصل بسکانها الصدقات السلطانیة و الصلاة الخاقانیة و المرتبات المصریة فیتسلمها الحکام بصفة الخدام فی ملاء من الأکابر بمقتضی الدفاتر قال مفتی الحرمین قطب الدین الحنفی إن أهل الحرمین الشریفین ما شبعوا فی دولة من الدول مثلما شبعوا فی دولة آل عثمان خلد اللّه تعالی أیامهم إلی قیام المیزان و تمتاز أهل المدینة بما فضل عن أهل مکة مع هذا الرکب من الأمتعة و الأشربة و یکون لهم موسم لطیف، و یکون للحجاج کمال البشارة بالسرور و الهناء و بلوغ الآمال و أهمها الزیارة.
تمام الحج أن تقف المطایاعلی لیلی و تقریها السلاما
فإذا حجوا و لم یقفوا بلیلی‌فلست أری لحجتهم تمامّا
و من محاسن هذا الرکب أمیره الذی یمیره و هو مولانا الأمیر رضوان بیک أعز اللّه تعالی ذاته و أطال و أطاب حیاته فإنه عم بعدالته و إحسانه الرکب و أهل الحرمین و قصة محاسنه إن شاء اللّه تعالی حالیة علی التنمیق و المنن فاللّه تعالی یبقیه للمعالی و یجعله ذخرّا للفقراء و یقبل فیه أدعیتهم حتی بعنایة اللّه تعالی غرة فی جبهة الأمراء أمین أمین لا أرض بواحدة حتی أضیف إلیها ألف أمینّا، و فی اللیلة الثانیة من وصوله یقر المولد السلطانی فی صحن المسجد النبوی بحضرة أمیر الرکب و حکام المدینة و أغنیائها و یوقد الشمع و العنبر و یحرق الند و عود المجمر و تفرق أنواع السکر و الحلوی علی من حضر ذلک المجلس الشریف و المحفل المنیف و فی الیوم الثالث غالبّا أو الرابع من دخول هذا الرکب یکون رحیله إلی وطنه بالإمدادات النبویة و الصلاة المصطفویة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 210
و یحکی أن بعض أشراف الیمن قدم المدینة المشرفة للزیارة فتوجه إلی الحضرة الشریفة و أنشد:
یا لیت شعری إلی قبول‌و هل إلی السؤل لی وصول
(و هل لقصدی وجد سعی‌قد رضی الله و الرسول)
إلی أن قال:
إن قیل زرتم بما رجعتم‌یا أکرم الرسل ما نقول
فسمع الصوت من داخل الحجرة المعطرة یقول:
قولوا رجعنا بکل خیرو اجتمع الفرع و الأصول
و قال آخر:
بابه للنزیل غیث و غیث‌فیه یلقی مراده و مرامه
إن آتاه الفقیر نال ثراءأو آتاه الغنی نال الکرامة
و قال:
و لاح فلاحی فی اطراحی ببابه‌و أیقنت أنی منه بالقصد راجع
فلا کان هذا آخر العهد بینناو لا قطعنا عن حماه القواطع
و قال:
قف علی الباب خاضعّاعند ضیق المناهج
فهو باب مجرب‌لقضاء الحوائج
و قال:
قفا نبک دارّا شط عنا مزارهاو انحلنا بعد البعاد أذکارها
کلها بالوهم فکرهی لناظری‌و أکثر ما یفنی النفوس افتکارها
إذا أبعدت عنی منازل طیبةفلا وجدت روحی بجسمی قرارها
و إن غاب عن طرفی حماها و ربعهاقسر الحشا منی و صدری دارها
فلا فقدت عینی منارة بلدةطول اللیالی فی ذارها قصارها
و قال:
علی ساکنی وادی العقیق تحیةمن المغرم المشتاق و الواله الصب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 211 أقاموا و سرنا و الفؤاد لدیهم‌و ما حال جسم فی الهوی سار عن قلب
و قال:
علیک سلام الله یا خیر منزل‌برزنا و ودعناه غیر ذمیم
فلا تکن الأیام فرقن بیننافما أحد من ریبها بسلیم
و قال رضی اللّه عنه:
إلهی لا تجعله آخر عهدناو لا تجعل اللهم رحلتنا طردا
و عجل لنا حسن الآیات تفضلاو سهل لنا صعب الأمور إذا اشتدا
و قال:
یا دار هل یقضی لنا برجوع‌و یعود لی یا عین طیب هجوعی
یا جیرة کاد المشوق بینهم‌یقضی أسی فی حالة التودیع
قلبی لیوم فراقکم متوجع‌وا رحمتاه لقلبی الموجوع
فرقتم ما بین جفنی و الکری‌و فصلتم بین الأسی و ضلوعی
جسمی معی و القلب بین خیامکم‌ما ضرکم لو کان ثم جمیعی
و متی ذکرت لیال سلفت لنابالجزع فی روض و ظل ربوعی
کادت تذوب جویّ حشاشة مهجتی‌لو لا یجود علی فیض دموعی
و من فراقیات الفیومی:
استودع الله الحفیظ أحبةخلفتهم بین الأبیرق و النقا
فارقتهم حتی إذا ذقت النوی‌لم أدر کیف رضیت أن نتقدما
یا آمری بالصبر بعد فراقهم‌إن الصبر بعدهم لا یلتقا
لا تذکر الصبر الجمیل فإنه‌ماتت محاسن وجهه و لک البقا
لم یبق لی بعد التفرق رغبةفی العیش لو لا أن من عاش التقا
سکنوا بقلب آنسوه و أوحشوالحظا جری من بعدهم و تدفقا
هداک عندهم و ذاک محجب‌سبحان من کتب السعادة و الشقا
و قال آخر:
بکیت لفقد الأربع الخضیر بعدهم‌علی الرملة الفیحاء بالأدمع الحمر
و کیف بقا إنسان عینی و قد أتی‌علی ذلک الإنسان حین من الدهر
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 212
و یتلوه الرکب الشامی قافلا إلی وطنه فیقیم بالمدینة نحو عشرة أیام و ینزل بالمناخة الشامیة فی شرقی سلع و ربما نزل بعضه بمناخة المصلی فیشرق به المراح و تعد لیالیه من لیالی الأفراح و یعمر به المسجد النبوی و المعهد المصطفوی بالذکر و التلاوة و زیارة صاحب الهراوة.
و یطیب عیش ذوی المودة و الصفابالهاشمی المصطفی المختار
عاش المحرم و هو یوم الوفاء و میقات الدیون و یسمی یوم الزینة جمع اللّه علی فضله الآراء و خصه بالتکریم و ختم به میقات موسی الکلیم و فی کتاب البرکة فی السعی و الحرکة.
و اختلف فی یوم عاشوراء فقیل: هو التاسع .
و قیل: هو العاشر و هو المشهور .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 213
و قیل هو الحادی عشر و فی الدرة الیتیمة و فی السنة الثانیة من الهجرة أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بصیام عاشوراء و قال أنا أحق بموسی من الیهود ثم زوج علیّا فاطمة رضی اللّه تعالی عنها ثم أمر بالصلاة نحو الکعبة ثم نزلت فریضة الصوم فی شعبان فقاموا رمضان ثم صلی صلاة العید و ضحی بکبشین و عن بعض السلف من صام یوم الزینة أدرک ما فاته من صیام سنته و من تصدق فیه أدرک ما فاته من صدقة السر قیل و ما حکی من ورود الأغتسال فیه و الاکتحال و مسح رؤوس الأیتام و الأطفال، فلا أصل لذلک من شریعة سید الأنام کما نبه علیه العلماء الأعلام و فیه یوسع أهل المدینة فی معاشهم و یتهادون بالأطعمة و ذلک من السنن السنیة.
و ما أحسن ما قال:
وسع علی أهلک فی رزقهم‌و کن لما تملکه منفقا
فالمرء لا یرزق إلا علی‌مقدار ما وسع أو ضیقا
و فی غضون هذا الشهر یکون قدوم الرکب العراقی (فینزل) فی مراحة و هو شمال العریض من شرقی المدینة و یکون له سوق هنالک و تعمر به هاتیک المسالک و بالجملة فإنه من المواسم المشهودة و الأیام المعدودة.
هنیت یا ذا العلا بشهر صفرمظفرا بالعد و أی ظفر
و دمت یا ذا النوال فی دعةیرعاک مولاک فی إقامة و سفر
شهر صفر الخیر فی أوائله- یفرش المسجد النبوی و تخرج الربعات الشریفة من الحجرة المعطرة إلی الروضة المطهرة و یشرع العلماء فی إلقاء الدروس و من محاسن المدینة الشریفة أن أهلها لا یعنون بعلوم الفلسفة و الریاضة بل و لا کتب الکلام و الجدل إلا ما شذ من الأعاجم الواردة إلیها من الآفاق و إنما همتهم فی الشرعیات و ما یحتاج إلیه من العربیة و کان یقال قل ما شئت فی؟؟؟ المتحبی بالفلسفة من الرکاکة و الفسفسة و قلما یحرس مهجته من لا یخرس لهجته و کان یقال العلوم ثلاثة رئیسیة و نفسیة و خسیسة فأما الرئیسة فهی الشرعیة کالفقه و الحدیث و التفسیر و ما فی معناها و أما النفسیة فهی العربیة و هی علی ثلاثة عشر علما کما فی المنهل
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 214
الصافی و أما الخسیسة فهی علوم الفلسفة و قد فصلتها فی کتاب النصر و أنشدوا:
یا وحشة الإسلام من فرقةمشغلة أنفسها بالسفه
قد نبذت دین الهدی خلفهاو ادعت الحکمة و الفلسفة
و قال آخر:
اتق الله و الزم هدی دینه‌و بعدهما فاطلب الفلسفة
ودع عنک قومّا یعیبونهاففلسفة المرء قل السفه
نکتة: فی کتاب أخبار المأمون یروی أنه بعث إلی صاحب جزیرة قیرس یطلب منه خزینة (کتب) الیونان فجمع کبار دولته و استشارهم فقال رئیسهم الرأی عندی أن تبعث بها إلیه فإن کتب الفلسفة ما دخلت علی شریعة إلا أفسدتها فجهزها إلیه فکان من أمرها ما اطربت له الأفهام و زلت بسببه الأقدام و أوقع فی مهاوی الکلام وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما یَفْتَرُونَ .
و ما أحسن ما قال:
و إذا طلبت العلم فاعلم أنه‌حمل ثقیل فانتخب ما تحمل
و إذا علمت بأنه متفاضل‌فاشغل فؤادک بالذی هو أفضل
و قال آخر:
إذا ما اغتر ذو علم بعلم‌فعلم الفقه أولی باعتزاز
فکم عرف یفوح و لا کمسک‌و کم طیر یطیر و لا کباز
و قال:
و إذا أردت من العلوم أجلهافعلیک بالقرآن و الاعراب
هذا لدینک إن أردت دیانةو هدی و ذاک لمنطق و خطاب
و قال:
إذا لم یکن مر السنین مترجماعن الفضل فی الإنسان سمیته طفلا
و لا تنفع الأیام حین تعدهاو لم تستنفد علما یزین و لا فضلا
و قال:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 215 و فی (الجاهل قبل) الموت موت لأهله‌فأجسامهم فی القبور قبور
و إن أمرأ لم یحیی بالعلم میت و لیس له حتی النشور نشور
و قال بعضهم اطلب العلم فلان، یذم لک الزمان خیر من أن یذم بک أخذه بعضهم فقال:
تجنیت أن تذم بک اللیالی‌و حاول أن یذم لک الزمان
و لا تحفل إذا کملت ذاتاأصبت الغرام حصل الهوان
فذم الدهر للإنسان خیرمن الإنسان ذم به الأوان
و قال آخر:
إذا رأیت حکیما لا تجالسه‌خلاف حکمته جن و لا بشر
و هو الحکیم الذی فی نفسه ذلک‌و الشمس فی حجراه و القمر
فکن له خادما و الزم نصیحته‌حتی تبین لک الآیات و السور
و قال:
العلم فی الرجل الحکیم زیادةو نقیضه فی الأحمق الطیاش
مثل النهار یرید ابصار الوری‌نورّا و یعمی أعین الخفاش
و قال:
إذا لم یزد علم الفتی قلبه هدی‌و سیرته عدلا و أخلاقه حسنا
فبشره أن الله أولاه حسرةتغشیه حرمانّا و توسعه حزنّا
و قال:
فساد کبیر عالم منهتک‌و أکبر منه جاهل متنسک
هما فتنة من العالمین عظیمةلمن بهما من دینه یتمسک
و قال:
و من کان علم النفس مما یسره‌فإنی امرء یا طالما سانی علمی
و لم أر من الأشیاء و الحظ شاهدبما ادعی شیئّا أضر من الفهم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 216
نکتة: آخر کلام قاله الفخر الرازی فیما یروی عنه من هذا الباب:
الذی دلت علیه التجربةو تحرر من آخر الأمر
ان قدر الإنسان بالعلم‌و قدر العلم بالمال
و قد نظمته فقلت:
قیمة الإنسان بالعلم کماقیمة العلم بمال مسعد
فاسع فی تحصیل کل منهمافهما للمرء أهنی مورد
و قال بعض الأکابر:
صرفت زمانّا فی فنون جمعتهاو أفرغت جهدی و الجنون فنون
و لما تجلی الأمر و انکشف الغطاتبین لی أن الفنون جنون
و قال آخر:
صفاء العیش أن تلقی حکیمّاغذاه العلم و الفهم المصیب
فیکشف عنک حیرة کل جهل‌و فضل العلم یعرفه اللبیب
و قال:
إذا أنت لم ینفعک علمک لم تجدلعلمک مخلوقا من الناس یقبله
و إن زانک العلم الذی قد حملته‌وجدت له من یجتنیه و یحمله
لکل تربة غراس‌و لکل بناء أساس
نکتة:
و من حوی العلم ثم أودعه‌بجهله غیر أصله عدمه
و کان کالمبتنی البناء إذاتم له ما أراد هدمه
و قال:
لا تناظر جاهلاأسندک الدهر إلیه
إنما یهد له علمایعادیک علیه
و فی المغنی:
إذا جلست مع الرجال و أشرقت‌من أفق باطنک المعانی الشرد
فاحذر مناظرة الجهول فربماتغتاض أنت و یستفید و یجحد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 217
و قال:
إذا لم یکن عالما بالسؤال‌فترک الخطاب به أسلم
و إن أنت شککت فیماسئلت فخیر جوابک لا أعلم
و قال محمد بن بشر:
أما لواعی کل ما أسمع‌و أحفظ من ذاک ما أجمع
لکنت المحقق فیما یری‌من المشکلات و ما یسمع
و لکن نفسی إلی کل شی‌ءمن العلم تسمعه تنزع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ولا أنا من جمعه أشبع
و من یک من علمه هکذافذلک بالقهقری یرجع
إذا لم تکن حافظّا واعیّافجمعک للکتب لا ینفع
أتحضر بالجهل من مجلس‌و علمک فی الکتب مستودع
و قال غیره:
العلم زرع و التأمل ماؤه‌و الزمن أرض و المعلم زارع
و البحث فیه شمسه و سماؤه‌ملقی الأفاضل و اختلاط نافع
و نموه بإفادة و نماؤه‌عمل إلی أعلی المراتب
و نفاق هذا العلم فی سوق‌القبول تقی و إخلاص به و تواضع
ثم التفکیر و الریاء و العجب‌آفات و کل للسعادة مانع
غریبة: من أخبار مصر یحکی عن بعض ملوکها ممن سلف انه عمل مدینة و عمل فیها صورة علی عمود من رخام من اعتنقه لم یحتجب عن نظره شی‌ء من الروحانیة و سمع کلامهم و رأی عملهم و عمل علی کل باب من أبواب هذه المدینة صورة راهب و فی یده صحائف شتی کثیرة فی کل صحیفة علم من العلوم فمن أحب معرفة ذلک العلم وضع تلک الصحیفة علی صدره فیرشح ذلک العلم فیه إلی أن یموت و عمل فیهما مرآة تری منها الأقالیم السبعة.
فی الأرض آیات فلا تک منکراو عجائب الأشیاء من آیاته
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 218
و فی الیوم العاشر منه غالبا یکون قدوم المرزوقی. و هی عبارة عن تجار الیمن و هو موسم البهار و الطیب.
یهنیک شهر ربیع الأول‌فالسعد قد وافا و قد أقبل
و الله خولک السعود به‌فاسعد بما أعطی و ما خول
شهر ربیع الأول فی أول لیلة جمعة منه یکون مولد الشیخ أحمد البدوی و له موکب مشهود. و فی اللیلة الثانی عشر منه. یکون مولد النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و شرف و کرم و مجد و عظم ، فیا له من نبی أشرف بظهوره فیه یوم الاثنین و استمد من نوره نور القمرین. قال العلامة ابن حجر: ولد علیه السلام یوم الاثنین بمکة لیلة ثمان من ربیع الأول عام الفیل عند أهل الحدیث و التاریخ و الذی علیه الجمهور و هو الصحیح المشهور أنه لثنتی عشرة و علیه العمل.
فیا شهرّا کان لیالیه لیالی العقودو یا وجهّا مشرقّا ما أشرفه من مولود
فسبحان من جعل حسنه حسنا بدیعاو مولده للقلوب ربیعا
لنا لسان الحال منه‌و قول الحق یعذب للسمیع
فوجهی و الزمان و شهر و ضغی‌ربیع فی ربیع فی ربیع
و قال:
لقد بلغت بالهاشمی حلیمةمقامّا علّا فی ذروة العز و المجد
و زادت مواشیها و أخصب ریعهاو قد عم هذا السعد کل بنی سعد
فأکرم به من مولود أشرقت الأرض بساطع نوره و صدقت و عود الأنبیاء بظهوره، و أضاءت لمولده قصور الشام، و نکست لکرامته رؤوس الأصنام و انشق ایوان کسری، و أذن بالانهزام و خمدت نار فارس و لم تکن تخمد منذ ألف عام و لم تجد ذات الطلق به بؤسا، و لا ولدته کغیره منکوسا بل خرج صلی اللّه تعالی و سلم علیه علی یدیه معتمدا، و بالملائکة المقربین معتضدا رافعّا طرفه إلی السماء، مشیرّا بإصبعه متبسمّا مقطوع السرة مختونّا و مبارکّا علی الأمة میمونّا و لم تزل العنایة ترشده و الحراسة
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 219
تسعده حتی جاءه الروح الأمین برسالة رب العالمین، فشمر عن ساق الجد و الاجتهاد، و جاهد فی اللّه حق الجهاد حتی تمم مکارم الأخلاق، و بین أحکام الدین یقینّا (و أنزل اللّه عز و جل علیه الکتاب المستقیم تبیانّا و تعلیمّا و قال فیه) الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً فأیام هذا الشهر مبتسمة الثغور، و لیالیه مشرقة بالنور و الدعاء فیه مسموع و العمل الصالح فیه مقبول مرفوع.
قال ابن حجر: و إنما لم تکن الولادة فی یوم جمعة أو فی شهر رمضان لئلا یتوهم تشرفه علیه السلام بذلک الزمن الفاضل فجعل فی المفضول لتظهر به مزیته علی الفاضل، و نظیر ذلک دفنه بالمدینة المنورة دون مکة و القدس و ما أحسن ما قال:
حباک الله رب المشرقین‌جمیع الحسن یا جد الحسین
لهذا قلت قولا غیر میسن‌و أحسن منک لم تر قط عینی
و أفضل منک لم تلد النساء منحت فصاحة النطق العذیبی‌و حسن الخلق من علام غیبه
و تملک الإله بغیر ریب‌خلقت مبرء من کل عیب
کأنک قد خلقت کما تشاء و فی مثل هذا الیوم کانت وفاته علیه أفضل الصلاة و السلام و قیل فی الیوم الثامن و العشرین من صفر. و فی کتاب اللیث العابس فی صدقات المجالس. توفی علیه الصلاة و السلام ضحی یوم الإثنین لثنتی عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الأول سنة إحدی عشرة من الهجرة عن ثلاث و ستین سنة من عمره مبلغّا رسالات اللّه مجاهدّا لأعداء اللّه، و دفن لیلة الثلاثاء، و کانت مدة مرضه اثنا عشرة یومّا، و قیل أربعة عشر.
لطیفة: استخرج بعض أهل الأدب مدة عمره الشریف من لفظ بنی‌ء بالهمزة فإن عدده بحساب الجمل ثلاثة و ستون. کما استخرجوا عدة الرسل من اسمه الکریم محمد.
و ذلک بطریق البسط لأن فیه ثلاث میمات کل میم بتسعین جملتها بمائتین و سبعین. و حا بتسعة أو عشرة باعتبار الهمزة ألفّا، و دالّا بخمسة و ثلاثین، فالجملة ثلثمائة و أربعة عشر أو خمسة عشر و ذلک عدد الرسل علی الخلاف فیه. و فی الدرة الثمینة لما اشتد به علیه
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 220
الصلاة و السلام وجعه قال أهریقوا علی من سبع قرب من آبار شتی حتی أخرج إلی الناس فأعهد إلیهم .
و قال فی وجعه الذی قبض فیه: یا أیها الناس سعرت النار و أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم و إنی و اللّه ما تمسکون علی بشی‌ء إنی لم أحل إلا ما أحل القرآن، و لم أحرم إلا ما حرم القرآن، و کان یقول: إن للموت لسکرات اللهم اغفر لی و ارحمنی و ألحقنی بالرفیق الأعلی .
ربیع الآخر قد أقبلاسقیت فیه العارض المسبلا
فاهن به شهرّا شریفّا أتی‌بالیمن و الإسعاد مستقبلا
شهر ربیع الثانی و فی اللیلة الثانیة عشر منه مولد السیدة فاطمة الزهراء رضی اللّه تعالی عنها- و الیوم الثانی عشر منه مولد الشیخ عبد القادر الکیلانی- قدس سره- و فی هذا الشهر و الذی قبله تکون عقود الأنکحة بالمدینة الشریفة أکثر منها بغیرهما.
بجمادی الأولی تهنی ملیالابسا من علاک فیه حلیا
دمت فیه و فی سواه رفیعّاکل یوم ترقی مکانّا علیا
شهر جمادی الأولی فیه یکون مولد الشیخ أحمد بن علوان- قدس سره- و فی الیوم الحادی و العشرین منه مولد الأقدس الأبر الشیخ الأکبر محیی الدین بن العربی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 221
الحاتمی الطائی صاحب المنح و الفتوحات، و یعرف هذا الشهر فی المدینة باللأواء.
یهنیک یا رب الصفات الفاخرةبهلال خیر جمادی الآخرة
و أراک ربک فیه ما تختاره‌و حباک فیه المعانی الزاخرة
شهر جمادی الآخرة:
و فی الیوم الثامن عشر منه مولد الشیخ أحمد الرفاعی و فی آخر خمیس فیه یذهب کثیر من الناس إلی زیارة السید حمزة، و یعرف ذلک الیوم بخمیس الفتح، و بتمام هذا الشهر ینحل اللأواء فی الغالب.
مهینا جاء فیما جاءکم رجب‌و مثلکم من تلقاه بما یجب
و لو سعی فوق آفاق السعود لکم‌هلاله لهناکم لم یکن عجب
شهر رجب الأصب. فی أول جمعة منه یکون مولد الشیخ بدر الدین العادلی و یقرأ المولد فی زاویته التی هی تجاه المدرسة الرسمیة شرقی منهل الحارة و فی تلک اللیلة یصلی صلاة الرغائب من یری صحة خبرها، و فی اللیلة الثانیة عشر منه یکون زیارة السید حمزة و هی جمعیة عظیمة معدودة مشهورة تطلع أهل المدینة إلی وادی قناة بالخیام و یکون هنالک سوق لطیف و تکون عند الضریح تلاوة القرآن العظیم حتی الصباح، و یقرأ المولد الشریف فی مواضع متعددة، و بالجملة فإن هذه الجمعیة لا نظیر لها فی المدینة المنورة، و فی الیوم السادس عشر منه یقرأ مولد بمسجد سیدنا علی بن أبی طالب- کرم اللّه وجهه-.
و فی الیوم الخامس و العشرین منه یکون قدوم قافلة الزوار من أهل مکة و أعمالها فیکون بهم موسم لطیف. و فی اللیلة السابعة و العشرین منه و هی لیلة المعراج لیلة یفرق فیه کل أمر حکیم، و قد قال بأنها لیلة القدر رب خبیر حکیم و کل اللیالی لیلة القدر إن دنت کما أن أیام اللقاء یوم جمعة و یکون بالمسجد النبوی جمعیة لطیفة و مولد حافل قیل و کان الإسراء من بین الحجر و الحطیم إلی بیت المقدس الشریف ثم أتی بالبراق و عرج به إلی السبع الطباق قال فی المواهب و إنما کان الإسراء لیلا للتخصیص بمقام المحبة لأن اللّه تعالی اتخذه حبیبّا و خلیلا و اللیل أخص زمان المحبین یجمعهما فیه، و الخلوة بالحبیب متحققة باللیل. انتهی.
و کم لظلام اللیل عندی من یدتخبر أن المانویة تکذب
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 222
و قد قیل أن الإسراء کان فی شهر ربیع الأول، و قیل الآخر، و قیل فی شهر رمضان و قیل فی شوال و قال بعض الحفاظ لم یقم دلیل معلوم علی شهر معین و قد حصل الاتفاق علی أنه کان فی السنة الثانیة عشر من البعثة و هل کان مرة أو أکثر منامّا أو یقظة بروحه الشریف أم بروحه و جسده فیه خلاف بین الأمة و الذی علیه الجمهور أنه کان مرة یقظه بجسده الشریف و الإسراء متعدد و من أشعار المواهب.
سبحان من أسری إلیه بعبده‌لیری الذی أخفاه من آیاته
کحضوره فی غیبه و کشکره‌فی صحوه و المحو فی إثباته
و یری الذی عنه تکون سره‌فی منعه إن شاءه و هباته
شعر:
تهن بشهر شعبان المبارک‌فبالبرکات و الحسنات زارک
تضاعف أجرک المقبول فیه‌و أعلی الله منه لنا منارک
شهر شعبان المکرم:
فی أول یوم منه یکون خروج قافلة الزوار من أهل مکة و أعمالها و فی اللیلة الثانیة عشر منه تکون بمساجد الفتح جمعیة عظیمة لقراءة المولد الشریف إلی وقت الصباح و فی اللیلة الخامس عشر منه و هی لیلة البراءة یقرأ بالمسجد النبوی مولد حافل و یحیی هذه اللیلة بالذکر أهل الزوایا و بأنواع العبادة من وفق إلیها.
و إذا حلت الهدایة قلبّانشطت للعبادة الأعضاء
قیل و أبهة هذه اللیلة تظهر بالقدس الشریف.
مسئلة: یستحب إحیاء ثلاثة عشر لیلة فی السنة و هی أول المحرم، و لیلة عاشوراء، (و أول جمعة من رجب و لیلة النصف منه) و لیلة سبع و عشرین منه و لیلة النصف من شعبان، و لیلتا العیدین و خمس لیال من شهر رمضان و هی أوتار لیالی العشر الأواخر حکاه ابن حجر، و لله در القائل:
إغتنم رکعتین زلفی إلی الله‌إذا کنت فارغّا مستریحّا
و إذا ما هممت بالنطق بالباطل‌فاجعل مکانه التسبیحا
فاغتنام السکوت أفضل من‌لغو و إن کنت بالکلام فصیحا
و لیلة النصف من شعبان لیلة الحلوی فی أکثر البلدان، فإن الناس یطبخونها فی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 223
تلک اللیلة و یتطاعمون بها، و أهل الحرمین یخصونها بالمشبک و لها ذکر فی الشعر و قد کثر تشبیه المحبوب بهلیل شعبان و الظاهر أن ذلک لتعلق الابصار به خوف دهمه شهر رمضان، فلذلک یسمی القصیر فإن الناس یغتنمون فیه الاجتماع بالأحباب و التنزهات فی البساتین حتی قال بعض أهل المجون:
قل لشهر الصیام إنک لا شک‌علینا من الشهور الطوال
صل علینا و طل و ثقل و بالغ‌ستری ما یکون فی شوال
و ما أحسن ما قال:
شهر الصیام لقد کرمت نزیلاو نویت من بعد المقام رحیلا
فعلیک ألف تحیة منا فقدطبنا بوصلک مستمرا و مقیلا
و قیل: لأن اللّه تعالی خلق النور فی ثانی عشر شعبان و قیل و قیل و لم تستفد فی بحثنا طول عمرنا سوی أن حفظنا منه قیل و قالوا، و یسمی هذا الشهر شهر الکرامة و فیه یذهب الناس علی اختلاف طبقاتهم إلی البساتین فیقیمون بها علی قدرتهم و سعتهم فی الرزق و أنشدوا:
أقول لمن یمر بأرض نجدلیظفر من رباها بالدیار
تزود من شمیم عرار نجدفما بعد العشیة من عرار
و قل أیضّا لمغتنم صفاءعلی معنی یلوح لذی اعتبار
إذ العشرون من شعبان ولت‌فواصل شرب لیلک بالنهار
و لا تشرب بأقداح صغارفإن الوقت ضاق علی الصغار
شعر:
نلت فی ذا الصیام ما تشتهیه‌و قال الإله ما تتقیه
أنت فی الناس مثل شهرک فی‌الأشهر بل مثله لیلة القدر فیه
شهر رمضان المعظم فیه یعمر المسجد بتلاوة القرآن العظیم لیلّا و نهارّا سرّا و جهارّا و تکثر قراءة کتب الحدیث فیه کالشمائل و المصابیح و المشارق و صحیح البخاری.
و ما أحسن ما قال:
ما لذتی إلا روایة مسندقد قیدت بفصاحة الألفاظ
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 224 (و مجالس فیها علی سکینةو مذاکرات معاشر الحفاظ)
و قال الشیخ الأکبر محیی الدین بن العربی- (قدس اللّه تعالی سره العزیز) -.
العلم أشرف ما أوتیت من منح‌و الکشف أعظم منهاجّا و أوضحه
فإن سألت إله الخلق مسألةفاسأله کشفّا فإن الله یمنحه
و قال غیره:
العلم من طی الدفاتر فاترو العلم من نشر الدروس دریس
ما العلم إلا ما أتاک و لم یکن‌یدریه لا ملک و لا إبلیس
و إذا کان اللیل توقد الشموع و تقام صلاة التراویح بإمام حنفی و آخر شافعی فی المحرابین علی سبیل التناوب، فیختم کل منهما الکتاب العزیز فی صلاة التراویح و یکون ختم الحنفی فی لیلة التاسع و العشرین و الشافعی فی لیلة السابع و العشرین و یکون لذلک الختم مجمع عظیم و مهیع کریم، و کل یجد منه بحسب حاله و بالجملة فلا یخلو أحد من إحسان هذا النبی الکریم و نواله .
علی قدرک الصهباء تعطیک نشوةو لست علی قدر السلاف تصاب
و لو أنها أعطتک یومّا یقدرهالضاقت بک الأکوان و هی رحاب
و ما أصدق ما قال:
کریم یهاب الدهر حرمة جاره‌و ما أحد فی المحل عن رفده ردا
هو الشمس لکن أرمدتنا ید الهوی‌و کیف تری شمس الضحی مقلة رمدا
و أما الزوایا فإن أهلها بعد صلاة الجماعة یوقدون فیها القنادیل و الشموع و یقرأ حادی قافیة من الوتریة و هی قصائد مخمسة مرتبة علی حروف المعجم تشتمل علی مدح النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه و کلما قرأ بیتّا منها بالألحان المصوغة المصنوعة قابله الجماعة بالصلاة علی النبی بنغمة شجیة تهتز لها الأعطاف ثم یصنع کذلک حادی الیسار فیقرأ بیتّا من الطرائفیة و هی قصائد تعارض الوتریة إلا أن بعضها غزل و بعضها مدح، فلا یزالون کذلک إلی وقت السحر ثم إنهم ینشدون و یعملون الموشحات و الأذکار الیمانیة و یختمون فیحصل بذلک رفق بالسامعین و المنفردین الذین لا أهل لهم و لا أنیس و فی الیوم السابع عشر من شهر رمضان یذهب المجاورون بالمدینة إلی مسجد قباء یزعمون
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 225
أن الاتیان إلیه فی هذا الیوم بخصوصه و الصلاة فیه سنة و یذهب کثیر من أهل المدینة معهم فی ذلک الیوم للزیارة بمقتضی داعیة الجمعیة و توقد قنادیل المنابر من دخول وقت المغرب إلی طلوع الفجر الصادق اعلامّا بالوقتین لمن کان فی أطراف المدینة و من لم یسمع الأذان و المنابر بها تسع منها خمس بالمسجد النبوی و أربع خارج السور.
تهن بشهر شوال‌و عش مسموع أقوال
و دم وابق لقصادو وفاد و سؤال
شهر شوال المبارک أول یوم منه عید الفطر یجتمع الناس فیه لصلاة العید فی المسجد النبوی ثم یذهبون إلی زیارة أهل بقیع الفرقد ثم یرجعون إلی أهالیهم و أصحابهم فیتزاورون إلی تمام الیوم الثالث و علی ذکر العید فما أحسن ما قال:
إن عیدّا بطیبة و صلاةبمصلی الرسول فی یوم عید
نعم ضاق واسع الشکر عنهافهی بشری لکل عید سعید
کم تمنیتها فنلت التمنی‌آخر لعمر من کان مکان بعید
و إذا کان فی البقیع ضریحی‌و توسدت طیب ذاک الصعید
فاشهدوا لی بکل خیر و بشرعند ربی و مبدئی و معیدی
و لله در القائل:
قالوا غدّا العید ما ذا أنت لابسه‌فقلت خلعة عبد قط ما جزعا
فقر و صبر هما ثوبان تحتهماقلب یری ربه الأعیاد و الجمعا
أحری الملابس أن تلقی الحبیب بهایوم التزاور فی الثوب الذی خلعا
الدهر لی مأتم إن غبت یا أملی‌و العید ما دمت لی مرائی و مستمعا
و فی الیوم الثانی عشر منه یجتمع خدام الحرم النبوی و یذهبون إلی مسجد قباء ثم یتفرقون فی البساتین فیقطعون قلوب النخل لیجعلوا منها المکانس التی یکنسون بها المسجد الشریف کما سیأتی فإذا کان وقت الأصیل نزلوا إلی المدینة مع حاشیتهم فی موکب عظیم و یبرز أکثر الناس إلی وادی بطحان للتفرج علی موکبهم فی ذلک المیدان و التباشر بقدوم الحاج ثم إن الخدام من الیوم الثانی و العشرین منه إلی عاشر ذی القعدة الحرام یجتمعون فی صفة الخدام مع المنشدین فیجعلون فصلا من الموشحات و الأذکار الیمانیة و الإنشادات التی أنفاسها رحمانیة و صغار الخدام حول الصفة یصنعون المکانس و یقذفون الطیب علی من یحضرهم من الخاصة و العامة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 226 تهن بذی القعدةفقد أبدی لکم مبعده
فلا أخلفک الرحمن‌فی إنعامه وعده
شهر ذی القعدة الحرام فی الیوم السابع عشر منه یکون کنیس الحرم النبوی و هو یوم شریف یجتمع الناس فیه فی المسجد النبوی ثم یصعد القاضی و شیخ الحرم مع الخدام و الفراشین إلی سطح المسجد الشریف فیکنسونه و یرمون من دائرة فی صحن المسجد للفقراء و الأطفال التمر و الفتوت و هم ینادون العادة یا سادة ثم إنهم ینزلون إلی الروضة المطهرة فیرفعون ما فیها من المصاحف و الأجزاء التی داخل الحجرة المعطرة خوفّا علیها من هجم الحجاج ثم یرفعون البسط إلی الحواصل التی بالمسجد الشریف ثم یذهبون إلی البساتین و ما فی معناها و هو یوم معدود من الأعیاد و عادات للسادات سادات العادات و ربما أنکر ذلک بعض الواردین إلی المدینة الشریفة من أصحاب الأغراض بل الأمراض الباطنیة بشهادة أفعالهم الدنیة و کیف یجوز الطعن علی جیران سلطان الأنبیاء فی سنة مشی علیها الأولون و لم ینکرها علیهم علمائهم و ما رآه المؤمنون حسنّا فهو عند اللّه حسن و لکنها الأهواء عمت و أعمت.
و لو أنها تمشی الهوینا عذرتهاو لکنها تمشی و تسرع فی الوحل
و فی الیوم السابع و العشرین منه یکون قدوم الرکب الشامی و هو یوم معدود و موسم مشهود لا یبقی فی المدینة کبیر و لا صغیر و لا جلیل و لا حقیر حتی تشمله برکته و تعود علیه بخیر حرکته ثم إن أمین الصرة یأتی إلی المسجد النبوی بالأمانات الرومیة فیفرقها علی أهالیها و یسلم الوظائف السلطانیة إلی حکام المدینة السنیة فتفرق علی أصحابها و هم علی هذه المنن و الصلات و الخیرات و الهبات منهم الضالع و منه الضلیع و منه الناهض و منهم المقعد و لا یزال التقدیر یضحک من التدبیر و اللّه غالب علی أمره و هو الواحد فی الکل المتصرف بحکمته فی مملکته کما یشاء لیس لک من الأمر شی‌ء من ذا الذی یشفع عنده إلا بإذنه و اللّه من ورائهم محیط.
نکتة:
قال بعض أهل المدینة:
أیام هذا الموسم ثلاثة، الیوم الأول یظهر برقیقة من رقائق قوله تعالی لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ و الیوم الثانی یظهر بسر قوله تعالی وَ تَرَی النَّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری و الیوم الثالث یظهر بلطیفة من لطائف قوله تعالی فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ.
و أما المجلوب إلی المدینة من فواکه الشام و کسوتها و تفاریقها فیعجز القلم عن
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 227
وصفه و به یظهر و بتسمیة المدینة المنورة أکالة القری و الحمد للّه علی هذه الأنعام و اللّه تعالی یخلد هذه النعم بدوام أیام دولة آل عثمان إلی یوم القیامة.
وافاک ذو الحجة یا ذا الحجابکل ما یرجوا و ما تطلب
یهفو الذی ناداک بین الملاو کل من والاک لا یغلب
شهر ذی الحجة الحرام، بکسر الحاء أفصح من فتحها.
قال الراجز:
و فتح قاف قعدة قد صححواو کسر حاء حجة قد رجحوا
فی أول یوم منه یکون خروج قاصدی الحج من سکان المدینة المنورة ممن ساعدتهم الأیام و جنبتهم موجبات الملام.
و ما أحسن ما قال:
یا قاصدین حمی لیلی و قد ضمنت‌لقاصدیها من الأیام أفراحا
إنا أقمنا علی عجز و مسکنةو من أقام علی عجز کمن راحا
و قال السراج عمر الأشهل الأنصاری:
للحج فضل و کل من عرفه‌یسعی علی رأسه إلی عرفه
فقل لمن خیموا بسفح منی‌و خلفونا من بعدهم ضعفه
لیالی الصیف فی مدینتناتحکی لیالی منی و مزدلفه
و لله در القائل:
إذا زمزم الحادی بألحان‌سجعهم و سابقه رکب من الدمع فی خدی
صبغت مجمر من الجفن بعدهم‌من الرمل مبیضا لأرعی لهم عندی
مسئلة: هل تکون وقفة الجمعة بسبعین حجة؟
قال ابن القیم الجوزیة: لیس لذلک أصل و لا رأینا نقلا فی ذلک لکن ینبغی أن تکون أفضل من غیرها کما إن یوم الجمعة أفضل من سائر الأیام کذا فی مناسک ابن زید المالکی قاله صاحب زهر البساتین و قال الملا علی القاری فی شرح لباب المناسک لوقفة الجمعة مزیة علی غیرها بسبعین درجة و قد ألفت فی هذه المسألة رسالة سمیتها الحظ الأوفر فی الحج الأکبر.
و قال الحج لا یکفر شیئّا من المظالم المتعلقة بحقوق العباد بل یبقی علی ذمته حتی یؤدیها إلی أهلها أو یستحل منهم أو یکون تحت المشیئة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 228
و فی شرح منیة المصلی للحلبی: یؤخذ فی مقابلة دانق من مال الغیر سبعمائة صلاة مقبولة.
و ما أحسن ما قال:
کن کیف شئت فإن الله ذو کرم‌و ما علیک إذا أذنبت من بأس
الإثنین فلا تقربهما أبدّاالشرک بالله و الإضرار للناس
و یرحم اللّه القائل:
من نال منی أو علقت بذمته‌أبرأته لله شاکر منته
أنا لا أعوق مؤمنّا یوم الجزاءأنا لا أسوء محمدّا فی أمته
و الله لا طالب عبدّا عنده‌و لئن طلبت رجوت واسع رحمته
مسئلة: هل کان الحج واجبّا علی من کان قبلنا أولّا فیه خلاف.
قال ابن الخلیل: الصحیح أنه لم یجب إلا علی هذه الأمة و أما مشروعیته فمستمرة من آدم علیه السلام بل قبله إلی آخر الدهر فحجة الأنبیاء و الملائکة علیهم السلام کذا فی جمع المناسک و فی الیوم التاسع من ذی الحجة یجتمع الناس بالمسجد النبوی یتعرضون لنفحات اللّه تعالی و کان علیه الصلاة و السلام یقف فی مثل هذا الیوم بعرفات و هو موضع بقباء و قد تقدم ذکره.
و فی الیوم العاشر منه یکون العید الأکبر فیکون فیه ما یکون فی عید الفطر من التزاور و التطاعم بزیادة الأضاحی.
و ما أحسن ما قال:
تهن بعید النحر و انحر به العدافلا زلت مسعودّا و لا زلت مسعدا
و لا زال ما تهواه منک مقربّاو کل الذی تشنأه عنک مبعدا
فائدة: فی کتاب البرکة فی السعی و الحرکة عن السلف.
صیام یوم من عشر ذی الحجةیعدل صیام سنة و لیلة
منها بلیلة القدر.
و أنشدوا:
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 229 صم عشر ذی الحجة و ارغب إلی‌رب العلا فی الفوز بالجنة
فهو کما قد جاء لمن صامه‌فی عرصات الحشر کالجنة
تتمیم: رأیت بخط بعض الفضلاء أن من کانت (له إلی اللّه تعالی) حاجة و أتی إلی قبر سیدنا إسماعیل بن جعفر الصادق و هو فی قبلی باب البقیع من داخل السور و ذلک فی الیوم العاشر من ذی الحجة فصلی رکعتین و قرأ الفاتحة و سورة الإخلاص بالإخلاص مائة مرة و صلی علی النبی صلی اللّه تعالی و سلم علیه- و توسل إلی اللّه تعالی فی قضاء حاجته.
قضیت بعنایة اللّه تعالی و کرمه و ما زال هذا الشهر یعرف فی المدینة المنورة باللأواء و ضیق الصدر و لم تزل فیه النفوس تترقب الأخبار إلی العشرین منه فیردها بعض أهل البرکات من الحجاج ثم لا تزال تتصل القوافل و تدور أحکام الأیام کما یرید الملک العلام إلی أن یبلغ الکتاب أجله و اللّه سبحانه و تعالی أعلم و أما ما یتعلق بالسنة الشمسیة و هی أربعة فصول.
فصول لأوقات الزمان جمیعهابأربعة معتادة العود و الکر
ربیع و صیف مع خریف و بعده‌شتاء إلی یوم القیامة و الحشر
الفصل الأول و هو فصل الربیع و هو ثلاثة بروج الأول برج الحمل و هو أول السنة البروجیة و أول یوم منه یوم النوروز فیه یعتدل الزمان و یطیب الهواء و تنحسم مادة الأدواء و تتنسم نسمات الأسحار و تتبسم أنوار الأزهار و یسجع الأطیار علی الأغصان، و تنشد بلسان حال البستان:
هذا الربیع و هذه أنواره‌طاب الزمان و أورقت أشجاره
فأطرب علی صوت الهزارو غنی هذا هواک و هذه آثاره
و قال ابن تمیم:
بعث الربیع رسالة بقدومه‌للروض فهو بوصله فرحان
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 230 و الطیب ما قرأ الهزاربشجوه مضمونها مالت به الأغصان
و قال غیره:
ضحک الروض من بکاء الغیوم‌و حکی زهره لزهر النجوم
و قدوم الربیع أحیی‌الأراضی بآقاح تبسمت للقدوم
و لسان الطیور سبح لماشاهدت فی الحدیث صنع القدیم
و غصون الریاض مالت‌فی حلی الزهر میل قد قویم
فاعتنق من صفاء عیشک غصنّاسوف تثنیه عنک أیدی الهموم
لطیفة: قال ابن غانم فی کتابه کشف الأسرار و اختلاف الهواء فی الفصول الأربع بما هو أصلح و أنفع فیهب فی الربیع شمالا فیلقح الأشجار و یعدل اللیل و النهار و یهب فی الصیف صبا فینمی الأثمار (و یزهی الأشجار و یهب فی الخریف جنوبّا) فتأخذ کل ثمرة حد طیبها و تستوفی حق ترکیبها و یهب فی الشتاء دبورّا فیخف عن کل شجرة حملها و یجف ورقها و یبقی أصلها فیه تنمی الثمار و تزهی الأشجار و تسلسل الأنهار و تستروح الأسرار.
ألم تر أن نسیم الصباله نفس نشره صاعد
فطورّا یفوح و طورّایسبق کما یفعل الواجد الفاقد
و سکب الغمام و ندب الحمام إذا ما انثنی الغصن الماید
و نور الصباح و نور الأقاح إذا هزه البارق الراعد
و وافی الربیع بمعنی بدیع‌یترحمه ورده الوارد
و کل لأجلک مستنبط لمافیه نفعک یا جاحد
و فی کل شی‌ء له آیةتدل علی أنه الواحد
و کل لآلائه ذاکرمقر له شاکر حامد
و قال:
یا طیب ما نقل النسیم‌لمسمعی عن نشر ذیاک المحل الأرفع
هب النسیم صبّا لیبرد لوعتی‌فآثار نار تحرقی و توجعی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 231 ما ذاک إلا أنها لما سرت‌مرت علی تلک الربا و الأربع
و أنت بوصف أحبتی فی‌طیبها فسکرت حتی لا أفیق و لا أعی
وافت تبشرنی بلیلی أنهافی حسنها سفرت و لم تتبرقعی
و جلت علی عشاقها فی‌حانها وجهّا تمنع فی حمی متمنع
و قال:
هبت لنا ریح شمالیةأتت إلی القلب بأسباب
أدت رسالات الهوی‌بیتّا عرفتها من بین أصحابی
و قال:
یحدثنی النسیم عن الخذاماو یقرینی عن الشیخ السلاما
و یسری تحت جنح اللیل سرّافیوقظنی و قد هجع النداما
و أسکر من شذاه حین یسری‌کأنی قد ترشفت المداما
أهیم بنشره طربّا و سکرّافیبدی البرق من طربی ابتساما
تمر علی الریاض، ریاض‌نجد فتنعطف الفصول له احتشاما
و یقلقن حمام الأیک نوحّاو یذکرنی بالمنازل و الخیاما
خیامّا تجمع الأحباب فیهاو فیها یبلغ القلب المراما
تجلی وجه من أهواه فیهابحسن نوره یجلو الظلاما
فی العشرین من الحمل یکون طلوع الفرغ المؤخذ مع الفجر و فی الرابع عشر منه یتوسط مع الفجر أول الشولة و فی الیوم الحادی و العشرین منه یدخل نیسان و فی الیوم الحادی عشر من نیسان و هو أول الثور یکون عید النصاری و أول الخماسین یوم الاثنین بعده و هی أثقل أیام السنة علی الأجساد.
و الثانی: برج الثور فی الیوم الثانی منه یتوسط مع الفجر رابع الواردة و یتوسط راعی النعائم فی الرابع عشر و نیر البلدة فی السابع عشر الثالث برج الجوزاء و ینتهی طول النهار و قصر اللیل فی آخره و یتوسط شمالی سعد الذابح فی ثامنه و تطلع الثریا فی عاشره و نیر بلغ فی سادس عشرة و نیر سعد السعود حتی السابع و العشرین منه.
الفصل الثانی: فصل الصیف و هو ثلاثة بروج: الأول: برج السلطان و هو برج الانقلاب الصیفی و أبان الفواکه و الثمار و یتوسط فی عاشره وسط الأخبیة و فی ثامن عشرة شمالی الفرغ المقدم.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 232
الثانی: برج الأسد و فیه یشتد الحر و فی أوله یتوسط شمالی الفرغ المؤخر و فی ثالث عشرة الرشا و فی الثانی و العشرین منه شمالی الشرطین الثالث برج السنبلة یتوسط نیر البطین فی خامسها و فی ثامنها تطلع الجبهة و سهیل و إذا ناث سقطت الجمرة الأولی فی الهواء قال الصفدی فی تذکرته الجمار ثلاثة کواکب زاهرة تطلع فی آن واحدا بعد واحد فیکون بطلوعها أول البرد ثم تنحط فی سباط فیکون بسقوطها زواله و فی سابع عشر السنبلة یتوسط نیر الثریا و فی الخامس و العشرین منها یتوسط نیر الدبران و فیها تکثر السحب الفارغة و تجد النخیل.
الفصل الثالث: فصل الخریف و هو ثلاثة بروج برج المیزان و فیه یعتدل الزمان و یأخذ النهار فی النقصان و یسمی المهرجان و هو زمان زرع الحنطة و الشعیر و طیب الهواء فی الروض النضیر.
قال ابن الوکیل:
و کما جلا وجه الخریف محاسنّاو صفق ماء النهر إذ غرد القمری
أتاه النسیم الرطب رقص دوحه‌فنقط وجه الروض بالذهب المصری
و قال الحکیم:
إحذر أمن هذا الخریف فإنه‌مستعذب متلطف خطاف
یسری إلی الأجساد فی عنق الدجی‌بلطافة و من اللطیف یخاف
فی الحادی عشر من المیزان تتوسط الهقعة مع ثانی النظوم و فی الخامس و العشرین منه یتوسط نیر الهقعة الثانی برج العقرب یتوسط فی عاشره أجر الزراع و فی الثالث و العشرین منه تتوسط النشرة الثالث برج القوس و هی نهایة اللیل و غایة قصر النهار.
و فی ذلک یقول القائل:
وصل الحبیب جنان الخلد أسکنهاو هجره النار یصلینی بها النارا
فالشمس بالقواس أضحت و هی نازلةإن لم یزرنی و بالجوزاء أن زارا
فی ثالثه یتوسط شمال الطرف‌و فی ثانی عشرة قلب الأسد
و جنونی جبهة الأسد و فی‌الثامن و العشرین تطلع منه الزبره
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 233
الفصل الرابع: فصل الشتاء و هو ثلاثة بروج الأول برج الجدی و هو أول اللیالی و تسمی الأربعین و یباری طوبه بحساب الزراعین أو هی فی النصف منه بحساب أهل التاریخ و فیها یشتد البرد و یحسن غرس الأشجار و الکروم و فیه یبدو الطلع.
و أنشد لنفسه قطب الدین الحنفی فی باب التوریة:
توق من الشتاء و لا تخاطربنفسک قائلا إنی جلید
فرضنا أن جسمک من حدیدفهل یقوی علی البرد الحدید
یتوسط الطرف فی سابعه و زاویة العوافی ثالث عشرة و السماک فی آخره و تطلع التوله فی سادسه و من غریب الأخبار أن المال المدفون عند طلوعها لا یوجد إلا عند طلوعها .
ثانیّا: من العام القابل الثانی برج الدلو و هو قلب الشتاء و یباری أمشیرّا و هو فی السادس العشر منه و هو برج الحصاد و فیه یحسن غرس النخل و البطیخ و یتوسط العقرب ثانی عشر.
الثالث: برج الحوت فیه تکثر الأهویة و فی الحادی عشر منه یطلع سعد السعود و یجری الماء فی العود و یقال غرس النخیل فی الحوت من عمل أهل البخوت و یتوسط فی أوله شمالی الزبانا و فی رابع عشرة نیر جبهة العقرب و فی الثالث و العشرین منه قلب العقرب و علی هذا تدور الفصول.
أدام الله عزک فی سعودبها و بمجدک العالی تصول
و أفلاک السعادة دائرات‌بجاهک ما تعاقبت الفصول
مسئلة: إذا کان الفرقدان فوق الجدی فالمتوسط الزبانا فإذا کانا غربیة فی محاذاته فالمتوسط سعد بلغ فإذا کانا تحته فالمتوسط البطین فإذا کانا شرقیة فالمتوسط الطرف.
مسئلة: لسقط فی الماضی من أیام السنة القبطیة ستة و قیل سبعة و من الباقی لکل منزلة من الزبدة ثلاثة عشر إلا منزلة آخر السنة فتسقط لها أربعة عشر فی البسیطة و خمسة عشر فی الکبیسة فالمنزلة الطالعة بالفجر حیث تنتهی و الغاربة الخامسة عشر منها .
قاعدة: یغیب القمر فی کل لیلة علی مضی ستة أسباع ساعة من أول الشهر فإذا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 234
کانت اللیلة الخامسة عشر طلع علی مضی ستة أسباع ساعة و هکذا إلی تمام الشهر وجه آخر یغرب القمر علی مضی نصف سبع اللیل من أول الشهر و فی اللیلة الثانیة علی سبع و هکذا و یطلع لیلة الخامس عشر علی نصف سبع و هکذا فإذا ضربت ماضی لیالی النصف الأول من الشهر فی أربعة و طرحت الخارج خمسة خمسة کانت کل خمسة ساعة مضت من اللیل وقت غروب القمر إلی أربعة عشرة و هکذا تفعل بالماضیة بعد ذلک و ما بقی أقل من خمسة فهو من أخماس ساعة.
قاعدة: زد علی الماضی من السنة القبطیة مائة و خمسة و سبعین یومّا و اطرح من المجموع لکل برج من الحمل ثلاثین فحیث تنتهی تکون درجة الشمس فإن زاد المجتمع علی دور فاجعل لکل برج مما زاد واحد و ثلاثین و هکذا.
قاعدة: خذ للقبطی ما زاد علی اثنین و تسعمائة من السنین العربیة بالقبطیة التی دخلت فیها و أسقط منه الازدلاف و هو أن تخرج السنة العربیة و لا تدخل فیها سنة قبطیة و زد علی الباقی ألفّا و مائتین و ثلاثة عشر فما اجتمع فهو عدد السنین القبطیة زد علیها خمسمائة و تسعین یحصل عدد سنتک السریانیة التی تدخل فی طوبه من تلک السنة القبطیة و عدد السنة الرومیة التی تدخل فی طوبه من تلک السنة المفروضة و إذا أردت معرفة ما أنت فیه من الأشهر القبطیة فاحسب ما مضی من السنة العربیة شهرّا تامّا و شهرّا ناقصّا فما اجتمع زد علیه أس السنة القبطیة و هو عبارة عن الماضی منها قبل دخول سنتک العربیة فإن کان المجتمع أقل من سنة قبطیة فاطرحه ثلاثین ثلاثین و ابدأ من نوت تنتهی إلی شهرک القبطی و إن کان المجتمع أکثر من سنة فاطرح سنة و افعل بالباقی کما تقدم.
قاعدة: الثالثة و الرابعة من السنین العربیة و القبطیة کبیسة و ما عدا ذلک سابط فائدة الکواکب ما عدا السمقة السیارة فی الفلک الثامن و یسمی المکوکب و أصغر کوکب یری من الثوابت کالسها أکبر من زحل، و زحل مثل کرة الأرض إحدی و تسعین مرة و قطر الأرض سنة آلاف و خمسمائة و أربعة عشر میلا کذا فی کتاب سر الفلک.
نکتة: قال بعضهم العالم کرة و الأرض نقطة و الأفلاک قسی و اللیالی أوتار و الحوادث سهام و الإنسان هدف و اللّه الرامی فقروا إلی اللّه منه انتهی .
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 235
قال فی الفتوحات المکیة:
إذا قلت یا مولای قال لما تدعوو إن أنا لا أدعو یقول ألا تدعو
لقد فاز باللذات من کان أخرسّاو خصص بالراحات من لا له سمع
تتمیم: لا ریب فی أن أهل المدینة المنورة من أسعد هذه الأمة بجوار سلطان الأنبیاء و صدق التوسل به و الانتماء إلیه صلی اللّه و سلم علیه و أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف علی أن فی المدینة قومّا من أهالیها کأنهم لآلیها تنازعوا درة بینهم و أوجبوا الرضیع الکأس ما یجب لا یحفظون علی النشوان زلته و لا تریبک من أخلاقهم ریب.
شعر أوهم کما قال:
قوم هم فی الدجا للناس أقمارو هم لمن هجروا الأوطان أوطار
و أین حلوا یحل الخصب حومتهم‌کأنهم مثلما قد قیل أمطار
هم العیون فإن تبصر هدی فبهم‌و فی الهدی لیس بعد العین آثار
سلهم و سل عنهم إن کنت ذا وطرفعندهم لذوی الحاجات إیثار
و حل حلتهم تسعد فیهم غرب‌تحمی النزیل و لا یؤذی لهم جار
و انعم إذا کنت تهواهم بعیشتهم‌و أصحبهم إن تأت یومّا بک الدار
أو کما قال:
قوم بأحمد فی الأنام تمسکواو بتربة بین الکرام تمسکوا
و بحبه فی العالمین تهتکوابوادیه حج لهم و تنسک
و لا یرتجون سواه فی مقصودیرجون أحمد عند غایات المنا
و به یزیلون المشقة و العنامتوسلین به یرومون الفنا
لله در قلوبهم لهم الهناخلوا به فی المنزل المسعود
الحب أبلاهم و أنحل جسمهم‌و المحق أفنی فی الحقیقة رسمهم
قد أدغموا فی حب أحمد إسمهم مذ صیروا داع المحبة رسمهم
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 236 فهم لأحمد من أقل عبیدقد أشربوا کأس المحبة مترعّا
فلذلک قد صرعوا فیا لک مصرعانالوا الفخار به و طابوا منبعّا
و زهت فروعهم لغصن أینعافهم بأحمد فی علا و صعود
متحققین بنوره فی قدسهم‌أحیاء قد عاشوا به فی رمسهم
متطلعین لحسنه فی أنسهم‌متشرعین بفعله فی حسهم
خلفاؤه فی عزه و سعودولیهم الرحمن عنه نیابة
ملک الوجود عنایة و مثابةنالوا بأحمد فی الأنام مهابة
نور تلبیه القلوب إجابةمهما دعا للعشق ود ودود
و أنشد لنفس العفیف التلمسانی قدس سره العزیز:
عندی بکم یا أهیل کاظمةأسرار وجد حدیثها عجب
أری بکم خاطری یلاحظنی‌من أین هذا الإخاء و النسب
و قال آخر:
ألا إن لی فی أرض طیبة جیرةشددت بهم مهما ضرا حادث أدری
کرام إذا ألقی الزمان صروفه‌جعلتهم فی کل نایبة ذخری
و ما أحدثت أبدی الزمان اساءةو وافیتهم إلا انتقمت من الدهر
إذا کان عمر المرء طیب حیاته‌فإن طریف المال کالواو فی عمرو
من أهل المدینة من رضی بالمقیل فی خمائل الخمول و جسم إلا عن الضروریات مادة المأمول فلا تراه إلا مجموعا فی ذاته ممتعا فی وجوده بلذاته فقد أثر الوحدة علی الاجتماع و ضیق المعاش علی الاتساع متمثلا فی هذا الحال بقول من قال:
إذا قنعت بقوت‌و لبس ثوب مرقع
و لم یکن لی عیال‌نفسی لهم تتفجع
و لا بنون صغارقلبی بهم یتقطع
و لا صدیق صدوق‌فراقه أتوقع
و کأن لله نسکی‌فما بی الدهر یصنع
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 237
و قال آخر:
لله تحت قباب العزّ طائفةأخفاهم فی رداء الفقر إجلالا
هم السلاطین فی أطمار مسکنةاستعبدوا من ملوک الأرض إقبالا
غیر ملابسهم شم معاطهم‌جروا علی ملک الخضراء أذیالا
هذی المناقب لا ثوبان من عدن‌خبطا قمیصا فعاد بعد أسمالا
یروی أن الرشید ظفر من خزائن بنی أمیة برقعة من الحریر الأخضر مکتوب فیها بالذهب الأحمر هذان البیتان:
إذا سد باب عنک من دون حاجةفدعه لأخری ینفتح لک بابها
فإن قراب البطن یکفیک ملؤه‌و یکفیک سوآت الأمور اجتنابها
فقال:
و لا تک مبذالا لعرضک و اجتنب‌رکوب المعاصی یجتنبک عقابها
و سم بجمیل العبر نفسک و اغتنم‌شریف المزایا لا یفتک ثوابها
تعش سالمّا و القول فیک مهذب‌کریم و قد هانت علیک صعابها
و تندرج الأیام و الکل ذاهب‌یمر و یفنی عذبها و عذابها
و ما الدهر إلا من یوم و لیلةو لا العمر إلا طیها و ذهابها
و قال آخر:
أخص الناس بالایمان عبدخفیف الحاد شیمته الوقار
له باللیل حظ من قیام‌و من صوم إذا جاء النهار
و فیه عفة و له خمول‌إلیه بالأصابع لا یشار
تقل الباکیات علیه إن ماقضی نحبّا و لیس له یسار
فذاک قد نجا من کل هم‌و لم تمسه یوم الحشر نار
و منهم المحسن و المؤثر علی نفسه علی ضیق الحال و شدة البأس و کان یقال:
لیس العطاء من الفضول سماحةحتی تجود و ما لدیک قلیل
و ما أوقع ما قال:
الناس اثنان فی زمانک ذاأن تبتغی غیر دین لم تجد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 238 هذا بخیل و عنده جده‌و ذا جواد بغیر ذات ید
و کان یقال: الکریم من إذا وهب لم یهب و کان یقال أجدنی أشتهی ما لا أجد و أجد ما لا أشتهی. و کان یقال جد بما تجد. و قال الحکیم:
إذا جاد علیک الزمان‌فجد فیه للناس و ابسط یداک
و إن أمسک الدهر عنک الغنی‌فنفسک دنها ودع من عداک
و قال:
الجود و جد فإن لم یأت عن سعةفذاک ضرب من التبذیر و الکلف
فإن وجدت فلا تبخل و إن عدمت‌یداک فاحذر من الإملاق و التلف
و قال آخر:
إذا وصل الدهر أیدینا لمکرمةثم امتنعنا فلا نلنا آمالینا
أو عاند الدهر إذ بالفجر خصصنافالذنب للدهر کف الفجّر أیدینا
و قال:
رب حی لمیت لیس فیه‌أمل یرتجی لنفع و ضر
و عظام تحت التراب و هی فی الأرض منها آثار حمد و شکر
و قال لسان الحال:
قوم مضوا کانت الدنیا تزان بهم‌و الدهر کالعید و الأوقات أقوات
ماتوا و عشنا فعاشوا بعد موتهم‌و نحن فی صور الأحیاء أموات
و منهم من یکتسب و تکون به الخصاصة التامة و الفاقة العامة، فلا تراه یشکوا مضرته و لا یقبل من أحد منته بل ینتظر الفرج من رفیع الدرج و یستدین علی آماله فی رحمة اللّه و نواله و کان یقال سعف النخیل خیر من اسعاف الخلیل.
و کان یقال:
لا تظهرن لعاذل أو عاذرحالیک فی السراء و الضراء
فلرحمة المتوجعین حرارةفی القلب مثل شماتة الأعداء
و کان یقال من الخطوب المدلهمة، عزة النفس و بعد الهمة و لا یصلح للإخاء غیر أهل السخاء و کان یقال حسبک کسبک و لا یخلق الدیباجة کالحاجة.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 239 توکل و لا تتکل و احتسب‌فما ذاک صد عن الإتکال
و إن اکتسابک فی نفسه‌بمحض اتکال علی کل حال
قال بعضهم مضغ القیصوم و الشیح خیر من النظر إلی الشحیح، و إنما الشهد من وراء الجهد، و الحر المحتاج إذا وقع فی اللجاج یتجزی بالبقل و یقنع به و إن قل.
الملح و الکرات أشهی عندنامن أکل مامولیة بالسکر
و مشاهد الحرمین أعلی رتبةمن أن نقیم بدار ملک أکبر
و قال:
کسرة خبز و کف ملح‌و فرد ثوب مع السلامة
خیر من العیش فی نعیم‌تکون من بعده ندامة
و قال:
نصف رغیف مشبع لمن أکل‌فالذل من أی الوجوه یحتمل
هون علی نفسک فالدهر دول‌و الغایة الموت و إن طال الأمل
و قال:
مطیتنا للمنزل الرحب صبرناعلی الضیم إن النفع فی ذلک الصبر
و من یقتبس نار الکلیم فشرطه‌و لا بد ترک الأهل بالطوع و بالجبر
و قال أبو حیان:
إذا المرء أضحی للمراد مطلقّاو حاز عنان النفس فهو موفق
و إن دام محجوبّا بأهل و موطن‌فلا شک فی بحر التساویف یغرق
علی أن المطلوب من الدنیا سلامة الدیباجة، و مفارقة ذل الحاجة، و إلا فقد جاء أن آدم علیه السلام کان زراعا، و صح أن سبعین نبیّا ماتوا جیاعّا . و الحمد للّه الذی کرم بنی آدم بمزیتی العقل و التبیین، و خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصیم مبین و من دعاء أمیر المؤمنین علی کرم اللّه وجهه اللهم صن وجهی بالیسار، و لا تبذر جاهی بالاقتدار فاسترزق طالبی برزقک، و استعطف شرار خلقک، فامتحن بحمد من أعطانی، و افتتن بذم من منعنی، و أنت من وراء ذلک کله ولی الاعطاء و المنع إنک علی کل شی‌ء قدیر یا نعم المولی و یا نعم النصیر.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 240 یا رب لا تحینی إلی زمن‌أکون فیه کلّا علی أحد
خذ بیدی قبل أن أقول لمن‌أراه عند القیام خذ بیدی
و من حسن التوسل:
إلهی قد مننت بکل خیرعلینا من مواهبک الجزیلة
و قد عودتنا لطفّا جمیلافلا تقطع عوائدک الجمیلة
و منه:
إلهی أنت تعلم أن ضعفی‌بعفوک من عذابک یستجیر
و إنی یا غنیّا عن عذابی‌إلی أن لا تعذبنی فقیر
و منهم المبتلی بأسنه الأسنة ، و اللّه أعلم بالسرائر، و کان یقال: لا سلامة من الناس و لا غنی عنهم؛ فاصحبهم علی قدر الحاجة. الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة ؛ ص240
ما أوقع ما قال الأمیر علی بن المغربی:
تجاف عن العتبی فما الذنب واحدوهب لصروف الدهر ما أنت واجد
إذا خانک الأدنی الذی أنت حزبه‌فلا عجبک إن أسلمتک الأباعد
فلا تشک أحداث اللیالی إلی امرءفما الناس إلا حاسد و معاند
إذا وطن ساءتک أخلاق أهله‌فدعه فما یغفی علی الضیم ماجد
و بث حبال الوصل فمن توده‌إذا لم یرد کل الذی أنت وارد
و قل للیالی کیفما شئتی فاصنعی‌فإن علی الأقدار تأتی المکائد
و لا ترهب الخطب الجلیل لهوله‌فطعم المنایا کیف ما ذقت واحد
(فیاذا النهی کم ذا المقام علی القذی) و فی العزم حاد للمطایا و قائد
فقم نحصد الأعمار أو نبلغ المنی‌نجد فللأعمار لا بد حاصد
فلیس بصعاد إلی ذروة العلی‌نؤم تنادیه العلی و هو راقد
و فی السعی عذر للفتی لو تعذرت‌علیه المساعی أو جفته المقاصد
خلیلی کم لهوی اللیالی و همتی‌تناولنی الجوزاء و الجد قاعد
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 241 و کم ذا أناجی همه دون همهانجوم الثریا و السها و الفراقد
و قال آخر:
لأجلک یا من شرف الله قدره‌تجرعت کأس المر من معشر البلوی
و لو لا غرام لی بطیبة لم أکن‌أذل لمن یسوی و من لم یکن یسوی
و من أهل المدینة من ساعدته الأقدار، و لحظة الطالع السعید، فجمع له بین الحسنتین و ادخل فی حیطة لا یسمعون حسیسها، و ذلک فضل اللّه یؤتیه من یشاء، و کان یقال:
إذا حلت العنایة بقطر من الأقطارسکبت اللآلی‌ء فیه الأمطار
إذا عرضت فالأهل منی أجانب‌و إن أقبلت فالأجنبی نسیب
و ما أصدق ما قال:
و إذا السعادة لاحظتک عیونهانم فالمخاوف کلهن أمان
و اصطد بها العنقاء فهی خبائل‌و اقتد بها الجوزاء فهی عنان
و الغالب علی طباع أهل المدینة، محبة التنزه، و الاجتماع الخالی عن الکلف بحسب ما یقتضیه الحال، و ربما افصحوا عن حالهم بقول من قال:
إذا ما اجتمعا طاب بالأنس وقتناو طبنا بجمع بالأحبة سالم
و ما القصد إلا أن یکون اجتماعناو ما الأکل إلا من صفات البهائم
و قال آخر:
روح الروح براحات الأمل‌و تعلل بعشی ثم لعل
ما تناهی الشی‌ء إلا و انتهی‌و بدا النقص به حیث کمل
و قال:
و عنوان شأنی ما أبثک بعضه‌و ما تحته إظهاره فوق قدرتی
و یحسن إظهار التجلد للعدی‌و یقبح غیر العجز عند الأحبة
و قال:
إذا کنت فی حالی صلاحک و الهوی‌رحیم ظنون الناس بالقیل و القال
فما الرأی إلا أن تکون بحالةتری النفس فیما تشتهی ذات إقبال
و من أهل المدینة من یری رکوب البرید فی طلب الثرید و فیهم من هو أثبت فی
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 242
الدار من الجدار و أطفل من اللیل علی النهار، و فیهم من هو حرف جاء لمعنی فی غیره، و فیهم من هو من أفراد عموم لو اطلعت علیهم لولیت منهم فرارّا، و فیهم و اللّه واسع علیم.
لنا عتب علی سلمان سلع‌و حاشی المازنیة من عتاب
أنشد لنفسه السید حسن بن شدقم الحسینی:
و لیس غریبّا من نأی عن دیاره‌إذا کان ذا مال و ینسب للفضل
و إنی غریب بین سکان طیبةو إن کنت ذا مال و علم فی أهلی
و لیس ذهاب الروح یومّا منیةو لکن ذهاب الروح فی عدم الثکل
قال ابن فرحون فی تاریخ المدینة: و کان رؤساء المدینة یوالون المجاورین و یخدمونهم و یتقربون إلی خواطرهم بقضاء الحوائج، و الهدایا و الطرف مع حسن الاعتقاد فیهم، و التماس أدعیتهم و برکتهم.
قلت: الموجب لذلک عفة من کان یرد علیهم، و ما اشتملوا علیه من حسن السیرة، و صفاء السریرة، لا کأیامنا التی لا یرد علینا إلا المنهوم الذی لقطته افاقه، و تجافته رفاقه، فلا یلبث بها حتی ینازع أهلها فیما بأیدیهم، و یطعن فی أعراضهم، و هو فی نادیهم، لا یعرف بهم حق التقدم و الجوار، و متی ما أمکنه الغدر أغار.
و لست علی غیب أحیلک لا و لاعلی مستحیل موجب سلب حیلتی
و قال بعض العقلاء:
و ما عبر الإنسان عن فضل نفسه‌بمثل اعتراف الفضل فی کل فاضل
و ما أخس أن یرمی الفتن‌قذی النقص عنه بانتقاص الأفاضل
فتری الوداد الیوم، لا یزال فی لباس التلبیس، یجتذب مطالبه بمغناطیس التدلیس إلا ما شد ممن رحم ربک و قلیل ما هم (و المثل فی ذلک تغییر الشکل لأجل الأکل) و فی الغالب إنما تکون إساءات الغریب الوارد علی المورد الذی ینهل منه (و اللّه سبحانه و تعالی أعلم) .
و ما ضرنی إلا الذین عرفتهم‌جزی الله خیرّا کل من لست أعرف
و کان یقال: المصائب أثمار التجارب.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 243 (فیا لیتنی کالزند یکتم أمره‌و إن کان فی أحشائه النار تضرم)
نکتة: جرت سنة الفعال لما یرید فی خلقه، إن کل بلدة فی الغالب تکون عونّا لغریبها حتی علی سکانها، و علی الخصوص المدینة المنورة، و کان المرحوم العلامة الشیخ إبراهیم بن أبی الحرم المدنی یقول: لیس من الرأی تعظیم الوارد إلی هذه الدیار إلا بحسب ما یقتضیه الحال، فإنه بتعظیمه یطأ غیره، ثم یتمرد علی معظمه فیطأه کذلک، و تکون إساءته علیه أکثر، و علی الخصوص من لفظته القری، و ألف النوال و القری. و قد اتفق لی شی‌ء من ذلک، فکتبت لبعض أصحابی فی خصوص هذا المعنی:
یا أهل طیبة لا زالت شمائلکم‌بلطفها فی الوری مأمونة العتب
لکن رعایتکم للغرب تحملهم‌علی تجاوزهم للحد فی الأدب
فکان الجواب عن ذلک بلسان الحال:
مولای إن صروف الدهر قد حکمت‌و أعوزت إن بذل الرأس للذنب
کم من مقبل کف لو تمکن من‌تقطیعها ما کان ممن فاز بالارب
و اختصر المعنی بعضهم قال:
کم من ید قبلتهافلو استطعت قطعتها
و قال آخر:
و إنی لمغریّ بالتواضع مغرم‌و أنت تری أن المعالی دیدنی
و من مذهبی أنی أذل لمطلبی‌و لا أتحامی قبلة من یدی دنی
لبعضهم و لقد أجاد فی المعنی:
؟؟؟ ذریتی و نفسی فی عفافی‌جعلت عفافی فی حیاتی دیدنی
و أقطع من قطع الیدین علی الفتی‌ضیعة بر نالها من یدی دنی
و بالجملة فإن أهل المدینة المنورة بعد الحاقهم الأسیة هم أقرب الأمة إلی التجاوز و السماح، و أقرب الخلق إلی النجاة و النجاح، کیف و قد قال الصادق الذی لا ینطق عن الهوی: (جار الدار أحق بالشفعة)- و قال: (جار الدار أحق بدار الجار)، و قال: (جار
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 244
الدار أحق من غیره)، و للعموم فی الأقوال مجال عند الرجال، فتبا لمن ثلب لهم عرضّا و بعد المن أضمر لهم بغضا.
کیف و الجم الغفیر منهم سلافة النداما، و إذا مروا باللغو مروا کرامّا، قال بعضهم ینبغی لمن أراد المجاورة بالمدینة المنورة أن یکون لین الأعطاف، هین الانعطاف، حافظا لحرمة مکانها. محافظّا علی مراعات سکانها ، یشارکهم فی أندیتهم لا فی أغذیتهم و یزاحمهم فی أوقاتهم، لا فی أقواتهم، و یکتسب من أخلاقهم و لا من أرزاقهم و یقتبس من برهم، لا من برهم و یرغب فی حبهم، لا فی حبهم، مقتدیّا فی هذا المقیاس، و ازهد فیما عند الناس، و قال بعض العلماء، ینبغی لطالب سکنی المدینة، ألا یضیق علی المحتاجین بسکنی الأربطة و المزاحمة علی الصدقات و لا یسعی فی منع معروف و کان یقال:
یا لیت من یمنع المعروف یمنعه‌حتی یذوق رجال مثل ما صنعوا
و لیت رزق رجال مثل نایلهم‌قوت کقوت و وسع کالذی وسعوا
و قال آخر:
غدا توفی النفوس ما کسبت‌و یحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم‌و إن أساءوا فبئسما ما صنعوا
و قال آخر:
إذا کنت مع ما فی یدیک من الغنی‌من المال مزدادا یجد مدی الدهر
فکیف تلوم الطالبین و ربمایکون بهم ما لا علمت من الفقر
و قال:
لا تقطعن ید المعروف عن أحدما دام یمکن فالإمکان تارات
و اشکر فضیلة لطف الله إذ جعلت‌إلیک لا لک عند الناس حاجات
خاتمة قال: فی المواهب اللدنیة، روی البخاری من حدیث أبی هریرة رضی اللّه عنه أن رسول اللّه صلی اللّه تعالی علیه و سلم قال: «إن الإیمان لیأرز إلی المدینة کما تأرز الحیة إلی جحرها» أی ینضم و یلتجی‌ء مع أنها أصل فی انتشاره فکل مؤمن له من نفسه سائق إلیها فی جمیع الأزمان لحبه صلی اللّه علیه و سلم فی ساکنیها فأکرم بسکانها و لو قیل فیهم ما قیل فقد حظوا بشرف المجاورة، و ثبت لهم حق الجوار، و إن عظمت إساءتهم فلا
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 245
یسلب عنهم اسم الجار و قد عم علیه الصلاة و السلام بقوله: «ما زال جبریل یوصینی بالجار» و لم یخص جار دون جار و کل ما احتج به محتج من رمی بعض عوامهم بالابتداع و ترک الاتباع فإنه إذا ثبت ذلک فی شخص منهم لا یترک إکرامه، و لا ینتقص احترامه، فإنه لا یخرج عن حکم الجار و لو جار، و لا یزول عنه شرف مساکنته فی الدار کیف ما دار ، بل یرجی أن یختم له بالحسنی، و یمنح بهذا القرب الصوری فرب المعنی.
فیا ساکنی أکناف طیبة کلکم‌إلی القلب من أجل الحبیب حبیب
قلت: و أنت تری أن الملل و النحل علی اختلافها، و تباین ائتلافها، لا یخلوا منها قطر من الأقطار و لا مصر من الأمصار و لا یزالون مختلفین إلا من رحم ربک، و لذلک خلقهم، فمن فهم علة الخلق تنزه فی ریاض الأفکار من وهم فی سنة الحق وقع فی مشاغب الانکار، و لأهل المظاهر مجال فی حکم الظاهر، و اللّه أعلم بالسرائر.
و من محاسن المدینة أن حدیث أهلها و ذکر شمائلهم المعطرة.
مما یرقص رؤس الحکماء طربّاو یحرک نفوس العلماء عجبّا
أوصافهم تسری أحادیثهامسری النجوم الزهر فی الأفق
کما أحادیث الندی عنهم‌یسندها الرکبان من الطرف
قال العلامة ابن حجر: ینبغی أن ینظر إلی أهل المدینة بعین التعظیم، و رعایة التکریم و لا یبحث عن بواطنهم و لا عن طواههم لقوله تعالی: وَ لا تَجَسَّسُوا و یکل سرائرهم إلی اللّه تعالی، لأن الذنوب ما عدا الشرک تحت مشیئته یعذب من یشاء و یرحم من یشاء، و لا یطلع أحد علی تعلق إرادته عز و جل فیحهم بجواره کیف ما کانوا أی علی ارتکاب الذنوب الصغائر و الکبائر، فإن عظم الإساءة و لو فی الدار لا یسلب حرمة الجوار.
و أحبها و أحب منزلها الذی‌نزلت به و أحب أهل المنزلی
و قال فی الجوهر المنظم، و صرف ما یتصدق به إلی أهل المدینة أولی علی أی حالة کانوا و ذلک لأن شرف الجوار الثابت لهم أوجب الأعراض عن مساوئهم، و النظر إلی حرمتهم و ما تشرفوا به من ذلک الجوار الأعظم، و لذلک کثر فی الأحادیث الصحیحة الدعاء منه صلی اللّه علیه و سلم لهم بالبرکة، و علی من قصدهم بسوء بأقبح النکال، ثم قال
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 246
و لقد استوفیت طرقا من ذلک فی کتابی الزواجر عن اقتراف الکبائر، و مهما یکن للمرء فی القول فسحه فنسبته للذنب من أعظم الذنب، و ما أوقع ما قال القاضی الفاضل:
أعجب ما فی العیون عندی‌اظهار ما تضمر القلوب
تأبی نفوس نفوس قوم‌و ما لها عندها ذنوب
و تشتهی نفس نفوسّاو ما لها عندها نصیب
و من علی آخر یجنی‌فحسنه عنده معیب
ما ذاک إلا لحکمة ماقدرها القادر الرقیب
و من مناقب الإمام الأعظم أبی حنیفة النعمان بن ثابت رحمه اللّه تعالی قال: کان له جار مسرف علی نفسه، مدمن للخمر و کان کثیرّا ما یسمعه ینشد قول الشاعر:
أضاعونی و أی فتی أضاعوالیوم کریهه و سداد ثغر
فاتفق أن الحرس صادفوه لیلا فی بعض الطرق فأخذوه و ذهبوا به إلی السجن فلما کان الصباح بلغته القصة، فرکب إلی الأمیر و لم یکن یرکب إلیه من قبل ثم أنه تشفع فیه، فأطلقه الأمیر له، فلما أقبل علیه قال له: کیف رأیت هل أضعناک فکان سببّا لهدایته، و من أحسن ما یحکی أن رجلان کانا مع بعض الصالحین فمرا علی جماعة یشربون و یغنون فقال الرجل یا سیدی ادع علی هؤلاء المجاهرین بالمنکر فقال الشیخ نعم؛ ثم استقبل القبلة و قال اللهم کما فرحتهم فی الدنیا فرحهم فی الآخرة، فبهت الرجل، فلم یمض مدة حتی اهتدی کل منهم و حسن حاله و کان إلی طریق الخیر مآلة، و عار علی راعی الحمی و هو فی الحی إذا ضاع فی البیداء عقال بعیر و لیکن ذلک آخر ما جری به القلم من ذکر بعض محاسن المدینة المنورة و نشر لطائف هاتیک الأماکن الأمینة المعمرة و هی و إن کثر لقلیل فی جانب شرفها الشامخ، و یسیر مما کرمها اللّه تعالی (من جزیل فضله الراسخ، و لو تتبعنا ما شرفها اللّه تعالی به) من جلیل المناقب، و منحها من جمیل المواهب، لکلت دونه الأقلام و جفت المحابر و لما وسعت بعضه الدفاتر و الحمد للّه الذی شرف طابه و شوق القلوب لسماع أخبارها المستطابة، فهی الأرض التی هی فی الحقیقة السماء، و هی الروض التی من دونها المقام الاسما، أرض مشی جبریل فی عرصاتها، و اللّه شرف أرضها و سماها أرض سمت بمحمد و بآله، و اللّه رب العرش قد أسماها، اللهم اغننا فی التمسک بأهداب الآداب عن خیط باطل یعتمد حبلها الوهی، و ول أوجه قلوبنا شطرک ینطبع فی مرآتها صور الأشیاء کما هی،
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 247
و لا تخزنا بمقال لا تقال فیه العثار، و مجال یتمحل له الأعذار و صل و سلم علی رسولک الذی الزمت ربقه دینه الرقاب، و قرنت بطاعته و معصیته الثواب و العقاب، و جاره بقبول الشفاعة و بالوسیلة و المقام المحمود یوم الجزاء. و زد شمل أمته اجتماعّا ما اجتمع الکل من الأجزاء، یا من وجب لذاته وجوده، و عم جمیع خلقه إثناء انعامه و جوده فصل و سلم علی من أکرمتنا بجواره و أسکنتنا بفضلک فی ظلال سعة دیاره مما بین روضه غنّا و غیضه حسنّا و منازل باهیة باهرة و منازه زاهیة زاهرة، و جیرة قد شقوا عصا الشقاق و تراضعوا فوائق الوفاق من ألف منهم أقل لاقیت سیدهم مثل النجوم التی یسری بها الساری و عم بکرمک جمیع آله و أصحابه و مؤازریه و أحزابه ثم و الحمد للّه الذی بأمره جری القلم علی منوال ما اقتضته الحکم، و سلام علی عباده الذی اصطفی، و حسبنا اللّه و کفی.
تم الکتاب و صلی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم تم تم، تمت مقابلته علی حسب الطاقة من نسخة المؤلف فی ضحی یوم الثلاثاء لثمان بقین من شهر شوال المبارک من شهور سنة 1057.
استکتبها لنفسه الفقیر محمد نعمة اللّه التمتام نقلا عن نسخة المؤلف.
و قال مؤلفه العالم العلامة و الحبر الفهامة مولانا و سیدنا السید محمد کبریت الحسینی المدنی فرع من تنمیق هذا المسطر مؤلف فی الأوائل شهر ربیع الآخر و تمت کتابة هذه النسخة یعنی نسخته فی أواخر شوال المبارک من تمام تاریخه سنة ثمان و أربعین و ألف.
الجواهر الثمینة فی محاسن المدنیة، ص: 248

الفهرس‌

ترجمة المؤلف 3
وصف المخطوط 4
مقدمة المؤلف 11
المقالة الأولی 29
باب فیما یتعلّق بالحجرة المعطرة 52
ذکر نسب سیدنا و مولانا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم 97
باب فی ذکر المصلی و النقا و العقیق المؤذن بطیب اللقا 118
باب فی ذکر سلع و مساجد الفتح و ما اشتمل علیه ذلک الفتح 132
باب فی ذکر قبا و محاسن هاتیک الربا 136
باب فی ذکر العالیة 158
باب فی ذکر أحد و مساجده و مشهده الشریف و معاهده 185
باب فی ذکر الصدقة و السوافل و آبار العریض الکثیر النوافل 190
باب فی ذکر بقیع الغرقد و معاهده، و قراراته و مشاهده 193

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.